لطالما صدعتنا ما تسمى ب "جبهة الإنقاذ" بأعضائها البارزين (حمدين صباحي، عمرو موسى، محمد أبوالغار، السيد البدوي، سامح عاشو، محمد البرادعي) بأن دستور 2012 - المستفتى عليه من الشعب والذي أعده جمعية تأسيسية منتخبة من مجلس شعب منتخب - دستور إقصائي بامتياز لا يمثل الشعب المصري ولا يعبر عن الهوية المصرية، حيث كانت قد أكدت مرار وتكرارا أن الجمعية التأسيسية فقدت شرعيتها الأخلاقية والسياسية وأنها تسعى إلى فرض دستور لتيار واحد بعيدا عن أي توافق وطني وإخراجه بطريقة هزلية. ووصل بهم الحال أن اقترحوا أن يرفع مطلب دستور مؤقت بتعديل باب الحكم من دستور 71 لإدارة مصر حتى تمر مصر من حالة الاستقطاب إلى أن تعاد تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، ويتم التوافق على دستور وطني دون سيطرة أي فصيل سياسي عليه !!، حتى أن حسين عبد الغني المتحدث باسم جبهة الإنقاذ استنجد بالمجتمع الدولي قائلا :"هناك مجتمعا دوليا يراقب أداء الرئيس وجماعته وهناك إدانة للأسلوب الاستبدادي الذي تقدمه جماعة الإخوان المسلمين". وقال صباحي - المشتاق دائما لكرسي الحكم - :"إنه لا يجوز أن يفرض على الشعب دستور وضع من تيار واحد على باقي المصريين". وقال عمرو موسى - الذي حصل على أجره من الصفقة عبر تعيينه رئيسا لما تسمى بلجنة الخمسين لتعديل الدستور - في تصريحات له أن الصورة الأولية للدستور ستنتهي خلال أسبوع مع العلم أن التعديلات الحالية ستأخذ شهرا واحدا فقط كفترة زمنية لإتمامها، وهو نفسه الذي كان قد قال :"إن ما جرى من تصويت على مواد الدستور داخل الجمعية التأسيسية كان تصويتاً أوتوماتيكياً ونحن لا نزال مختلفين على مواد الدستور، ونحتاج فترة أطول للنقاش المجتمعي وإعطاء فرصة أطول للشعب المصري للاطلاع على مواد الدستور وفتح حوار وطني حول مواده". وكان الناشط السياسي جورج إسحاق - الذي يعاني من عقدة الاضطهاد والذي لا يسمع أحد له حسا الآن - قد انتقد الطريقة التي تم بها التصويت على دستور 2012 في الجمعية التأسيسية - التي أخرجت الدستور بعد 6 أشهر كاملة من المناقشات المجتمعية واستطلاع الآراء في كل محافظات مصر- ، قائلاً: إن ذلك أكبر دليل على عملية "سلق" الدستور من قبل فصيل واحد هو جماعة الإخوان المسلمين. وفي الحلقة الثالثة من ملف "تناقضات التيار المدني - التعديلات الدستورية"، سنبرز أهم المقارنات بين التعديلات التي أجرتها "لجنة ال 10" المعينة من قبل الانقلابيين والنصوص الأصلية لمواد دستور 2012 المستفتى عليه من قبل الشعب. في باب الاقتصاد نصت المادة "14" من دستور 2012 على أن "يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل والإنتاج والدخل القومي، وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها، ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد أقصى في أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون. أما في دستور الانقلابيين فيقابلها المادة "23" والتي تنص على أن :"يقوم الاقتصاد الوطني على تنمية النشاط الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار وفقا لخطة تنمية شاملة تعمل على زيادة الدخل القومي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدالة التوزيع ورفع مستوى المعيشة والقضاء على الفقر والبطالة وزيادة فرص العمل والإنتاج والمحافظة على حقوق العمال وكفالة الأنواع المختلفة للملكية وإسهامها الفعل في تنفيذ خطة التنمية وتحقيق أهدافها وتقريب الفوارق بين الدخول من خلال وضع حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة للمواطنين وحدا أقصى في أجهزة الدولة وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام لايستثني منه إلا بناء على قانون. وتأتي أبرز الاختلافات بين المادتين أن دستور الانقلابيين ألغى النص على أن هدف الاقتصاد الوطني هو تحقيق التنمية المطردة الشاملة واكتفى بالنص على تشجيع الاستثمار وفقا لخطة تنمية شاملة. وفي المادة "8" من دستور 2012 المستفتى عليه نصت على أن :"تكفل الدولة وسائل تحقيق العدل والمساواة والحرية، وتلتزم بتيسير سبل التراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع، وتضمن حماية الأنفس والأعراض والأموال، وتعمل على تحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين، وذلك كله في حدود القانون. أما في دستور "الانقلابيين" فنصت المادة "8" على أن :"يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل تحقيق العدل، والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع في حدود القانون". ويتضح للقاريء إذا ما أجرينا مقارنة بسيطة أن المادة "8" في دستور الانقلابيين تجاهلت النص على المساواة والحرية والالتزام بتيسير سبل التراحم وحماية الأنفس والأعراض والأموال والعمل على تحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين، الأمر الذي يظهر مدى سطحية ال "10" الذين قاموا بتعديل دستور مستفتى عليه من قبل الشعب. وفي المادة "9" من دستور 2012 نصت على أن :"تلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز". تم حذف الأمن والطمأنينة وكلمة "تلتزم" وأبقوا على باقي المادة في دستورهم "الرقيع" ليصبح نصها كالتالي "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز"، وكأنهم يريدون إلغاء مسئولية الدولة عن أمن وطمأنينة مواطنيها.