ولدت الشرطة المصرية في عصر الفراعنة، وكانت على عكس ما يعتقد البعض تنفصل تماماً عن الجيش المصري، وكان من مهامها حماية المقابر من لصوص الذهب والآثار، ومراقبة ومنع عمليات الغش ومطاردة العبيد الفارين والمجرمين وتوفير الأمن الداخلي وجمع الضرائب بصفة منتظمة مستخدمين العصا لردع الممتنعين عن الدفع. ونظراً لخبرة الشرطة الفرعونية غير الهينة بالصحراء فكانوا يوفرون الحماية للقوافل ويطاردون المجرمين الهاربين الذين كانوا يلجئون للمناطق الصحراوية للتخفي. وكان أبرز ما قامت به الشرطة الفرعونية، إحباط رئيس الشرطة "سمحو" محاولة لاغتيال الفرعون "إخناتون". نشأت وزارة الداخلية بمفهومها الحديث عام 1805 على يد محمد علي باشا باسم ديوان الوالي لضبط الأمن، وفي عام 1857 تحولت إلى ما يسمى بنظارة الداخلية، وكان أشهر من تقلد منصب ناظر الداخلية في بداية القرن العشرين مصطفى فهمي باشا، واستمر استعمال لقب الناظر حتى قيام الحرب العالمية الأولى حيث تم إجراء بعض التغييرات في المناصب السياسية والمسميات ومن بينها وزارة الداخلية وكان حسين باشا رشدى هو أول وزير للداخلية. واحتفظ العديد من رؤساء الوزراء لأنفسهم بمنصب وزير الداخلية لما يمثله من ثقل يجعله المحرك شبه الأساسي للأحداث داخل البلاد حيث يمكنه التحكم في الانتخابات واختيار رجال الإدارة ومراقبة خصومه السياسيين. ومالا يعرفه الكثيرون أن سعد باشا زغلول تقلد منصب وزير الداخلية إلى جانب رئاسته للوزارة المصرية عام 1924 ليصبغ الوزارة بالصبغة السياسية حيث عمد إلى إبعاد بعض المناوئين لأفكاره ووظف ورقى في الوزارة الذين شاركوا معه في الكفاح واستمر منذ ذلك الحين ولفترة طويلة موظفو الوزارة تحت رحمة التغييرات السياسية وما تسفر عنه الانتخابات أحياناً ورغم ذلك فنرى أن المفكر والكاتب والمحامى الشهير أحمد لطفي السيد تربع على كرسي وزير الداخلية في لمحة تحسب للتاريخ المهم للوزارة. ومن الطريف أن منصب وزير الداخلية مثل غيره من مناصب الدولة ووزارتها تولاه وزراء من أصول غير مصرية ليسوا من خريجي مدرسة البوليس ولم يتدرجوا في المناصب الأمنية، على عكس الشروط الموضوعة الآن ومن بينها أن يكون وزير الداخلية من أبوين مصريين وخريج كلية الشرطة، كما لم يعد في إمكان رؤساء الوزراء تولى منصب وزير الداخلية بل انفصل تماماً نظراً لتشعب مهامه وأهميتها القصوى في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين والممتلكات وصار على وزير الداخلية التنازل عن لقب اللواء والاكتفاء بلقب السيد قبل اسمه. بطولة كان للشرطة المصرية بالإسماعيلية موقفا بطولياً لن ينساه لها التاريخ، حينما رفضت إنذارا قام القائد البريطاني بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 بتسليمه لضابط الاتصال المصري، يطالب فيه بتسليم قوات الشرطة بالإسماعيلية مبنى المحافظة وأسلحتها للقوات البريطانية، والرحيل عن منطقة القناة والانسحاب إلى القاهرة، وذلك على إثر إلغاء معاهدة 1936 التي كانت قد فرضت على مصر أن تتخذ من المحتل وليا لها. وقبل غروب شمس ذلك اليوم حاصر سبعة آلاف جندي بريطاني بكامل أسلحتهم مبنى قسم البوليس "الشرطة" الصغير ومبنى المحافظة في الإسماعيلية، مدعومين بدبابات "السنتوريون" التي كانت أفضل وأكبر دبابة عرفتها الجيوش وقنابل المورتر ومدافع الهاون ومدافع الماكينة فضلاً عن مدافع البرن بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على ثمانمائة في الثكنات وثمانين في المحافظة، لا يحملون غير بنادق "لي أنفيلد" التي لا تتعدى خزانتها استيعاب 5 طلقات فقط. ودارت معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة فى القسم ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين طويلتين من القتال، سقط منهم خلالهما 50 شهيداً و 80 جريحاً وهم جميع أفراد حنود وضباط قوة الشرطة التي كانت تتمركز فى مبنى القسم ، وأصيب نحو سبعون آخرون، هذا بخلاف عدد آخر من المدنيين. وعلى خلفية هذه المعركة صرح قائد بريطاني قائلاً "شهدت معاركاً أرضية وجوية عنيفة وبطولية اندلعت أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنني لم أتوقف أبدا عند إعجابي بشيء عند عدوى مثلما فعلت مع قوات الشرطة المصرية الذين قاتلوا في عام 1952 بأسلحة مستهلكة وقديمة ضد عدو منظم استطاع أن يهدم المدينة بأكملها. وقد اعتبر يوم 25 يناير عيداً للشرطة المصرية، يحتفل بها رجالها كل عام حتى لا ينسى التاريخ شجاعة وبسالة هؤلاء الضباط. ظلت الشرطة التي تعد أحد أهم الجهات التنفيذية في مصر يزداد نفوذها عاماً بعد عام، حتى بلغ أشده في نهاية تسعينيات القرن الماضي بعد نجاحها في التخلص من جذور الإرهاب الذي كان ينخر في عظام المجتمع المصري وبات يهدد استقراره. بدأ نفوذ جهاز الشرطة يزداد بشكل سريع مع بداية الألفية الجديدة حتى سار بعض رجالها في اتجاه معاكس لخدمة مصالح المواطنين، وانتشر على مواقع التوصل الاجتماعي فيديوهات لفضائح رجال الشرطة وقيامهم بتعذيب المواطنين، بطرق مبتكره زادت من حدة الفجوة بين رجل الشرطة والمواطن. كانت واقعة اغتيال المواطن خالد سعيد في 6 يونيو 2010 على يد شرطيين أثناء قيامهما بالقبض عليه بمثابة نقطة اللاثقة بين المواطن والشرطة، قام على أثرها بعض النشطاء بتدشين صفحة على صفحة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحمل اسم "كلنا خالد سعيد" قامت بنشر كثير من الفضائح التي ارتكبها بعض رجال الشرطة. وبدأت واقعة اغتيال خالد عندما دخل إلى مقهى إنترنت بالقرب من منزله وهاجمه شرطيان ارتديا ملابس مدنية للقيام بتفتيش بما اعتقدا أنه سلطة مخولة لهما بموجب قانون الطوارئ، حيث أمسك به أحدهما وقيد حركته من الخلف و الآخر من الأمام وعندما حاول تخليص نفسه منهم ضرباه وصدما رأسه برف رخامي في المقهى و عندها حضر صاحب المقهى و طالبهما بالتوقف والخروج فورا فأخذا خالد سعيد معهم إلى مدخل عمارة مجاورة للمقهى حيث ضرباه حتى الموت أمام العديد من شهود العيان في منطقة سيدي جابر بالاسكندرية. أثار مقتل خالد سعيد موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من منظمات حقوقية عالمية، تلتها سلسلة احتجاجات سلمية في الشارع في الإسكندريةوالقاهرة نظّمها نشطاء حقوق الإنسان الذين اتهموا الشرطة المصرية باستمرار ممارستها التعذيب في ظل حالة الطوارئ المفروضة في مصر منذ عام 1981 يعطي الحق لأفراد الأمن التصرف كما يشاؤون مع من يشتبه فيهم. ومع بداية عام 2011 تم تفجير كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية في عملية إرهابية أوقعت 24 قتيلًا وأصيب 97 أخرون، وتم اعتقال المواطن المصري سيد بلال من قبل رجال أن الدولة ومعه الكثير من السلفيين للتحقيق معهم في واقعة التفجير إلا أنهم قاموا بتعذيبه حتى الموت، وأعادوه إلى أهله في 5 يناير 2011 جثة هامدة. بعد واقعتي اغتيال خالد سعيد وسيد بلال دعت العديد من الحركات والمنظمات المعارضة في مقدمتها 6 أبريل وحركة كفايا للتظاهر يوم 25 يناير الذي يوافق عيد الشرطة، اعتراضاً على سوء معاملتها للشعب واحتجاجاً على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة والفساد الذي شهده حكم الرئيس حسني مبارك. وبالفعل تظاهر ألاف المواطنين بغالبية محافظات الجمهورية نتيجة تمادي الشرطة المصرية في تطبيق قانون الطوارئ بشكل دائم منذ عام 1981, مما ولد شعور بالظلم الشديد لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري مما كان أحد أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير. وسقط العديد من الشهداء في العديد من المحافظات كان أولهم في محافظة السويس التي شهدت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة، ووصل الأمر ذروته بالحاق هزيمة منكرة بقوات الشرطة في عدة محافظات يوم 28 يناير ، فبحلول مساء اليوم ذاته كانت قوام قوات الشرطة قد انحل بسبب المواجهات مع الجموع الثائرة في طول مصر وعرضها ، حيث أخلت قوات الشرطة السجون و معظم مراكزها و اماكن خدمتها. وقامت الشرطة خلال الثورة بقتل العديد من المتظاهرين السلميين مستخدمة طلقات الخرطوش والأعيرة النارية مما رفع سقف مطالب الثوار الذي كان شعارهم "عيش حرية وعدالة اجتماعية" ليصبح إسقاط النظام ورحيل مبارك عن الحكم، وبالفعل نجح الثوار في إسقاط النظام وتم خلع محمد حسني مبارك في يوم 11 فبراير 2011. وقد بلغ عدد الشهداء خلال ثورة 25 يناير 365 شخصا وفق ما أعلنته وزارة الصحة، في حين أعلنت وزارة الداخلية أن شهدائها الذين قضوا نحبهم فى سبيل الله والوطن فى الفترة منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حتى 10 مارس 2013 بلغ 181 شهيدا، كما بلغ عدد المصابين من ضباط وأفراد ومجندين الشرطة خلال تلك الفترة 7 ألاف و 448 مصاباً. وقد تم محاكمة العديد من المسئولين عقب ثورة يناير وعلى رأسهم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وزير الداخلية حبيب العادلي والعديد من قيادات الوزارة. وكان أول وزير للداخلية بعد ثورة 25 يناير هو اللواء منصور العيسوى فى حكومة الدكتور عصام شرف، تلاه اللواء محمد إبراهيم، ثم اللواء أحمد جمال ،ويعد اللواء محمد إبراهيم هو وزير الداخلية الرابع للثورة والذي شهدت العديد من محافظات مصر في الأول من مارس الجاري تمرد للأمن المركزي ورجال الشرطة طالبت بإقالته لعدم إقحامهم في السياسة وتوفير الأسلحة اللازمة للقيام بمهامهم بحماية السجون ومطاردة البلطجية خاصة بعد استشهاد زملائهم أثناء القايم بواجبهم، في الوقت الذي طالب فيه العديد من رجال الشرطة الملتحين بالسماح لهم بإطلاق لحاهم بعد أنصفتهم المحكمة في قضيتهم .