الصفة المشتركة بين الأنظمة الثلاثة في روسيا بقيادة فلاديمير بوتين والصين تحت إمرة هو جينتاو وسوريا بزعامة بشار الأسد، هي أنها أنظمة ديكتاتورية أرضعت شعوبها مر القمع والكبت والطغيان، ولا مجال فيها للحرية أو التعبير عن الرأي، بل أن الأنظمة الثلاثة مستعدة للحفاظ على كراسيها مقابل إزهاق كل نقطة دم من دماء شعوبها إذا لزم الأمر، وهو ما ظهر جليا في حالة الطاغية بشار الذي يأبى التنحي ويتشبث بالكرسي على حساب 70 ألف جثة بحسب آخر تقديرات الأممالمتحدة. في الثالث من فبراير 2012 وقتما كانت الأزمة السورية قد تجاوزت عامها الأول كتب دانيال تريسمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا مقالا أوردته شبكة سي إن إن الأمريكية بعنوان: " لماذا تحمي روسيا الأسد؟"سرد خلاله الأسباب التي دفعت روسيا، والصين بالتبعية، إلى دعم نظام الأسد وحمايته من السقوط بكل هذه الشراسة رغم المذابح اللاإنسانية التي ارتكبها نحو شعب كل جريمته أنه يتطلع إلى مبادئ العيش والحرية والكرامة الإنسانية. فيتو متعسف وأشار دانيال إلى دور روسيا والصين في إجهاض أي قرار أممي يسمح باستخدام القوى العسكرية ضد نظام الأسد الذي يقتل شعبه تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، حيث آثرت الدولتان استخدام حق الفيتو لمعارضة أي تدخل. وفي 31 يناير 2012 اتحدت روسيا والصين واستخدمتا حق الفيتو لإجهاض قرار أممي في مجلس الأمن اقترحته المغرب بمساندة من جامعة الدول العربية وكان يطالب الأسد بتسليم السلطة إلى نائبه خلال 15 يوما، وإلا سيواجه المزيد من الإجراءات. وفي 19 يوليو 2012 استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) تجاه مشروع تقدمت به بريطانيا وفرنسا بشأن وقف العنف في سوريا، وبلغ عدد المؤيدين للمشروع البريطاني 11 صوتاً، فيما اعترض صوتان، في حين امتنعت دولتان عن التصويت ونص مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا أمام مجلس الأمن الدولي، على تمديد مهمة المراقبين الدوليين لمدة 45 يوماً، وفرض عقوبات على سوريا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة إذا لم يقم نظام الأسد بسحب الأسلحة الثقيلة من المناطق السكنية في غضون عشرة أيام من بداية تطبيق القرار. صراع واشنطنوموسكو وتابع دانيال: " الصراع التاريخي بين أمريكا وروسيا ورغبة موسكو في مناوئة رغبات واشنطن والغرب يمثل تفسيرا مهما لذلك الدعم الروسي لنظام الأسد، في سابقة ليست الأولى من نوعها، فروسيا على سبيل المثال تعارض العقوبات المفروضة على إيران بشأن برنامجها النووي، بعكس الرغبة الأمريكية". جنون العظمة وتابع دانيال في تحليل يحمل الكثير من الأهمية أن التركيبة الشخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلعب دورا مهما في دعمه لنظام الديكتاتور الأسد، مشيرا إلى أن بوتين يعاني من مرض جنون العظمة، الذي يدفعه في اتجاه إعادة المجد القديم للاتحاد السوفييتي الذي لعبت أمريكا دورا كبيرا في انهياره، بما يجعله يحاول لعب دور مختلف عن التوجهات الغربية لتأكيد مفهوم السيادة. قاعدة طرطوس تمثل سوريا أهمية استراتيجية كبيرة لدى روسيا كونها تحتضن قاعدتها البحرية الوحيدة في الشرق الأوسط في ميناء طرطوس في البحر المتوسط الذي يعد رمزاً لنفوذ موسكو في الشرق الأوسط رغم أنه لا يكتسي اهمية كبيرة على الصعيد العسكري. واعتبر الخبراء منذ وقت طويل أن رفض روسيا التخلي عن تلك القاعدة في سورية الحليفة منذ العهد السوفياتي، من الأسباب التي تدفع السلطات الروسية إلى مقاومة الضغوط الغربية الرامية إلى إرغامها على التخلي عن الرئيس بشار الأسد. وقال الخبير الروسي الكسندر تشوميلين: "طرطوس هامة من حيث الرمز والمستوى التقني والتكتيكي على حد سواء".انها نقطة انتشار روسيا الوحيدة في البحر المتوسط ورفع العلم الروسي فيها هام من وجهة النظر السياسية، لكنها ليست قاعدة حقيقية، ومن غير المطروح تحويلها الى قاعدة". تجارة الأسلحة تعتبر روسيا من كبرى الدول المصدرة للأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، ويكفي معرفة أن روسيا تكبدت نحو 13 مليار دولار خسائر جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وإلغاء صفقات أسلحة كانت تذهب إلى طهران، كما منيت بخسائر 4.5 مليار دولار جراء إلغاء عقود أسلحة على خلفية الثورة الليبية التي أطاحت بنظام القذافي، لذا فهي حريصة على إمداد نظام بشار بأكبر قدر من الأسلحة في محاولة لتعويض تلك الخسائر بجانب صادرات الأسلحة، ترتبط العديد من الشركات الروسية بمشاريع استثمارية تتعلق بالبنية التحتية السورية، وتخشى موسكو ضياعها إذا رحل الديكتاتور الأسد. سياسة متماثلة يلعب الصراع الاقتصادي بين الصين وأمريكا ورغبة كل منهما في أن يتبوأ صدارة اقتصاد العالم دورا بارزا في تأييد الصين لنظام الأسد ومخالفة توجهات أمريكا والغرب، والذي ينظر بعين الشك دائما نحو الانطلاقة العملاقة، وتحاول الصين توطيد العلاقات مع روسيا لتشكيل قوة عظمى تجابه بها التحفز الغربي ضدها، لذا فتبدو قرارات الدولتين أقرب إلى التماثل، ولعل ما يؤكد ذلك هو أن كليهما نأيا بجانبيهما عن التصويت في جلسة مجلس الأمن التي أجاز حق التدخل العسكري في ليبيا، كما أن كلا من روسيا والصين استخدمتا حق الفيتو ثلاث مرات لإجهاض قرار أممي مماثل حول سوريا، بما يشير إلى تماثل في السياسة الخارجية.