يختلف المراقبون في تقديراتهم حول التطورات المحتملة لحالة التوتر وتبادل التحذيرات والإتهامات بين القاهرة وتل أبيب والتي عرفت تصعيدا غير مسبوق مع نهاية سنة 2007، فالبعض يري ان المشكلة عابرة وسيتم تخطيها بدعم وضغوط من جانب واشنطن وأطراف غربية أخري، في حين يقدر آخرون ان العلاقات المصرية الإسرائيلية استهلكت خلال العقود الثلاثة الماضية ما كان يسمي بالسلام البارد بين الطرفين والذي دشن بإتفاقيات كامب ديفيد سنة 1978، وسيحل مكانه وضع يرجح فيه جانب التصارع والمواجهة ولكن الذي لن يصل علي أي حال الي مرحلة المواجهة العسكرية في المستقبل القريب. علاقات القاهرة لم تتأزم بشكل لافت خلال النصف الثاني من سنة 2007 مع تل أبيب وحدها بل مع واشنطن كذلك وإن كان بشكل أقل جلاء علي الصعيد العلني. القشة التي يقول معلقون إسرائيليون أنها كسرت العمود الفقري لعلاقات مصر وإسرائيل، كانت التعاون الكثيف علي عدة مستويات بين القاهرة وحركة المقاومة الإسلامية حماس التي سيطرت علي قطاع غزة في حزيران (يونيو) 2007 بعد مواجهة قصيرة مع حركة فتح . ويقول الإسرائيليون أنه لو أغلقت القاهرة بشكل جيد حدودها مع قطاع غزة، التي لا يزيد طولها علي 12 كيلومترا ومنعت دخول الأسلحة والأموال والمقاتلين الي الفلسطينيين لكانت سيطرة حماس قد انهارت منذ مدة، ولما كانت فصائل المقاومة لتستطيع الإستمرار في قصف المستوطنات الصهيونية وتطوير صواريخها وإعطائها مدي أطول. وذهب الساسة الإسرائيليون الي إتهام القاهرة بالتعاون الجدي مع المقاومة الفلسطينية وتأييدها في ضرب إسرئيل وتحويل غزة الي قلعة قادرة علي الصمود في وجه هجمة كثيفة من جانب الجيش الإسرائيلي علي شكل ما حدث في جنوب لبنان صيف سنة 2006. ووصل الأمر بتل أبيب لتثبت أقوالها انها قدمت للكونغرس الأمريكي فيلما صورته أجهزة مخابراتها يبين جنودا وضباطا مصريين يساعدون في تمرير اسلحة وذخائر الي المقاومة الفلسطينية عبر الأنفاق من نقط مراقبتهم الواقعة علي حدود ممر فيلادلفيا الذي يفصل سيناء عن غزة. وزيادة علي ذلك قدمت حكومة أولمرت أدلة للإدارة الأمريكية علي قيام بنوك مصر بخرق الحصار المفروض علي التحويلات المالية الي قطاع غزة، كما لفتت الإنتباه الي أن القاهرة خرقت الإتفاقيات والتفاهمات الخاصة بممر رفح وسمحت بعبور آلاف الفلسطينيين له رغم غياب المراقبين الأوروبيين وممثلي حكومة فياض. وفي نطاق الترويج للإتهامات الإسرائيلية ودعمها بالضغوط علي القاهرة، لوحت مصادر إسرائيلية وأمريكية بمخططات لقصف السد العالي في مصر وإحتلال شبه جزيرة سيناء والسيطرة علي قناة السويس الي غير ذلك من اللغط الذي يذكر بعقود المواجهات الساخنة منذ غرس الكيان الصهيوني علي أرض فلسطين سنة 1948. في الأسابيع الأخيرة من سنة 2007 عرفت الضغوط الأمريكية الإسرائيلية علي مصر نقلة جديدة حيث قرر الكونغرس حجب 100 مليون دولار من المعونات والتهديد بوقف المساعدات العسكرية والإقتصادية. وقال مشرعان أمريكيان يوم الاربعاء 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تجعل المعونة الأمريكية لمصر مشروطة ببذلها المزيد من الجهود للحيلولة دون تهريب أسلحة الي قطاع غزة. والمشرعان هما السناتور الجمهوري أرلين سبيكتور عضو بلجنة المخصصات المعنية بتوزيع المعونة الأمريكية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والديمقراطي باتريك كنيدي، عضو بلجنة مماثلة في مجلس النواب. وذكر سبيكتور للصحافيين في القدس انه وضع لا يحتمل أن تكون مصر شريكا في السماح بتهريب أسلحة الي حماس. ان مصر تحصل علي منحة أمريكية كبيرة.. أموال أمريكية كثيرة.. تحصل علي ملياري دولار في العام . وأضاف يمكن أن تبذل مصر المزيد من الجهد واذا لم تفعل أعتقد أنه سيكون من المناسب أن تكون المساعدة لها مشروطة بتنفيذ ذلك. نعتزم إثارة الامر مع المسؤولين المصريين . واذا كان المسؤولون الاسرائيليون لم يجاهروا بسعيهم لدي الولاياتالمتحدة لتمارس ضغوطا علي مصر، فإن التوجه كان واضحا حين صرح نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي شاوول موفاز ان الضغط الامريكي علي مصر سيكون اكثر فاعلية لمنع تهريب الاسلحة الي قطاع غزة من الاقتراح الذي تقدمت به القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بزيادة القوات المنتشرة حاليا علي خط الحدود بين مصر وقطاع غزة والبالغ عدده 750 شرطيا. وقال موفاز للاذاعة العسكرية الاسرائيلية ان زيادة القوات لن تمنع تهريب الأسلحة لأن هذه المشكلة تتعلق بالسيطرة علي كل مناطق شبه جزيرة سيناء وليس التدخل فقط في شريط حدودي . كل هذه التهديدات والتدخلات ولد ردة فعل مصرية وصفت غربيا بالشديدة. فيوم الأحد 30 كانون الأول (ديسمبر) حذر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط اسرائيل من أن بإمكان القاهرة أن تستعمل نفوذها الدبلوماسي ضد اسرائيل التي قال انها تحاول الاضرار بعلاقات مصر مع واشنطن. وأضاف اذا استمروا في الدفع والضغط ومحاولة التأثير علي علاقات مصر بالولاياتالمتحدة والحاق الضرر بالمصالح المصرية بالتأكيد مصر سوف ترد عليهم وستحاول أن تضر بمصالحهم ، نحن لنا مخالب قادرة في كل الاتجاهات والمجالات وكلها مجالات دبلوماسية لا تتجاوز العمل الدبلوماسي الذي يلحق بالغ الضرر . وقال أبو الغيط ان مصر تنتظر موقف الادارة الامريكية الرسمي من قرار الكونغرس حول المساعدات. وعبر عن اعتقاده أن الادارة الامريكية لا توافق علي توجه الجماعات التي قال انها ضغطت علي الكونغرس لانها تؤثر علي المصالح الامريكية سلبيا . واضاف ان اللوبي الاسرائيلي لدي الكونغرس دفع بمواقف كانت اسرائيل وراءها . وتابع ان الحملة الاسرائيلية والتهكمات والاشارات الواردة في الإعلام الاسرائيلي علي مدي الشهور القليلة الاخيرة تأتي في هذا السياق . ودافع عن بلاده مؤكدا ان مصر تقوم بدورها بتأثير واضح في مجالين محددين اولهما المشاركة في عملية السلام وبذل الجهد كي لا تضيع ولا تفلت من ايدي اصحابها وثانيهما انها تتصدي لكل الخروقات التي قد يحاول البعض القيام بها علي الحدود المصرية الفلسطينية . قبل وزير الخارجية المصري اتهم الرئيس المصري حسني مبارك اسرائيل باختلاق الدليل الذي تقول انها حصلت عليه حول تعاون رجال شرطة مصريين في تهريب السلاح وقال ان وزيرة خارجية إسرائيل ليفني تجاوزت الخطوط الحمراء عندما وصفت أداء مصر رديء في مجال منع تهريب السلاح وان ذلك يمكن ان تكون له تبعات اقليمية. واوضح مبارك ان القسم الاكبر من حركة تهريب الاسلحة ليس مصدرها شبه جزيرة سيناء بل انها قادمة من البحر، من الشمال والجنوب، وهو لا يريد الدخول في التفاصيل . وفي نطاق المواجهة ومع اليوم الأول لسنة 2008 أعلنت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري رفضها اي مساعدات امريكية مشروطة لمصر او اي تدخل في شؤونها الداخلية. وطالب أعضاء اللجنة مجلس الشعب باصدار بيان في هذا الصدد، مؤكدين ان مصر دولة مستقلة تملك قرارها وارادتها، ولا احد يفرض شروطا عليها. يظهر ان السلام البارد قد انتهي.