في وسط الصخب الدائر عن الحديث باسم الشريعة وباسم الغيرة على الدين والحرص على حكم الله .. التاريخ يهمس فى آذاننا علنا نسمع. ففى تاريخ المسلمين - قديمه و حديثه - سنة واحدة واضحة .. تقول أن كل من صنف نفسه فى موقع أرقى من عموم المسلمين وأحال علاقته بهم إلى نوع من أنواع الرقي العنصري— متعللا بتقواه وفهمه— كانوا هم أسباب الفرقة والاقتتال ووهن المسلمين. هؤلاء هم الخوارج قديما والمكفرة حديثاً .. ويضاف إليهم كل من يحتكر الحديث باسم الله ودينه ونبيه وحكم الله فى أرضه وينكره على غيره من بني دينه .. بل ويخرج كل من ليس مثله من حظيرة الدين .. مثبتا لنفسه العلو والتمايز والتزكية بفهمه هو وتأويله هو (!) حتى وإن أقحم تفرده زورا على سعة الدين قرآنا وسنة. وشاهدنا من التاريخ أن من قالوا "لا حكم إلا لله" بل وأحالوها فتنة ودماء وقتلا في مجتمعاتهم— حين تعالوا بها أكثر مما فهموها واستكبروا بها أكثر مما وعوها— هم الخوارج، ولم تنقصهم النوايا الحسنة قدر ما أعوزهم الفهم والوعي وترك الكبر. وهم قتلة على بن أبى طالب— أحد أقطاب الفهم و الحكمة لهذا الدين— حين واجههم بأن تنطعهم في الحديث عن حكم الله هو حق يراد به باطل. الخوارج— لمن لا يعرفهم— كانوا أهل عبادة لا تنقطع، فهم من وصفوا في الحديث الشريف بأنهم: "قوم تحقرون عبادتكم إلى عبادتهم" أي أنهم لا يشق لهم غبار في ظاهر الطاعة، وهم يشقون على أنفسهم فيها. وقيل أيضاً عنهم: "يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". أي أنهم وأن عظمت تقواهم الظاهرة .. قصر فهمهم للدين الذي يتصورون الدفاع عنه بل واستعداء مجتمعاتهم في سبيله أو الفتنة والقتل أحيانا. وهم من قال فيهم صلى الله عليه وسلم في أشد ما قال عنهم: "يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ". فقليلا من التواضع يرحمكم الله، فكم من متحدث باسم الشريعة، متعال بها، محتكرا الحديث باسمها قد يحسب أنها له وهي في حقيقتها عليه. فهل سنتواضع لله ثم الوطن .. أم يا ترى سيبقى الصخب يطغى على همس التاريخ ليبقى أسى الحاضر؟! {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.