رغم أن انهيار الاقتصاد هو بداية حقيقية لانهيار النظام السوري باعتباره حجر الزاوية، والعمود الرئيسي الذي تبنى عليه خيمة أي نظام سياسي معاصر، أن يكون وضعه الاقتصادي متماسكاً، إلا أن المواطن السوري بات يدفع ضريبة قاسية لانهيار هذا الاقتصاد تثملت في ارتفاع جنوني في الأسعار وتوقف المصانع وانتشار البطالة وهروب الاستثمارات المحلية وتدمير القطاع الزراعي. "التغيير" ترصد في هذا التقرير مصير الاقتصاد السوري بعد عامين من الثورة وصمود النظام في مواجهة محاولات الشعب السوري للحصول على الحرية والتغيير، حيث أصيب الاقتصاد السوري بشلل تام وانهارت بنيته التحتيه نتيجة توقف مختلف قطاعاته وإصابتها يالعديد من الخسائر. وبعد مرور هذه الفترة العصيبة في الدولة الشقيقه فإننا نري أن الاقتصاد الوطني مستمر في التآكل بل وتدهور أدائه بشكل يهدد كيان النظام، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة حول أداء الاقتصاد السوري إلى أن الاحتياطي النقدي للبنك المركزي فقد أكثر من نصفه، وأن الناتج المحلي شهد انكماشا يقارب ال5 %، كما أن «الليرة السورية» فقدت مركزها إزاء الدولار الأمريكي وانخفضت قيمتها من 48 ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ليرة في غضون 14 شهراً. تراجع الصادرات وعلى مستوي الصادرات السورية فإنها تراجعت من العملات الأجنبية من 14 مليار دولار عام 2011، إلى 7.2 مليار عام 2012، وينتظر أن يفقد هذا الرقم 50 % من قيمته في الربع الأخير من هذا العام. وبعدما شهدت سوريا إقبالا من الاستثمارات الخليجية والأوروبية في الفترة من 2007 إلى 2010، فإنها وصلت الآن في ظل سياسة المقاطعة الاقتصادية والحصار إلى حالة من شبه التوقف. وتدل الإحصائيات أيضا على تراجع الودائع في البنوك السورية من 30 إلى 35 في المائة في الآونة الأخيرة، وسعي معظم المواطنين والمستثمرين إلى «الدولرة» وتهريب ودائعهم إلى الخارج وبالذات إلى البنوك اللبنانية حيث إنها الأسهل والأقرب لهم. الأيدي العاملة وتعرضت اليد العاملة السورية في لبنان (والبالغة من 700 ألف إلى مليون من العمال البسطاء إلى صغار ومتوسطي التجار) إلى أزمة كبرى بعد ازدياد مشاعر الاستنفار والعداء الشخصي تجاههم، مما دعاهم إما للعودة إلى الوطن من دون عمل مما يزيد من حالة البطالة، أو البحث عن وطن آخر يؤمن لهم لقمة عيش. أما السياحة في سوريا فقد تراجعت مؤخرا بنسبة 95 في المائة بسبب تدهور الوضع الأمني. إذن، بمفهوم التحليل المالي والاقتصادي، نحن أمام نظام مالي يتجه بسرعة جنونية إلى الانهيار. وللأسف الشديد فإن هذا الانهيار يؤلم كل عربي يؤمن بأن نجاح اقتصاد دولة عربية هو إضافة إيجابية للاقتصاد الكلي للقوة العربية، لكن ما هو حادث يؤدي - للأسف الشديد - إلى انهيار نظام دموي أحمق اختار أن يدفع هو وشعبه أفدح فاتورة مكلفة في التاريخ المعاصر. هروب الاستثمارات دفع الوضع الراهن في سورية أيضاً الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين للبحث عن ملاذ آمن لاستثماراتهم، وكانت مصر إحدى هذه الوجهات. وفي هذا المجال، بدأ أكثر من 40 مستثمراً سورياً ضخ استثمارات ونقل مشاريعهم إلى مصر، نتيجة الأحداث التي تمر فيها سورية والتي أثرت سلباً في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. انهيار البنية التحتية كما قدر وزير الإدارة المحلية السوري عمر غلاونجي الخسائر الناتجة عما وصفها ب "أعمال التخريب" التي تطال البنى التحتية في سوريا بأكثر من تريليون ليرة سورية (11 مليار دولار)، خلال 23 شهرا من النزاع. وقال غلاونجي خلال جلسة لمجلس الشعب إن الحرب التي تدور في البلاد تطال كل البنى التحتية للدولة، مضيفا أن لجنة الإعمار الحكومية تقيم الأضرار الناتجة عن أعمال العنف وتكلفة إصلاحها. وعن التعويضات المقدمة من الدولة لإصلاح الخلل الحاصل، بين غلاونجي أن الحكومة صرفت أكثر من ملياري ليرة (22 مليون دولار) خلال العام 2012 على تصليحات في البنى التحتية والمباني العامة. ويشار إلى أن أعداد الشهداء السوريين منذ اندلاع الثورة في منتصف مارس 2011 بلغت أكثر من سبعين ألف شخص، بحسب منظمة الأممالمتحدة. القطاع المصرفي أما عن القطاع المصرفي فقد تراجعت الودائع في البنوك السورية بنسبة 30%، وأكد مصرفيون أن العملاء يتحولون إلى الدولار أو يهربون مدخراتهم إلى أسواق تتمتع بأمان نسبي مثل تركيا ولبنان والأردن. النفط وكان قطاع النفط في قلب الأزمة الاقتصادية، حيث يشهد قطاع النفط أزمة كبيرة، خاصة مع فرض العقوبات الدولية على النظام السوري، فالعقوبات أوقفت تصدير نحو 130 ألف برميل من النفط كانت تصدر يوميا إلى أوروبا مما حرم دمشق من نحو 15 مليون دولار يوميا، وبلغت الخسائر من سبتمبر (أيلول) إلى يناير (كانون الثاني) نحو ملياري دولار حسبما ذكر وزير النفط السوري. الزراعة ولم يكن القطاع الزراعي أيضاً بمنأى عن الأزمة، فكثير من الاقتصاديين يتوقعون أنه سيتراجع بنسبة 3%، خاصة أن المناطق التي تشتد فيها الاحتجاجات تحوي مساحات زراعية شاسعة، خاصة في محافظات حمص وإدلب. ووفق الأممالمتحدة، فإن الصراع ألحق ضرراً بالغاً في القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه في معيشتهم، نحو 46 بالمئة من الشعب السوري في المناطق الريفية، من أصل 23 مليوناً، إذ تراجع إنتاج القمح والشعير إلى مليوني طن في العام الماضي بدلاً من نحو أربعة ملايين طن. كما انخفض إنتاج الخضروات والفاكهة والزيتون بشكل كبير، وبلغ الهبوط 60% في إنتاج الخضروات في حمص وانخفاضاً قدره 40 % في إنتاج زيت الزيتون في درعا. مسمار في نعش النظام ويرى محللون اقتصاديون أن الاقتصاد السوري سيواصل انهياره ويواجه أزمة على المدى القصير، خاصة أن عجز الموازنة العامة سيرتفع إلى 10.8% حتى عام 2016. وأن الدين الخارجي قد تصاعد ليبلغ 9 مليارات دولار. النقطة الأهم أن ذلك التراجع الاقتصادي الحاد سيطرح سؤالاً مؤلماً لصانع القرار في القصر الرئاسي في دمشق عن قدرة صمود النظام في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وهو ما يعتبره البعض أول مسمار في نعش نظام بشار الأسد. خسائر الناتج المحلي وتفيد المعلومات والمؤشرات بأن الصراع الدائر في سورية انعكس على الاقتصاد الكلي بتراجع قدره 35% في الناتج المحلي (نحو عشرين بليون دولار أميركي)، مع توقع خسارة 18%مع كل سنة أخرى، إضافة إلى النتائج القاسية في حياة السوريين الباقين في بلادهم، كان آخرها انقطاع الكهرباء في كامل مدينة دمشق وندرة وسائل المعيشة في باقي المناطق. ويتوقع خبراء أنه في حال انتهاء الأزمة الآن تحتاج سورية نحو 45 بليون دولار أميركي لتمويل عملية إعادة الإعمار في البلاد، مقابل زيادة في تحديات الإعمار، سواء من حيث الكلفة أو الأمكان، في حال استمرارها، بينها ارتفاع نسبة البطالة إلى 60 % في حال استمرار الأزمة إلى 2015. هبوط الليرة أمام الدولار وسط تأكيدات المعارضة السورية أن الانهيار الاقتصادي في سوريا سيقود إلى التعجيل من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء السورية إلى حدود ال93 ليرة وسط تداول معلومات عن ارتفاع متزايد قارب ال100 ليرة في بعض المناطق، مما يعني انخفاض العملة السورية 50 في المائة عن قيمتها الأصلية منذ بداية الأحداث في البلاد.