"بورسعيد ظالمة ومظلومة" ... هكذا تعاملت المعارضة مع المدينة الباسلة منذ حادث المجزرة الشهير في الأول من فبراير 2012، وحتى صدور الحكم ضد المتهمين بارتكاب هذه المجزرة في 26 يناير 2013. ففور وقوع الحادث، الذي أودى بحياة 72 شاباً من مشجعي النادي الأهلي، قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأت بعض القوى الثورية والتيارات السياسية في شن هجومها الضاري على المجلس العسكري - الذي كان يدير البلاد وقتها - وامتلأت شاشات الفضائيات بالهجوم على المواطنين في بورسعيد، وباتت مترادفات كثيرة تتردد على الألسنة من نوعية "الهمج، المجرمين، القتلة ..." وغيرها من الاتهامات، التي كلما كانت تقترب القضية، كلما زادت، وباتت مظاهرات "ألتراس" الأهلي هي قبلة الثوار ودعمهم، لما يقرب من عام كامل، كان أحد مطالب الثوار فيها القصاص من قتلة الألتراس. وكان نتيجة طبيعية، لهذه الحالة من السخط والكراهية لبورسعيد، أن تزيد الهوة بين المواطن البورسعيدي وبين مصر، وتحول الحديث للهجة "شعب بورسعيد"، وظلت بورسعيد تدافع عن نفسها مؤكدة أن هذه الجريمة لم تكن إلا مؤامرة لا دخل لأبناء بورسعيد فيها، إلا أن هذا لم يلقى قبولاً أو استجابة من الإعلام والرأي العام، الذي تأثر بالحادثة وببشاعتها. إلى هنا ظلت بورسعيد لمدة عام كامل "ظالمة"، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة حين نطق القاضي الحكم في القضية، حيث أحال أوراق 21 متهماً "بوسعيدياً" إلى مفتي الجمهورية، فتحولت المدينة إلى المظلومة والضحية، وبدأت المعارضة التي خرجت مطالبة بالقصاص لشهداء الألتراس، في الدفاع عن المتهمين الذين تم الحكم عليهم في القضية، مؤكدة أن الحكم مسيس لا علاقة له بحقيقة الأحداث، وأن مجزرة بورسعيد لم تكن في الأساس إلا مؤامرة!!!!. التيار الشعبي الذي يتزعمه حمدين صاحبي وصف الحكم ب "المسيس"، من القيادة السياسية، لتهدئة الألتراس بعد الأحداث التى شهدتها مصر أمس؛ حيث قالت هبة ياسين المتحدث الإعلامي للتيار إنه لم يتم حتى الآن محاكمة أي من قيادات الشرطة المتهمين فى أعمال القتل منذ ثورة يناير، ولاسيما قيادات أمن بورسعيد التى كانت تؤمن الإستاد وأغلقت الأبواب، وأن تأجيل المحاكمة الى 9 مارس لتهدئة الأمور وإصدار أحكام مخففة على القيادات الأمنية. ووصف جورج إسحق القيادي بحزب الدستور، الحكم ب "الظالم"، واصفاً إياه هو الآخر ب "المسيس" معتبراً أن القضية لم تكتمل بعد حتى يتم الحكم فيها. هذا التحول الكبير في موقف المعارضة من مجزرة بورسعيد، بين المطالبة بالقصاص للشهداء، والوقوف بجانب بورسعيد "المظلومة"، بلغ ذروته حين خرج العديد من السياسيين المحسوبين على المعارضة في مصر لدينوا الأحداث التي شهدتها المحافظة فور صدور الحكم، مبررين هذه "الغضبة" من اهالي بورسعيد، على حد قولهم. حيث قال إيهاب الخراط، العضو بالحزب المصري الديمقراطي، إن الأحكام الصادرة كانت قاسية وغير مبررة لافتاً إلى أن غضب أهالي بورسعيد من الأحكام له ما يبرره من أن المقدمين للمحاكمات جميعهم من الشباب وأهالي بورسعيد ولم يحاكم أحد من المسؤولين الكبار والمحرضين على المذبحة. ومع تصاعد الأحداث، بالمحافظة، خرجت العديد من الأحزاب والقوى السياسية لتعلن دعمها الكامل ل "البورسعيدية"، منددين بالاحكام الصادرة بحقهم، بل وشاركوا في المظاهرات التي خرجت في المدينة لتتطور الهتافات إلى مطالبات بإسقاط النظام وبالهجوم على الإخوان المسلمين. ويبدو على ضوء هذه التصريحات وغيرها من التحركات التي اتخذتها المعارضة خلال هذه الفترة ، أنها تعاملت مع القضية في الأسا، تعاملاً سياسياً فقط وأرادت أن تستفيد من الأمر على المستوى السياسي وخاصة فيما يتعلق بالصراع مع السلطة سواء كانت هذه السلطة المجلس العسكري -الذي حدثت في عهده الكارثة - أو نظام الإخوان - الذي صدر فيه الحكم في القضية - وايا ما كانت النتائج التي تنتظرها المعارضة وأياً كان ما سيحدث على أرض الواقع في هذا الصدد، فإن الخاسر الوحيد في هذه اللعبة السياسية "بورسعيد نفسها"، التي باتت تسأل نفسها سؤالاً واحداً اليوم، في ضوء هذا الكم من التناقضات، "هل أنا ظالمة ام مظلومة"؟!.