عقب الاضطرابات السياسية في مصر، أوقف الاتحاد الأوروبي تصدير الأسلحة إلى هناك في حين ما زالت الولاياتالمتحدة تقدم الدعم للجيش المصري الذي لا يستفيد وحده من ذلك بل يعود بالنفع الكبير على شركات الأسلحة الأميركية. كان من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وجد صعوبة في الإجابة على أحد الأسئلة نهاية أغسطس/آب الماضي الخاص باستمرار دعم الولاياتالمتحدة للجيش المصري. وبدا أوباما في تلك المقابلة التلفزيونية وكأنه يزن كل كلمة عند الحديث عن هذا الموضوع، لاسيما وأن حكومته بدأت من جديد في إعادة تقييم العلاقات الأميركية المصرية على ضوء المصالح الجديدة للطرفين في المرحلة الراهنة. تحصل مصر سنويا على 1.5 مليار دولار من الخزانة الأميركية منها 1.3 مليار للجيش المصري. وأصبحت هذه القضية شائكة بعد إعلان الجيش في يوليو/تموز الماضي عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. ورغم الجدل الشديد بشأن هذا الموضوع، فإن الحكومة الأميركية ما زالت تلتزم بما تقدمه من مساعدات مالية. ويقول الخبراء إن أي تغيير في هذه المساعدات من شأنه أن يضر بالامتيازات العسكرية التي تحصل عليها الولاياتالمتحدة في المنطقة، مما قد يعرض المصالح الأمنية الأميركية للخطر. بعيدا عن الزاوية السياسية يأخذ هذا الموضوع أبعادا مهمة أخرى تتجلى في مصالح شركات السلاح الأميركية التي تقف خلفها مجموعات ضغط قوية على الإدارة الأميركية. لا أموال بل مساعدات كما تنص اتفاقية المساعدات لا يتم مطلقا إرسال الأموال الخاصة بالمساعدات الأميركية إلى مصر. فبعدما يصوت الكونجرس على الدفع يتم تحويل المبالغ إلى حساب في المصرف الاحتياطي الفدرالي في نيويورك الذي يحوّل بدوره تلك المبالغ إلى أحد الصناديق الائتمانية الذي يحوّلها إلى شركات السلاح والموردين. كما يجب أن تكون مقار الشركات والموردين في الولاياتالمتحدة. وغالبا ما يتم التعامل مع شركات دولية تتعامل مع شركات تابعة لها في الولاياتالمتحدة. الأهم في الموضوع هو أن هذه الشركات هي التي توظّف عمالة في الولاياتالمتحدة، مما يعني أن المساعدات لا يتم نقلها بشكل مباشر للقاهرة بل لخلق فرص عمل داخل الولاياتالمتحدة نفسها. ضغوط لإبقاء المساعدات يعود تاريخ المساعدات العسكرية الأميركية لمصر إلى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. ومن خلال تلك المساعدات تعتبر مصر أحد أهم أعمدة السياسة الخارجية الأميركية في العالم العربي، إضافة إلى أهميتها بسبب قناة السويس أيضا. وتقول خبيرة العلوم السياسية في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن شانا مارشال إنه خلال الثلاثين عاما الأخيرة كان هناك جدل من حين لآخر بشأن تلك المساعدات، وتضيف "عند حدوث خرق مشابه –وهو ما يحدث بعد مرور أعوام– ترسل شركات السلاح فريقا من جماعات الضغط إلى النواب في الكونجرس لإقناعهم بضرورة استمرار تقديم المساعدات العسكرية. ويشيرون إلى المشاكل المحتملة في إنتاج السلاح وفقدان فرص العمل داخل البلاد". دبابات في المخازن مع بداية هذا العام أضيف عنصر سياسي جديد في هذا الجدل مع الإعلان عن إجراءات التقشف التي أقرتها الولاياتالمتحدة بهدف الحد من مستوى العجز في الميزانية. ويعتبر الجيش الأميركي من أكثر الجهات المتضررة من هذه الإجراءات التي تشمل نهج سياسة تقشفية في قطاعات إنتاج أجهزة قتالية جديدة. وقد دعت الشركات الصناعية السياسيين في أميركا إلى تقديم طلبيات جديدة لها حتى لا تكون مضطرة إلى تسريح عمالة مؤهلة على خلفية إجراءات التوفير. ومن النقاط المثيرة للجدل أيضا أن الجيش المصري لا يستخدم جميع المعدات التي يشتريها من الولاياتالمتحدة من مخصصات المساعدات، كما يقول خبير العلاقات الأميركية المصرية في جامعة "تكساس" جيسون براونلي حيث يلاحظ أن "بعض الدبابات موجودة في مصر داخل المخازن". ويضيف "بشكل عام لا يوجد مبرر مقنع لتوريد المزيد من الأسلحة التقليدية إلى مصر". توقيع حكومي على الصفقات ويتفق الخبراء على أن الولاياتالمتحدة تستفيد سياسيا من شراكتها مع مصر بشكل يفوق بكثير قيمة تلك المساعدات، بالنظر إلى الوضع المميز لمصر في المنطقة. ورغم نفوذها الكبير فمن المفترض ألا تلعب شركات السلاح الأميركية دورا حاسما في القرارات الخاصة بمستقبل تلك المساعدات. لكن ما الذي سيحدث إذا توقفت المساعدات لأسباب سياسية؟ خصوصا وأن الحكومة الأميركية تشكل طرفا مشاركا في الاتفاقيات الموقعة بين الجيش المصري والشركات الأميركية. وتعبر الخبيرة شانا مارشال عن اعتقادها بأن الشركات الأميركية التي وقعت اتفاقيات مغرية مع مصر ستطالب في حال وقف تلك الصفقات بتعويضات من خلال إبرام اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى مثل العراق أو أفغانستان أو باكستان أو الصومال. في سبتمبر/أيلول الماضي تحدث أوباما في كلمته أمام الأممالمتحدة عن موضوع المساعدات لمصر وقال إن العلاقات الثنائية موضع بحث وإعادة للنظر. وفي الوقت الحالي تتصدر أخبار الميزانية عناوين الصحف الأميركية مما أدى لتراجع الاهتمام بموضوع المساعدات المقدمة لمصر وبذلك تراجع مستوى الضغط على أوباما ويعني ذلك أن المساعدات المخصصة لمصر هذا العام سيتم تحويلها بالطريقة المعتادة كما حدث منذ أكثر من 30 عاما وبشكل يرضي الجيش المصري وشركات السلاح الأميركية حتى إشعار آخر.