كلنا نعيش حالات من الغضب، فحياتنا اليومية لا تخلو من مواقف يعجز أمامها الإنسان عن تمالك أعصابه. مع ذلك، فإن أنواع الغضب ودرجاته تختلف من شخص إلى آخر. فماذا يقول علم لنفس عن إحساس الغضب؟ وكيف يصنفه؟ اكتشفت عندما وصلت إلى باب بيتك، أنّك نسيت مفاتيحك في المكتب. فوجئت بصديقك يعتذر عن عدم الحضور بعد أن كنت قد وصلت إلى المكان المتفق عليه. أقدم طفلك الصغير على كسر مزهريتك الأثرية الثمينة. كلنا معرضون يومياً للكثير من المواقف التي تثير بداخلنا مشاعر سلبية وعلى رأسها الشعور بالغضب. فمن منا لم يعرف إحساس الغضب؟ يقول المتخصّص النفسي الفرنسي ستيفان روسينيك: "إنّ الغضب هو قبل كل شيء إحساس لحظي وثانوي". كيف ذلك؟ إنّه إحساس ينتج عن أحاسيس أخرى، مثل الخوف أو الحزن. ومع ذلك، فإنّ الغضب يختلف تماماً عن الحزن. فالغضب هو رد فعل على إحباط أو خيبة أمل أو صدمة، وهو إحساس غير معقد يعبر ببساطة عن عدم الرضا. والغضب أيضاً شعور يمكنك أن تشعر به تجاه نفسك، كما يمكن أن تشعري به تجاه الآخرين. وتختلف درجات الغضب حسب درجة الخذلان والإحباط التي نتعرض لها، فهي تتفاوت من مجرّد عدم الرضا والتبرم إلى الهيجان والثورة العارمة والغضب الجم، مروراً بالحنق والتوتر والانزعاج. ولا ننسى أن ما يحدد درجة الغضب هو مدى درجة العنف الذي تعرض له الغاضب. فالحنق مثلاً، ينتج عن إحساس المرء بأنّه عاجز من مجاراة الموقف الذي وجد نفسه فيه، بينما الهيجان يحدث في الحالات التي يشعر فيها الفرد بأن ظلماً كبيراً لحق به. وقد أوضح العالم ستيفان روسينيك أنه ليس هناك فرق بين المرأة والرجل فى الأحاسيس والمشاعر لان الغضب رد فعل طبيعي من الجسم يحدثه للتكيف مع أحد المواقف الطارئة لتمرير رسالة إلى الآخر ويعتبر الإحباط مصدر الغضب الأساسي شأنه شأن جميع الأحاسيس، يؤدِّي الغضب على المستوى النفسي دوراً إخبارياً، فهو المخبر الذي يعلمنا بدرجة الرضا عما تحقق أو لم يتحقّق من احتياجاتنا. فعندما تتحقّق مطالبنا، فإن فرحة عارمة تجتاح الجسم والروح، والعكس صحيح. فعندما تواجهنا خيبات الأمل وتتلاحق الإحباطات، فإنّنا سرعان ما نشعر بالخوف والحزن، وبالتالي الغضب، وهنا يأتي الغضب، الذي يظهر دائماً عندما يختل توازن أحد جوانب الحياة لدى الفرد. ينتفض الجسم ويحاول خراج شحنة كبيرة من الطاقة لكي يتحرّر ويبيّن أنّه مستعد للمعركة. وهنا، تقول المتخصّصة النفسية ستيفاني هاهوسو صاحبة كتاب "كيف تتعامل مع انفعالاتك؟": "لا يجب ان تنظر إلى الغضب على أنّه شعور سلبي وضار، بل إنّ من الطبيعي والمناسب جدّاً أن نشعر بالغضب هو شعور مهم من حيث إنّ الضحية إذا لم تغضب وتعبر وتعاتب المعتدي على ما سببه لها من ظلم أو ألم، فإنّها ستكتم المعاناة بداخلها لدرجة أنّها، أي الضحية، ستبدأ في معاتبة نفسها بدلاً من أن تعاتب الجاني". وتفسر ستيفاني أنّه "في بعض الحالات يعتبر التعبير عن الغضب تعبيراً عن احترام الذات، فالشخصية التي تعبر للآخر عن غضبها هي شخصية تحترم ذاتها. يقول التخصّص روسينيك: "إنّ الآباء مثلاً، عندما يعبرون بين الفينة والأخرى عن غضبهم من أطفالهم بسبب حماقات ارتكبوها، يوصلون للأطفال معلومة مفادها: "لقد أغضبتني وهذا يعني أنّ الموقف أصبح خطيراً ولا يحتمل. والأطفال يتأثرون جدّاً على المستوى العاطفي عندما يرون الأب أو الأُم في هذه الحالة. لهذا فإنّهم سيتذكرون جيِّداً هذه الغلطة التي جعلت الأب أو الأُم يستشيط غضباً ولن يعيدوها ثانية. يكون غضب الوالدين مفيداً بشرط واحد، هو ألا يكثرا من نوبات الغضب إزاء تصرُّفات أطفالهما الطائشة، لأنّ الطفل إن اعتادوا على غضب والديهم وصراخهم كل يوم، سيفقدون اهتمامهم برد فعل الوالدين، لأنّه سيصبح شيئاً عادياً بالنسبة إليهم".