بالصور- معاون محافظ أسوان يتابع تجهيزات مقار لجان انتخابات مجلس الشيوخ    بالفيديو.. مركز المعلومات ينشر جهود "التعليم العالي" للارتقاء بالمعاهد    البترول: ضبط 15.7 ألف لتر من السولار والبنزين قبل بيعه بالسوق السوداء بالوادي الجديد    حملات لفصل وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات بالنوبارية والسادات    صحة غزة: ارتفاع ضحايا التجويع إلى 133 شخصًا    اليونان تطلب من الاتحاد الأوروبي مساعدتها في إخماد حرائق الغابات    عمرو السولية يكشف: سبب فشل احترافه بعد الرحيل عن الأهلي.. ورسالة سعد سمير له    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    رابط تظلمات الثانوية العامة 2025.. تعرف على التفاصيل    أحدث صور لأعمال تطوير عمارة تيرينج وعدد من شوارع العتبة    "خطبة على جثة أب".. حين استخدمت الأم ابنتها ستارًا لجريمة خيانة وقتل    وائل كفوري يطرح أحدث أعماله الغنائية بعنوان "راجعين"    إقبال جماهيري على فعاليات الأسبوع الأول من مهرجان "ليالينا في العلمين"    داليا مصطفى تدعم وفاء عامر: "يا جبل ما يهزك ريح"    الدكتور أسامة قابيل: دعاء النبي في الحر تربية إيمانية تذكّرنا بالآخرة    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    نجاح جراحة دقيقة لاستئصال جزء من القصبة الهوائية وإعادة توصيلها بمستشفى جامعة قناة السويس    15.6 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" حتى الآن؟    هل الحليب يساعد على ترطيب الجسم أفضل من الماء؟    بمشاركة أحبار الكنيسة.. البابا تواضروس يصلي قداس الأحد مع شباب ملتقى لوجوس    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    وكيل تعليم أسوان يعلن أسماء أوائل الدبلومات الفنية 2025    لمروره بأزمة نفسيه.. انتحار سائق سرفيس شنقًا في الفيوم    حملات أمنية مكثفة تضبط 38 متهماً بحوزتهم مخدرات وأسلحة بالجيزة    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    مصر تضخ 550 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية خلال 10 سنوات    ورش في المونتاج والإخراج وفنون الموسيقي، برنامج التدريب الصيفي للشباب وطرق الاشتراك    الأمن يكشف غموض خطف طفل من القاهرة وظهوره فى الصعيد    الاحتلال يخرق الهدنة.. 43 شهيدًا في غزة بينهم 29 من منتظري المساعدات    محافظ أسوان يتفقد محطة جبل شيشة لمياه الشرب بالشلال    "أونروا": لدينا 6 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول قطاع غزة    منتخب مصر يواجه أنجولا في بطولة أفريقيا لسيدات كرة السلة    البقاء أم الرحيل.. شوبير يكشف مطالب عبد المجيد من أجل الإستمرار مع الزمالك    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    طلاب «المنح الدولية» مهددون بالطرد    موعد حفل تامر عاشور في العلمين الجديدة و أسعار التذاكر    ضمن فعاليات " المهرجان الصيفي" لدار الأوبرا .. أحمد جمال ونسمة عبد العزيز غدا في حفل بإستاد الاسكندرية    تنسيق الجامعات 2025 .. تعرف علي قائمة ب71 معهدا للشعبة التجارية بدائل للكليات    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    حسن شحاتة أسطورة حية صنعت المستحيل ضد الأهلى والزمالك    عمرو السولية لميركاتو: حققت مع الأهلي كل حاجة في 9 سنوات    تفاصيل تشاجر 12 شخصا بسبب شقة فى السلام    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأحد    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    أمريكا.. احتجاز المشتبه به في حادث طعن 11 شخصا في ميشيجان    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    نص مليون مركبة من قلب مصر للعالم .. تعرف علي الخطة الحكومية لتحويل القاهرة لقلعة صناعة السيارات في الشرق الأوسط    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن تحرير الخطاب
نشر في التغيير يوم 17 - 09 - 2013

كان من واجب المؤلف ومن دواعي سروره استلام وتحرير آلاف الخطابات في السنة منذ عام 1912م تلك الخطابات لم يحررها طلبة الجامعة بل رجال الأعمال ورجال الاختصاص وإن كانت هناك أية تجربة تركت أثراً باقياً في نفسه، فهي هذه التجربة الضرورة الملحة لتحضير الخطاب قبل المشروع بإلقائه، وأن يكون لدى الإنسان شيئاً واضحاً محدداً ليقوله، شيئاً مؤثراً لايجوز أن يبقى غير مُقال.. عزيزي ألا تنجذب من دون وعي إلى الخطيب الذي يشعر أن لديه رسالة حقيقية يريد أن يوصلها بإخلاص إليك؟ هذا هو نصف السر في فن الخطابة.
عندما يكون الخطيب بمثل هذه الحالة الذهنية والعاطفية فإنه سيكتشف حقيقة مهمة وهي أن خطابه سيكون تعبيراً عن ذاته إذا كان محضراً له بشكل جيد ومقبول.
إن السبب الرئيس لرغبة معظم الناس في الحصول على مثل هذا التدريب، الحصول على الثقة والشجاعة والاعتماد على النفس والخطأ القاتل الذي يقترفه الكثيرون يكمن في إهمال تحضير خطبهم سلفاً، فكيف يأملون في التخلص من الخوف والتوتر العصبي حين يخوضون المعركة بعدة فاسدة أو من دون أية عدة على الإطلاق. وفي مثل هذه الحالة، أن لايشعروا بالطمأنينة نحو المستعمين.
قال الرئيس لنكولن في البيت الأبيض:
أعتقد أنني لن أكبر كثيراً حتى أخطب من دون حرج حين لايكون لدي ما أقوله.
إذا أردت الثقة بالنفس، فلماذا لاتفعل الأشياء الضرورية التي تمنحك إياها؟
كتب القديس جون: إن المحبة الحقيقية تطرد الخوف.
وكذلك يفعل التحضير الحقيقي إذن لماذا لانحضر خطبنا باهتمام أكبر؟
ولماذا لايفهم البعض بوضوح معنى التحضير؟
ولاكيف نقوم به بتعقل، فيما يتذرع البعض الآخر بضيق لذلك سنعالج هذه المسألة بشكل متكامل.
أولاً: التحضير الصحيح
ماهو التحضير؟
هل التحضير قراءة كتاب؟
هذا نوع واحد منه، لكن ليس بالنوع الأفضل.. فالقراءة ربما تساعد، لكن إذا حاول أحد أن يأخذ الكثير أي أفكار من كتاب ويوردها كما هي فستأتي خطبته هزيلة وناقصة وربما لايعرف الجمهور ما الذي ينقص، إلا أنه لن ينجذب إلى الخطيب.
لنعط مثلاً: منذ مدة قام الكاتب ديل كارينجي بتدريس فن الخطابة لمجموعة من رؤساء المصارف في مدينة نيويورك ومن الطبيعي أنه لم يكن لدى هذه المجموعة الوقت الكافي لتحضير الخطب بشكل ملائم. كانت هذه المجموعة تلتقي كل يوم جمعة من الساعة الخامسة حتى الساعة السابعة، وفي يوم من أيام الجمعة، وجد أحد السادة سندعوه بالسيد جاكسون لأسباب خاصة أن الساعة أصبحت الرابعة والنصف فما الذي سيحدث بشأنه؟ خرج من مكتبه نسخة من مجلة " فوريس " وفي طريقه إلى بنك " الموارد الفيدرالي " حيث تجتمع المجموعة، قرأ مقالة عنوانها " لديك عشر سنوات فقط للنجاح " قرأها، ليس لأنه معجب بالمقالة، ولكن لأن عليه أن يخطب حول شيء ما، ليملأ وقته. وبعد ساعة، وقف السيد جاكسون وحاول أن يتحدث بشكل مقنع ومثير عن محتويات تلك المقالة، فما كانت النتيجة؟ لم يُفهم أو يسُتسغ ما حاول قوله إن محاولته كانت التعبير الدقيق، لأنه ليست لديه أية رسالة حقيقية يسعى إلى إبلاغها، وقد عبر ذلك أسلوبه ونبرته فكيف يتوقع من الجمهور أن يتأثر أكثر مما فعل هو؟
كان جاكسون يعود إلى المقالة قائلاً:
إن المؤلف قال كذا وكذا، كان لديه الشيء الكثير في مقالة مجلة " فوريس " لكن القليل من السيد جاكسون الذي قاله أي أنه لم يضف شيئاً ذا قيمة تذكر.
وكذا خاطبه الكاتب كارينجي بما بشبه التالي:
ياسيد جاكسون، نحن لا نهتم بالشخصية الخيالية التي كتبت المقالة فهي ليست موجودة بيننا، كما لا نستطيع أن نراها، لكننا نهتم بك وبآرائك أخبرنا بما تفكر به شخصياً، وليس بما قاله إنسان آخر، ضع المزيد من أفكار السيد جاكسون، لم لا تتناول الموضوع في الأسبوع المقبل؟
لم لا تقرأ كذلك، فكر بمقترحاته وزودها بملاحظات مأخوذة من تجربتك الخاصة وإن لم تتفق معه أخبرنا بذلك وقول لنا الأسباب، دع هذه المقالة تكون مجرد نقطة انطلاق تبدأ منها خطابك.
قبل السيد جاكسون هذا الاقتراح، وأعاد قراءة المقالة فأستنتج أنه لا يتفق بتاتاً مع المؤلف، وازداد موضوع المقالة عمقاً لديه عندما فكر به في لحظات الفراغ خلال الأيام القادمة.
وعندما تحدث السيد جاكسون حول الموضوع، وكان لديه شيء خاص به، لديه المواد الخام التي استخراجها من أفكاره، وقد تحدث بشكل أفضل لأنه لم يتفق في الرأي مع مؤلف المقالة فليس هناك من دافع للإثارة كقليل من المعارضة، وهكذا نلمس الفرق بين الخطابين اللذين ألقاهما شخص واحد حول موضوع واحد، والفرق هو في التحضير الصحيح.
ثانياً: التحضير يعني التفكير
هل يعني تحضير الخطاب جمع بعض العبارات الصحيحة المكتوبة أو المستوعبة؟
الجواب كلا
هل يعني جمع القليل من الأفكار العرضية التي تستميلك قليلاً؟
الجواب كلا
بل هو يعني جمع أفكارك وآرائك، وأنت لديك مثل تلك الأفكار لديك إياها في كل يوم من حياتك اليقظة حتى إنها تأتي إليك عبر أحلامك إن وجود مليء بالمشاعر والتجارب وتلك الأشياء تقع في أعماق عقلك اللاواعي كالحصى الملقاة على الشاطئ.
إن التحضير يعني التفكير والاستنتاج والتذكر واختبار ما يعجبك وصقله وجمعه في وحدة فنية من صنعك الخاص لا يبدو ذلك برنامجاً صعباً، أليس كذلك؟
إنه يحتاج فقط إلى القليل من التركيز والتفكير الهادف.
كيف حضر دويت ل. مودي خطبه التي جعلته مشهوراً عبر التاريخ؟
قال مجيباً عن هذا السؤال:
ليس لدي أي سر حين أختار موضوعاً، أكتب اسمه على مغلف كبير فإذا وجدت أثناء القراءة شيئاً جيداً حول الموضوع الذي سأتحدث عنه أنقله إلى المغلف الصحيح وأضعه جانباً ودائماً أحمل معي دفتر ملاحظات، أسجلها ثم أنقلها إلى المغلف، وربما تركته جانباً لمدة سنة أو أكثر وحين أريد أن ألقي خطبة، أتناول ما أكون قد جمعته فأجد مادة كافية مما أجده هناك إضافة إلى أسلوبي الخاص.
وهنا نصيحة حكيمة من العميد براون في جامعة ييل الذي كان يدرب الآخرين على تحضير الأحاديث وإلقائها، وتوزيع بعض النصائح التي تفيد الخطيب إذا كان بائع قماش أو صانع أحذية وهكذا، أقتطف بحرية ما قاله العميد براون:
«احتضن دراستك حتى تصبح يانعة فمن خلالها تحصل على مجموعة كاملة من الأفكار الناجحة مثلما تسبب ذرات الحياة القصيرة في الانتشار والنمو، ويستحسن أن تستمر هذه العملية فترة طويلة».
وحين تنهمك في جمع مادة لاحتفال معين، اكتب جميع الأفكار المتعلقة بالمادة التي تخطر ببالك، دوِّن جميع أفكارك ببضع كلمات كافية لتثبيت الفكرة ودع عقلك يبحث عن المزيد منها، تلك هي الطريقة التي من خلالها يتدرب العقل على الإنتاج، وبها تبقى عمليتك الذهنية نشطة وبناءة.
دوّن كل هذه الأفكار التي ولدها تفكيرك من دون أية مساعدة فهي بالنسبة غذاء للفكر والروح، دونها على قطع من الورق وستجد من السهل ترتيب هذه القطع حين تنظم مادتك.
ثابر على كتابة جميع الأفكار التي تراودك، ليس عليك الإسراع في هذه العملية فهي أهم عملية فكرية سيتاح لك الانهماك فيها إنها الوسيلة التي تدفع العقل للنمو لكي يصبح قوة حقيقية منتجة كما أسلفنا.
وإليك كيف حضر لنكولن خطبه ؟
قد كان يعرف الحقائق لحسن الحظ، إن أحد أشهر خطب لنكولن كانت تلك التي تعلن عن رؤيته الشخصية:
إن البيت المنقسم على ذاته لا يستطيع النهوض
لقد فكر بهذا الخطاب وهو في طريقه إلى عمله المعتاد، وأثناء تناول طعامه وسيره في الشارع وفيما هو يحلب بقرته في الحظيرة أو خلال مشواره اليومي إلى الجزار أو البقال وقد ألقى شاله الرمادي القديم على كتفيه وسلة التسوق فوق ذراعه وابنه الأصغر بجانبه يثرثر ويسأل ويشد على أصابع والده الطويلة والرفيعة على التحدث إليه.
لكن لنكولن يبقى مأخوذاً بأفكاره يفكر بخطابه، من دون أن يعي بوجود ابنه.
من وقت لآخر، وخلال عملية توليد الأفكار، كان يدوِّن لنكولن الملاحظات على قطع يمزقها من أكياس الورق ويعلقها داخل قبعته ويحملها معه إلى أن يتسنى له الوقت ليرتبها، فيكتبها ويراجعها حتى تصبح جاهزة للخطابة.
خلال المناقشات المشتركة في سنة 1858، كان السناتور دوغلاس يدلي بالخطاب ذاته أينما ذهب، لكن لنكولن كان يثابر على الدراسة والتأمل والتفكير حتى يسهل عليه تحضير خطاب جديد كل يوم عوضاً عن ترديد خطابه القديم، فكان موضوعه يتسع ويتشعب في ذهنه قبل انتقاله إلى البيت الأبيض بفترة قصيرة، تناول نسخة من الدستور وثلاث خطب كمراجع له، وأغلق باب الغرفة الخلفية فوق المخزن في سبرينغفيلد، وهناك وبعيداً عن كل تدخل أو مقاطعة، كتب خطابه الافتتاحي.
كيف جهزّ لنكولن خطاب غيتسبرغ؟ إليك تلك القصة:
عندما قررت اللجنة المسئولة عن مقبرة غتيسبرغ إقامة احتفال رسمي، دعي إدوارد إفريت لإلقاء خطاب المناسبة كان السيد إفريت نائب مدينة بوسطن، ورئيس جامعة هارفرد، وحاكم ماسا شوستس وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي، وعلى العموم، كان يعتبر أكفأ خطيب في أميركا. عين موعد الاحتفال في تشرين الأول ( أكتوبر ) سنة 1863، فأعلن السيد إفريت أنه يستحيل عليه التحضير الجيد، وهكذا تأجل الموعد إلى 19 تشرين الثاني«نوفمبر» أي حوالي الشهر حتى يتسنى له الوقت الكافي لتحضير خطابه، وقد أمضى الأيام الثلاثة الأخيرة في غيتسبرغ،يتجول في أرض المعركة ليعود نفسه على كل ما جرى هناك، فكانت فترة توليد وخلق الأفكار بمثابة تحضير جيد. وزعت دعوات الحضور إلى جميع أعضاء الكونغرس وإلى الرئيس لنكولن شخصياً وإلى أعضاء مجلس الشيوخ، لكن معظم أولئك تجنبوا الحضور، وقد اندهشت اللجنة عندما وافق الرئيس لنكولن على المجيء. فهل يطلبوا منه أن يلقي خطاباً هم لم يقصدوا أن يفعلوا، فارتفعت أصوات تعارض ذلك، إذ لم يكن لديه الوقت الكافي للتحضير، وحتى لو كان لديه الوقت، فهل لديه القدرة على ذلك؟ حقيقة أن باستطاعته تدبير الأمر بالنسبة لنقاش حول العبودية والاتحاد، لكم ما من أحد سمعه يقدم خطاباً احتفالياً، فهذه مناسبة عظيمة، ولا يجب أن يخاطروا فهل يطلبوا أن يتطلعوا إلى المستقبل ويروا أن هذا الرجل الذي يتساءلون عن مقدرته في إلقاء الخطب، سيلقي خطاباً في هذه المناسبة يكون أفضل ما نطقت به شفتا إنسان. وأخيراً أرسلوا دعوة إلى الرئيس لنكولن بإعطاء بعض الملاحظات المناسبة.
نعم، هذه هي الطريقة التي عبروا بها عما يريدونه: بعض الملاحظات المناسبة تصور كتابة ذلك إلى رئيس الولايات المتحدة!
سرعان ما تحضر لنكولن لتجهيز ملاحظاته، فكتب إلى إدوارد إفريت وأمّن نسخة من الخطاب الذي سيلقيه هذا المعلم الكلاسيكي، وبعد يوم أو يومين، وفيما هو ذاهب إلى استوديو التصوير أخذ نسخة إفريت معه وقرأها في وقت الفراغ هناك، فكر بخطابه عدة أيام أثناء سيره إلى ومن البيت الأبيض، وأثناء استلقائه على المقعد الجلدي في المكتب الحربي وهو ينتظر التقارير الأخيرة، كتب نسخة مسودة على ورقة فولسكاب ووضعها داخل قبعته الحريرية، وكان يفكر بها من دون توقف، ومن دون أي توقف اتخذ الخطاب شكله، وفي يوم الأحد وقبل أن يدلي به، قال إلى نوح بروكس: إن الخطاب لم يكتب نهائياً، وفي أي حال لم ينته تماماً، فقد أعدت كتابته مرتين أو ثلاث مرات، ويجب أن أضفي عليه لمسة أخيرة.
وصل إلى غتيسبرغ قبل ليله الاحتفال، وكانت المدينة تغص بالجماهير فسكانها الألف والثلاثمائة نسمة أصبحوا فجأة خمسة عشر ألفاً فازدحمت جوانب الطريق وصعب المرور هناك وبينما عدة فرق موسيقية، أخذت تعزف والجماهير تغني وتتجمع أمام منزل السيد ويلز حيث يقيم لنكولن، هتفوا له وطلبوا منه أن يلقي كلمة.
استجاب لنكولن ببضعة كلمات عبرت بوضوح وكياسة بأنه لا يرغب في التحدث.. إضفاء اللمسة الأخيرة على خطابه، حتى إنه ذهب إلى منزل مجاور حيث يقيم السكرتير سيوارد وقرأ الخطاب أمامه لينتدقه، وبعد تناول الفطور في الصباح التالي، أخذ يعمل على تنسيقه حتى قرع الباب كإشارة بأن الوقت حان ليأخذ مكانه في الاحتفال وقد ذكر الكولونيل كار أن الرئيس جلس على جواده منحني الظهر واستغرق في تفكير عميق.
ولا يمكننا أن نحدس إلا أنه كان يضفي اللمسة الأخيرة على خطابه المؤلف من عشر جمل خالدة.
إن بعض خطب لنكولن التي لم تجذب اهتمامه كانت فاشلة، لكن قوة غريبة كانت تتملكه حين يتحدث عن العبودية والاتحاد.. لماذا؟
لأنه كان دائم التفكير بهاتين المسألتين اللتين يشعر بهما في أعماقه.
ربما تحتج وتقول: إن هذا كله مثير للغاية، لكنني لا أرغب في أن أصبح خطيباً خالداً، بل أريد أن ألقي بضع خطب في المناسبات.
هذا صحيح، نحن ندرك ما تحتاجه تماماً، فهذا الكتاب يهدف إلى مساعدتك ومساعدة أمثالك لفعل ذلك، ولكن لاتأتي خطبك واهية، يمكنك الإفادة من الطرق التي اتبعها خطباء الماضي المشهورين.
ثالثاً: كيف تحدد موضوع الخطبة؟
ما هي المواضيع التي يجب أن تعالجها؟ أي شيء يثير اهتمامك، حدد مسبقاً، حتى يتسنى لك الوقت للتفكير به مراراً، فكر به طيلة سبعة أيام واحلم به خلال سبع ليال، فكر به أثناء راحتك، وفي الصباح وأنت تحلق أو تستحم، في طريقك إلى المدينة، أو بينما تنتظر المصعد، أو عندما تكوي الثياب أو حين تطهو الطعام، ناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك، اسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به، فإذا كنت تتحدث مثلاً عن الطلاق، اسال نفسك ما هي أسباب الطلاق وما هي نتائجه الاقتصادية والاجتماعية.
من ناحية أخرى، لنفترض أنك قررت أن تتحدث عن عملك أو اختصاصك كيف تتهيأ لتجهيز خطاب بهذا الشأن؟ إن لديك مادة غنية حول هذا الموضوع، والمشكلة في اختيار هذه المادة، لا تحاول أن تخبرنا إياها خلال ثلاث دقائق، لأن ذلك لا يمكن أن يحدث وستأتي محاولتك استعراضية متقطعة، تناول مرحلة واحدة من موضوعك توسع بها فمثلاً، لماذا لا تخبرنا كيف حدث أن عملت بمجال عملك أو اختصاصك هذا؟
وهل كان ذلك نتيجة لحادثة معينة أو أنك اخترته بنفسك؟
أذكر سعيك المبكر وفشلك وآمالك وانتصاراتك، أعط رواية إنسانية مثيرة وصورة حياة واقعية ترتكز على تجارب حقيقية، إن الصدق في قصة حياة إنسان ما إذا ما رويت بتواضع ومن دون أنانية هي مسلية جداً، وهي مادة لخطاب مثير جداً.
أو تناول زاوية أخرى من عملك: ما هي مشكلاته؟
وما هي النصيحة التي تمنحها للشبان الذين يدخلونه.
أو تحدث عن الأشخاص الذين تقابلهم تحدث عن مشكلاتك، وما الذي علمك إياه عملك بشأن أكثر المواضيع إثارة في العالم: الطبيعة البشرية؟ إذاً تحدثت عن الجانب التقني من عملك، ربما حديثك لن يثير اهتمام الآخرين، لكن الناس، الشخصيات لا يمكن للإنسان أن يخطئ في استخدامها مادة له.
وفوق كل ذلك، لا تجعل حديثك موعظة مجردة، لأنه سيكون مملاً اجعل حديثك مزدانا بالأمثلة والعبارات العامة، فكر بحالات مادية تكون قد اطلعت عليها، وبالحقائق الأساسية التي تعتقد أنها تمثل تلك الحالات. وستكتشف أن هذه الحالات المادية أسهل على التذكر من الأشياء المجردة، ومن السهل أيضاً الحديث عنها كما أنها تساعدك وتغني خطبتك، هنا طريقة يستخدمها كاتب مثير جداً، إنها مقتطفة من مقالة كتبها ب. أ. فوريس حول مسؤوليات الرؤساء نحو معاونيهم.
إن شركاتنا الحاضرة كانت في الماضي من مسؤولية رجل واحد لكن معظمهم تخطى هذه الحجم، وبما أن كل شركة ضخمة هي الكل المطوّل للرجل الواحد: إذن فإن ذلك استوجب أن يجمع الرئيس الجبار مساعدين مفكرين لمساعدته في الإمساك بجميع أمور الشركة. كانت إدارة شركة ( فولاذ بيت لحم ) من نوع الرجل الواحد طيلة عدة سنوات، وكان تشارلز شواب يتولى جميع الأعمال ومع مرور الوقت تطورت الشركة وقضت الضرورة باعتماد مساعدين إداريين للقيام بمعظم المهام الإدارية المستجدة.
واعتمدت إدراة " إيسمان كوداك " في مراحلها الأولى على جورج إيستمان إلا أنه كان حكيماً كفاية لينشئ جهازاً إدراياً ذا كفاءة عالية يشرف على سير العمل وتطويره، وكذلك الأمر بالنسبة لأضخم شركات الحفظ والتعليب في شيكاغو، وخلافاً للاعتقاد السائد، لم تعد شركات البترول تعتمد على إدارة " الرجل الواحد " بعدما نمت وأصبحت مؤسسات ضخمة. ج. ب. موز فلن، كان يؤمن في اختيار شركاء أكفاء يشاركونه أعباء العمل.
وهناك رجال أعمال قياديون يرغبون في إدارة أعمالهم اعتماداً على مبدأ " الرجل الواحد " لكنهم يجبرون، إزاء حجم العمليات الحديثة، إلى تفويض المسؤولية للآخرين. بعض الرجال، خلال حديثهم عن العمل، يقترفون الخطأ الذي لا يغتفر وهو التحدث عن الجانب الذي يهمهم ويهملون الجانب الآخر الذي يهم المستمعين.
لذلك في أثناء التحضير، أدرس جمهورك فكر باحتياجاته ورغباته، كما إنه من المستحسن القيام ببعض المطالعة لاكتشاف ما قاله وما فكر به الآخرون حول الموضوع ذاته، ولكن لا تقرأ إلا بعد أن تفكر بالموضوع جيداً، فهذا مهم للغاية، بعد ذلك اتجه إلى المكتبة العامة وأوعز بما تحتاجه إلى المسؤول هناك، أخبره بأنك تجهز خطاباً حول موضوع معين وأطلب منه المساعدة بصراحة، وإن لم تكن لديك عادة القيام بالأبحاث، فربما ستندهش للمساعدات التي سيضعها بتصرفك، ربما تكون هذه ملفاً خاصاً حول موضوعك، أو تصاميم ومناقشات موجزة توفر النقاش الأساس لجانبي المسائل العامة الراهنة، فهناك كتب تعطيك المقالات الصحفية التي ظهرت حول مختلف المواضيع منذ بداية القرن، وهناك التقاويم والموسوعات ومختلف المراجع.
رابعاً: سر الطاقة الاحتياطية
قال لوثر بوربانك قبل وفاته: أنتجت مليون عينة نباتية لأجد واحدة أو اثنتين منها أفضل من سائر العينات، بعد ذلك أتلفت جميع العينات الرديئة. وكذلك الخطاب يجب أن يهيأ بروح الوفرة وحسن التميز فاجمع منه فكرة، ثم أسقط تسعين منها.
اجمع المزيد من المواد، والمعلومات، أكثر مما يكن كاستخدامه اجمعها من أجل التأكد من صحة ما لديك اجمعها في سبيل التأثير الذي ستخلفه في عقلك وقلبك وأسلوبك في إلقاء الخطبة، فهذا عامل أساس مهم في التحضير.
يقول آرثر دان: دربت مئات البائعين والبائعات الذين يطوفون في المدن التماساً للأصوات أو الاشتراكات أو ترويجاً للسلع، والضعف الأساس الذي اكتشفته لدى معظمهم هو فشلهم في إدراك أهمية معرفة كل شيء ممكن عن منتجاتهم، والحصول على هذه المعرفة قبل البدء بالبيع.
لقد جاء العديد من البائعين إلى مكتبي، وبعد الحصول على وصف للسلع ونماذج لأحاديث البيع، انطلق محاولاً البيع لكن لم يصمد معظم هؤلاء لمدة أسبوع، كما أن البعض لم يصمد ثمانية وأربعين ساعة، نتيجة لذلك، قمت بدفعهم إلى دراسة العناصر التي تؤلف المنتجات التي يبيعونها وغالباً ما وجدت بائعين ينفد صبرهم في بداية الوقت المطلوب لدراسة سلعهم وهو يقولون: لن يتسنى لنا الوقت كي نخبر بائع المفّرق بكل ذلك فهو دائماً منهمك في العمل، إذا تحدثنا عن البروتين والكاربوهيدرات، فهو لن يستمع، وحتى إذا استمع إلينا فهو لن يفهم عماّ نتحدث. ويكون جوابي: أنتم لا تحصلون على هذه المعلومات من أجل منفعة زبونكم، بل من اجل منفعتكم فإذا عرفتم سلعكم من الألف حتى الياء، سينتابكم شعور من الصعب وصفه، إذ ستصبحون محظوظين ويقوي أسلوبكم الذهني، فلا تقاومون أو تغلبون.
حدثتني الآنسة إيدام. تاربل، المسئولة التاريخية عن شركة " ستاندرد أويل "إنها منذ سنوات حين كانت في باريس، أبرق لها السيد س. س. ماك كلور، مؤسس مجلة " ماك كلور " لتكتب مقالة قصيرة عن اتلانتك كابل، فذهبت إلى لندن وأجرت مقابلة مع المدير الأوروبي للكابل الرئيس، وحصلت على معلومات كافية لمقالتها، لكنها لم تكتف بذلك، بل أرادت مورداً احتياطياً للحقائق، فدرست جميع أنواع الكابلات في المتحف البريطاني، وقرأت كتباً عن عملية تصنيع وإنشاء الكابلات، لماذا جمعت عشرة أضعاف المعلومات التي تحتاجها فعلت ذلك لأنها شعرت أنها ستمنحها قوة احتياطية، ولأنها أدركت أن القليل الذي عبرت عنه كان تكثيفاً للمعلومات الواسعة التي في حوزتها فجاء هذا القليل قوياً ومقنعاً.
قال إدوين جايمس كاثل: إن الخطب المجيدة هي تلك التي تتسلح بمادة احتياطية وافرة وفائضة أكثر بكثير مما يستخدمه الخطيب بنفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.