تأتي جولة الرئيس الامريكي جورج بوش الشرق أوسطية في ظل هزائم ومخاطر متلاحقة كبيرة تتعرض لها السياسة والقوات الامريكية في افغانستان والعراق ولبنان... وفي وقت يستعد فيه للرحيل عن البيت الأبيض ، بعد أن أغرق ساحة المنطقة بالويلات والحروب والكوارث. ويحاول الرئيس بوش في المدة المتبقية من ولايته، أن يحقق انجازا سياسيا يحسب له ولحزبه عشية انتخابات الرئاسة ، يتمثل في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولكن ان يكون هذا الحل في صالح اسرائيل وبرامجها يسبقه او يتبعه تطبيعا عربيا مع تل ابيب وتسويقا لهذا الحل تقوم به دول المنطقة ترغيبا او تهديدا او بالوسيلتين معا. اما الهدف الآخر للجولة فيتمثل في تحديد السبل والطرق لحصار سوريا والمقاومة في لبنان وضرب ايران بتعاون اسرائيلي امريكي يدعمه اصطفاف عربي تتخندق فيه بعض الدول تحت ادعاء مواجهة الخطر الايراني ، واسرائيل تقوم منذ فترة طويلة بدفع الرئيس بوش الى اتخاذ قرار الحرب ضد ايران قبل مغادرته البيت الابيض، وهذه المسألة كانت واضحة تماما عندما اعلن اولمرت وبوش في مؤتمرهما الصحفي انهما ركزا في محادثاتهما على المسألة الايرانية، وكان ذلك بحضور قادة البلدين المتنفذين على المستويين العسكري والسياسي ، والمضي قدما في معالجة هذه المسألة اسرائيليا وامريكيا يتطلب تهدئة في الساحة الفلسطينية واثارة فتنة في الساحة اللبنانية ومزيدا من الضغط على دمشق، وبطبيعة الحال ستكون هناك ادوار لحلفاء واشنطن في المنطقة خدمة للتوجهات والسياسات الامريكية.
وعند استعراض اهداف جولة بوش ، لا يمكن تجاوز الأغراض الشخصية لكل من رئيس وزراء اسرائيل والرئيس الامريكي، فاحدهما على وشك مغادرة المكتب البيضاوي ، وهو معني بخدمة حزبه في انتخابات الرئاسة التي بدأت استعداداتها والثاني ايهود اولمرت يعاني من عدم استقرار ائتلافه الوزاري الذي يرتكز على احزاب شاس واسرائيل بيتنا وحزب العمل ، ولكل من هذه الاحزاب رؤيته وتصوراته ومواقفه، اضافة الى ذلك، فان رئيس وزراء اسرائيل يخشى النتائج المترتبة على تقرير لجنة فينوغراد، والملفات الجنائية المتراكمة التي تنتظر اشارة من النائب العام. وبالتالي، كل من اولمرت وبوش بحاجة الى الآخر في هذه المرحلة، رئيس وزراء اسرائيل بحاجة الى كل حدث ولو كان استعراضيا لاطالة امد بقائه في الحكم، وزيارة بوش تندرج في هذا الاطار، وكذلك صفقة اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي شليط، وبالتأكيد، يأمل أن ينجح بوش في انجاز حل سياسي اسرائيلي المقاسات للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، يكون مدخلا لبقاء اولمرت في الحكم وربما يفتح له الطريق نحو ولاية ثانية، وانجاز تسوية امريكية اسرائيلية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي تعتبر نقطة في صالح بوش، ليحصل على لقب "بطل" السلام وليس فقط الرئيس المغرم بسفك الدماء والحروب ،وهنا، ايضا يكون بوش قد رد الجميل لرئيس وزراء اسرائيل الذي ادار حربا، امريكية في لبنان ادت الى كسر قوة الردع الاسرائيلية . لكن، لا نعتقد ان اولمرت وبوش قادران على تحقيق مثل هذه التسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي دون احداث تطورات في اكثر من ساحة، وممارسة الضغوط وعمليات التخويف للقيادة الفلسطينية ، لأن القيادة الامريكية وعلى رأسها جورج بوش معنية بالاسراع في التوصل الى هذا الحل حماية للكيان الاسرائيلي ، على الاقل لأعوام قادمة، من خلاله يغلق هذا الملف ولا تقوم الادارة الامريكية القادمة بفتحه من جديد. وتبرز على السطح هنا، قضية هامة وخطيرة، وهي ان حرب تموز 2006 اثارت قلقا كبيرا لدى الادارة الامريكية ، ونوقشت نتائجها من الطاقم الاسرائيلي الامريكي ولعدة اسابيع وخرجت بتوصية رفعها على عجل الى الرئيس بوش، وهي، ان الكيان الاسرائيلي وبقاءه في خطر ، وبالتالي، من الضروري الاسراع في ايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفرضه على الفلسطينيين واجراء تطبيع شامل داعم لهذا الحل بين الدول العربية واسرائيل، حتى تتفرغ تل ابيب لمواجهة التحديات والاخطار في المنطقة، ومنها، خطر المقاومة في لبنان وخطر القوة الايرانية وخطر استقرار الساحة السورية. وهنا، يفرض سؤال نفسه وهو : هل ستقوم اسرائيل ب (تنازلات) في قضايا الحل النهائي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهي حق العودة والقدس والمستوطنات؟ وللاجابة على هذا التساؤل ، نقول ان القيادة الفلسطينية لا يمكنها التساوق مع مواقف اسرائيل من القضايا الجوهرية التي ذكرنا وان تل ابيب لن تقبل بأية ضغوط ولو خفيفة من جانب الولاياتالمتحدة لجسر الهوة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، كذلك، تفرض الخارطة السياسية في اسرائيل على اولمرت ان لا يقدم (تنازلات) جوهرية بشأن القضايا الاساسية في الصراع والا فقد ائتلافه الوزاري ومستقبله السياسي، وهذا يعني ببساطة ان اولمرت سيواصل انتهاج سياسة المماطلة والمناورة في المفاوضات مع الفلسطينيين، حتى نهاية فترة ولاية بوش، لكي لا يقفد موقعه ، ومن هنا يعمل اولمرت بكل الوسائل وبدعم كبير من احزاب الائتلاف على جر الادارة الامريكية الحالية قبل انتهاء ولايتها الى حرب مع ايران ، لأن حرب كهذه تحقق له كل اغراضه السياسية ، من شطب لملفات جنائية ، وتجاوز الفشل والتقصير في حرب تموز 2006 وضمان ولاية حكم جديدة. وهنا ايضا يكمن احد مخاطر جولة بوش الشرق اوسطية، انها جولة خطيرة وتبعاتها رهيبة ، فهل تدرك شعوب المنطقة ذلك وهل تدرك هذه الشعوب ان ادارة تنتهج الشر وتمارسه، لا يمكن ان تقدم خيرا أو سلاما. والآن ، وفي ضوء ما تحمله جولة بوش من اخطار وضغوطات وعدوانية وترهيب والغاء وشطب حقوق فانه يجب على الجانب الفلسطيني الاسراع في رأب الصدع الذي يشق ساحته ويمزقها والانطلاق لاستعادة الوحدة الوطنية وتعزيزها. وبوضوح اكثر ، في هذه المرحلة حركة حماس مدعوة الى التلاقي مع رأس السلطة الفلسطينية محمود عباس والتقاط المبادرة التي طرحها عشية العام الجديد، وترتيب كل المسائل والامور والذهاب بنوايا طيبة الى صندوق الاقتراع، حتى لا يبقى هذا الصدع خنجرا في ظهر كل فلسطيني. وليس عيبا او خطأ أن تعلن حماس تراجعها عما حدث في غزة في حزيران من العام الماضي، حتى لا تشكل نتائج تلك الاحداث سابقة في الساحة الفلسطينية يقتدي بها هذا الفصيل او ذاك ، فالقضية الفلسطينية ومصالح شعب فلسطين اكبر واسمى واعظم من هذا الفصيل او ذاك، والتفاني من أجلها اشرف كثيرا من البحث عن منافع ومصالح ذاتية وشخصية آنية وزائلة.