يتجه رئيس الوزراء الصهيوني إلى طرح مشروع جديد للتسوية، يقوم على استعداد "الكيانا الصهيوني" للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي اعترفت بها وقبلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لكن بشرط ألا يعني ذلك انسحاب "الاحتلال" من مناطق هذه الدولة أو تفكيك المستوطنات اليهودية القائمة هناك! وعلى الرغم من أن اقتراح نتنياهو الذي يحاول تسويقه في الخفاء ينضح بالاستغفال، إلا أنه يزعم أن الدولة الفلسطينية -التي ستعترف بها حكومته- ستقوم بإجراء مفاوضات مع "الكيان الصهيوني" حول قضايا الحل الدائم بأسرها، لاسيما قضايا: المستوطنات، واللاجئين، والقدس، والسيادة، والترتيبات الأمنية، وغيرها. وحسب التسريبات الصهيونية، فإن نتنياهو يرى أنه بطرحه هذه الصيغة يكون بإمكانه تحقيق إنجازين مهمين، وهما: الأول: إحياء عملية المفاوضات مع "الدولة الفلسطينية"، مما يسمح ل"الدولة المحتلة" باستعادة مكانتها الدولية التي تضررت كثيرًا بسبب مواقف حكومته المتشددة من عملية التسوية. والثاني: أن هذه الصيغة تحافظ على الجبهة الداخلية الصهيونية، حيث إن تبنيها لا يعني بحال من الأحوال التعرض للمستوطنات، سواء تلك التي تقع ضمن التجمعات الاستيطانية الكبرى، أو تلك النائية؛ بحيث يتواصل البناء في هذه المستوطنات، على قدم وساق، وبذلك يمكن لنتنياهو أن يتوجه لشركائه في اليمين ويقدم خطته على أساس أنها تحافظ على المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وغيرهما، حتى يتم الانتهاء من المفاوضات مع الدولة الفلسطينية. وتقترح الصيغة أن يكون التوجه الصهيوني قائم على تنسيق تام مع الولاياتالمتحدة، بحيث إن الولاياتالمتحدة تُقْدم على نفس الخطوة التي تقدم عليها "الدولة العبرية"، وتعترف بالدولة الفلسطينية، وتتولى الإشراف على المفاوضات بين هذه الدولة و"تل أبيب". ويرى نتنياهو أن في هذه الصيغة ما يُغري إدارة أوباما؛ إذ إن هذه الإدارة بإمكانها أن تنطلق للعالم العربي لكي تدلل على أن مسار التسوية يؤتي أكله، مما يساعد الأمريكيين على إدارة علاقاتهم مع العالم العربي، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي، ويعزز مكانة وخطاب دول "الاعتدال" لاسيما السعودية ودول الخليج والأردن. وفي ذات السياق، فإن نتنياهو يرى أن رئيس السلطة محمود عباس سيجد صعوبة في رفض اقتراحه، على اعتبار أنه يتضمن اعترافًا صهيونيًّا بالدولة الفلسطينية؛ وهذا يمكِّن "عباس" من التوجه للرأي العام الفلسطيني ليطلب دعمه له في استئناف المفاوضات مع حكومة نتنياهو. وهناك ما يدلل على أن نتنياهو مستعد للقيام بعدد من خطوات بناء الثقة التي يمكن أن تسهل على "عباس" قبول مقترحه، مثل: مواصلة الإفراج عن عوائد الضرائب التي تجبيها "تل أبيب" لصالح السلطة الفلسطينية. في الوقت ذاته، يدرك نتنياهو أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه في الضفة الغربية سيقود عاجلاً أم آجلاً لاندفاع انتفاضة فلسطينية ثالثة أكثر زَخْمًا وأشد خطورةً، في ظرف بالغ الحرج من الناحية الإستراتيجية ل"الكيان المحتل". صحيح أن كل المؤشرات تدلل على أن إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال عن الطعام بحد ذاته لم يشكل دافعًا للفلسطينيين للشروع في مواجهة تجسد بداية اندلاع الانتفاضة؛ إلا أن جميع مؤسسات التقدير الإستراتيجي في "الدولة العبرية" -التي تقدم توصياتها لنتنياهو- تحذر من أن الجمود السياسي سيقود بشكل مؤكد لمربع الانتفاضة الثالثة.