المتأمل لثورة 25 يناير يلمح بوضوح أن من أبرز إيجابياتها هي إلغائها لمبدأ السمع والطاعة العمياء، فقد استيقظ الشعب من غفوته، وازدادت جرعة اليقظة عند شبابه بشكل خاص، ولم يعد يجد نفعاً أن تفرض عليه أموراً مخالفة للمنطق، أو أن تزيحه عمدا عن منصة القيادة، لاسيما وأن الثورة نجحت بفضل دماء الشباب الزكية. كانت تلك المقدمة ضرورية قبل الحديث عن الصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين بين شبابها وقياداتها، لاسيما بعد الصعود السياسي الكبير للإخوان في مرحلة ما بعد الثورة. صراع تيارين يقول الباحث محمد بسيوني عبد الحليم في مجلة السياسة الدولية :"إن الصراع داخل الإخوان نشأ بين تيارات مختلفة أحدها ذات توجه محافظ، ويسيطر بصورة كبيرة على مكتب الإرشاد والمكاتب المحلية ويستمد نفوذه من السيطرة على العمليات الإدارية والبيروقراطية داخل الجماعة، ويولي أهمية للحفاظ على التنظيم وتأكيد مبدأ السمع والطاعة. بينما يشكل التيار الثانى الاتجاه المحافظ البراجماتى، الذى يجمع بين الالتزام الدينى والطابع المحافظ مع الإيمان بقيمة المشاركة، فيما يوصف التيار الثالث بالإصلاحى، وهو يدعم فكرة التجديد الدينى والبحث عن تفسيرات غير تقليدية للدين والانفتاح السياسى". الثورة وتعميق الصراع منحت ثورة 25 يناير للشباب جرعة من الثقة حول القدرة على التغيير، بما أحدث تباينا جيليا خاصا داخل الجماعة تجلت في العناصر التالية: - الدعوة إلى الثورة: كان الشباب أكثر حماسة من القيادات للنزول إلى الثورة، وأشارت تقارير إلى أن شباب الجماعة قرروا النزول بمنأى عن الموقف الرسمي. - مليونيات ما بعد الثورة: في ظل عدم تحقق أهداف الثورة كاملة، تضارب الموقف الرسمي لقيادات الجماعة، وبين موقف الشباب، وظهر ذلك في غير ذي مرة، مثل أحداث محمد محمود في نوفمبر الماضي. مؤتمر شباب الإخوان وتفتق الصراع المستمر بعد مرور أكثر من عامين على الثورة عن قرار مجموعة من شباب الإخوان بعقد مؤتمر للتعبير عن رؤيتهم المستقلة التي لا تتفق بالضرورة مع وجهة نظر القيادات. ونقلت إحدى الصحف عن محمد صابر، أحد منظمي المؤتمر الذي عقد في 8 أبريل قوله :"أبلغنا أحمد عارف المتحدث الإعلامي للجماعة بنيتنا عمل مؤتمر صحفي لشباب الجماعة وطالبناه بإبلاغ مكتب الإرشاد بذلك، وكنا نتوقع أن نرى ردًا من مكتب الإرشاد إلا أن عارف قال لنا سوف نرى ما تفعلونه وبعد ذلك سنبلغكم رأينا". وأضاف :"إننا مجموعة حرة من شباب الإخوان لنا آراء وطموحات نريد أن نفصح للجميع عنها، ودعونا كل الحركات الشبابية والسياسية من كل الأطياف لتأتي وتسمعنا، لأن الرأي الرسمي للجماعة هو المتصدر للمشهد وهو الذي يبلغ الجميع برأي الجماعة إلا أن هناك صوتا مدفونًا نسيه الكثيرون وهو رأي شباب الإخوان". واعتبر صابر المؤتمر حملة تدشين تتبعها ممارسات وأهداف من بعدها، سيشارك فيها شباب الجماعة، لأن التنظيم لا يهتم بالشباب الاهتمام الأكبر، والوضع الحالي غير كافٍ لشباب الإخوان، الذين يريدون مساحة أكبر للممارسة والتعاطي سواء السياسي أو الإعلامي. وأردف :"التنظيم الوحيد الموجود داخل الجماعة للشباب هو تنظيم الطلاب وينتهي عند مرحلة الجماعة وبعدها يدفن هذا الشباب داخل الشعب، فلابد من عمل لجنة للشباب داخل الجماعة"، مؤكدًا أنهم يمتلكون رؤية مختلفة تمامًا عن الآراء الرسمية للجماعة والتنظيم. المد الشبابي ولعل الرغبة الشبابية في محاربة هيمنة القرار امتدت إلى أحزاب أخرى مثل حزب الدستور، الذي اعتصم العديد من شبابه ضد تخبط القيادات، وتجاهل الشباب، واعتصموا لتحقيق مأربهم، واتضح ذلك في تصريحات معتز شعراوي أحد شباب الدستور حيث قال :"هؤلاء لا يريدون سوي هدم الحزب بإدارتهم الفاشلة والمتخبطة، حتي "البرادعي" ذاته رغم ادعائه أنه يعول علي الشباب ويؤمن بهم ويعمل علي تمكينهم، إلا أن الحقيقة تقول أن هذه شعارات فارغة لا مضمون لها، فهو لم يتواصل معنا بأي شكل من الأشكال رغم أننا جعلناه رمزا ملهما لنا وبنينا عليه آمالا عريضة، إلا أن هذه الآمال تبدو وهمية، مما أصاب شباب الحزب وشباب الثورة بالإحباط وخيبة الأمل".