الدعاية السوداء هى الحديث السئ عن الخصوم بطريقة فجة و صريحة. أما الدعاية الرمادية فهى التدليس بإستخدام بعض المعطيات و لى عنق الحقيقة ثم القفز إلى إستنتاجات خاطئة لتشويه الهدف. و المتتبع للحالة المصرية منذ الثورة يجد أن هناك سيل من المعارك الوهمية بإستخدام الدعاية الرمادية من خلال منظومة متكاملة سياسياً و إعلامياً. هذه الحرب الدعائية الرمادية مرت بعدة معارك . ولا يعترف هؤلاء بالهزيمة أبداً فتراهم يعيدون إستخدام سلاح معركة حتى لو كانوا خسروها مرات عديدة. و الدليل على ذلك هى وحدة المصطلحات التى يستخدمها المشاركون فى هذه الحرب من أقصى اليمين الليبرالى لأقصى اليسار الإشتراكى. بتسويق شديد و مبالغة عالية من وسائل إعلامية معينة. فالجميع يعمل فى منظومة متكاملة و ليس منفرداً. المعركة الدعائية الرمادية الأولى بدأت أثناء الفترة الإنتقالية و ما تلبث أن تهدأ حتى يتم التلويح بها ثانيةً هى تصوير أن مصر على شفا فتنة طائفية مدمرة. فبينما يعلم الخبراء فى مثل هذه الحروب الطائفية أنه لا يوجد على أرض مصر أى مقوم من مقومات الفتنة الطائفية. فلا فواصل جغرافية أو سياسية أو عسكرية بين الطائفتين الأكبر فى البلاد إلا أن البعض يستمر فى التلويح بها لتحقيق مكاسب سياسية و طائفية أو تكبيل بعض الأحزاب بإلتزامات مستقبلية لن يستطيعوا و لا يملكوا تحقيقها. و لكن الحقيقة أن هناك حوادث طائفية محلية و لن تكون هناك فتنة طائفية أبداً. المعركة الدعائية الرمادية الثانية بدأت عندما إستيقن البعض أن الهوى التصويتى المصرى فى أى إنتخابات هوىً إسلامياً يعطى أغلبية مريحة للأحزاب الإسلامية. فبدأ الحديث عن التصويت كإنقسام مجتمعى خطير ومؤشر لحرب أهلية وشيكة. و كلما مررنا بإستحقاق إنتخابى يتم إشهار سلاح الحرب الأهلية من فتحة صندوق الإنتخابات. فمن المعلوم أن الحروب الأهلية لاتقوم بين أحزاب سياسية بل بين كيانات إثنية أو جغرافية أو طائفية مناطقية أو أحزاب تمثل هذه التناقضات. و عليه فلن تقوم فى مصر حرب أهلية و لكن للبعض أغراض أخرى. ثم إشتعلت المعركة الدعائية الرمادية الثالثة المسماة العصيان المدنى. فخرجت مجموعات صغيرة لا نرى فيها مظاهر ثورية أو شخصيات ثورية معتبرة. وتم تسويق بعض الفعاليات أقل مايقال عنها أنها تخريبية على أنها الثورة الثانية على الرئيس مرسى. و يكفى أن تطالع بعض وسائل الإعلام خصوصاً المرئية ليصاب المرء بالهلع والشك فى مستقبل البلاد و العباد. و لكن الحقيقة لا هذا عصيان مدنى و لا الشعب يدعم هذه الفعاليات و يكفى أن ترى تترات الفضائيات تصف تجمع عدة مئات على أنه مليونية لتعرف إلى أى مدى آلة الدعاية الرمادية نشيطة و كفوءة. ثم إشتعلت المعركة الدعائية الرمادية المستمرة ألا و هى عودة الجيش لحكم البلاد و الإنقلاب على الرئيس. فحديث و صلاة جمعة و زيارة و إستقبال زائر من قبل قادة الجيش إشارات قوية عند هؤلاء بعودة العسكر. أما نزول الجيش فى السويس و بورسعيد فكان عيداً فى الفضائيات. و لما أيقنوا أن الجيش لا بفكر حتى فى العودة إلى الإمساك بكرة النار (حكم البلاد) مدو أيديهم ليجرجروا الجيش فشنوا حملة جمع تفويضات للجيش ليدير البلاد. فتمخضت هذه الحملة حسب كلامهم (غير موثق) عن ما لايتجاوز 20 ألف تفويض. فلم يفلحوا فى إشعال فوضى تستدعى الجيش و لم يفلحوا فى إغرائه و لم يفلحوا أيضاً فى إستجدائه. و السبب بسيط جداً و لا يخفى على أحد. فالجيش مع الشرعية و يدرك الوزن السياسى النوعى للقوى السياسية فى الشارع. و أخيراً و ليس آخراً إشتعلت فجأة الدعاية الرمادية فى وزارة الداخلية. فحدثونا عن إضراب شامل و متزامن و أخرجوا لنا مطالبات الشرطة بعدم الزج بها فى الخلافات السياسية. و رفض الشرطة مهاجمة ما أسموهم الثوار بينما يروجوا لوحشية الشرطة فى مهاجمة ما أسموهم بالثوارأيضاً فى نفس الوقت الذى يتحدثون فيه عن سوء إدارة الرئيس و وزير الداخلية بعدم تسليح الشرطة. و لكن فى وسط كل يتيبن أن عدد مراكز الشرطة المضربة (حسب مصادرهم) لا يتعدى ال 20 قسماً وسط مايزيد عن 350 قسم شرطة باللإضافة إلى الآلاف من نقاط الشرطة. بالعكس يكافح بعض شرفاء الشرطة و بجهود مخلصة للسيطرة على الحالة الأمنية و مقاومة التخريب بعدما أكتووا بنار البلطجية المدعومين من بعض زملائهم بتحريض من رعاة الفوضى. لا يوجد تمرد فى الداخلية بل بعض الحالات المحدودة فى بعض المراكز و لكنها تحظى بدعاية و ترويج كبيرين. لكن من ناحية أخرى فالكثير من ضباط الشرطة فى إضراب سلبى منذ الثورة و زاد منذ إنتخاب الرئيس. لكن الإضراب الإيجابى العام غير موجود لأنه يعرض الضابط للمحاكمة و الفصل. الخلاصة : هذه الأمور غيض من فيض و غيرها الكثير (ثورة الجياع و تزوير الإنتخابات و أخونة الدولة و تدهور شعبية الإخوان) مما لا يتسع المجال لسردها . المشكلة هى ما تحدثه هذه هذه الفرقعات الدعائية من زلازل خاطفة فى الوعى السياسى تصيب الكثيرين بالذعر حتى مؤيدى الرئيس. و لكن سرعان ما ينقشع هذا الدخان الرمادى لتظهر الحقيقة و أن هذه الأزمات أو التوقعات هى أوهام فى عقول صناعها او موضوع تم إفتعاله بإستعمال قصاصات حقيقية فى تجميع صورة وهمية. و كان من نتيجة إسراف القوم فى إستعمال الدخان الرمادى بكثافة و إنقشاعه عن لاشئ أن فقد الكثير من الأحزاب و الشخصيات السياسية و الإعلامية المشاركة فى هذه الحرب الدعائية مصداقيتها و زاد الوعى السياسى الشعبى فى تلقى الأخبار و المواضيع الوهمية.