أصبح الجندي في الشرطة العسكرية الأميركية جو داربي، والذي كشف عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الأميركية في سجن أبو غريب العراقي العام 2004 يعيش قلقاً دائماً على حياته وحياة عائلته من الأميركيين الذين نقموا عليه للتسبب في سجن جنود بلاده بسبب عراقيين، فيما لم يستطع لغاية الآن تفهم الدوافع الحقيقية وراء فضح وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عن هويته في خطاب تلفزيوني. ويقول داربي إنه «صُدم عندما شاهد صور رفاق له يعرفهم منذ كان طالباً في المدرسة الثانوية يعذبون سجناء عراقيين، ما دفع به للخروج ليلا للعراء في بغداد وأخذ يدخن ويمعن التفكير فيما ينبغي أن يفعل». وكان داربي يعمل عريفاً في الشرطة العسكرية في الجيش عندما شاهد الصور التي ظهرت للعالم العام 2004، وأدى قراره بالكشف عن الصور بدلاً من التكتم عليها إلى تغيير مجرى حياته. ولم تسمح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لداربي بالحديث عما شاهد إلا متأخراً جداً، واستغل لقاءه مع الإذاعة الرابعة في «بي.بي.سي» ليشرح لمقدم برنامج «الاختيار» مايكل بيورك، كيف اتخذ قراره هذا؟، وكيف أنه أصبح يخشى على سلامة عائلته؟. وكانت سبعة شهور مضت منذ بدأ داربي مدة خدمته بالعراق، عندما أعاره رفيقه تشارلز جرانر صور الانتهاكات على قرص مدمج ليشاهدها. واحتوى القرص على لقطات عامة أخذت في مدينتي الحلة وبغداد، وكذلك على صور انتهاكات أبوغريب. وللوهلة الأولى لم يصدق داربي ما رآه. ويقول «ضحكت عندما شاهدت الصورة الأولى فقد كانت لأناس عراة كوموا على شكل هرم، لم أعلم أنهم سجناء عراقيون». ويتابع «ولأنني شاهدت بعض الجنود يقومون بتصرفات حمقاء فقد أدركت ما كان يحدث عندما استكملت مطالعة الصور». وكانت هناك صور لجرانر يضرب ثلاثة سجناء، وكانت هناك أخرى لرجل عراقي وعلى رأسه كيس ولآخر يضع رأسه بين ساقي الأول. وهناك صور لليندي إنجلاند، وهي جندية أميركية أخرى ممن أدينوا لاحقا في القضية، وهي تجر سجناء ربطوا من اعناقهم برباط. وكانت في صور أخرى تشير بإبهامها وهي تقف وراء كومة العراقيين العراة بجانب جرانر، وأخرى بجانب جثمان عراقي ميت. وعلم داربي أن هذه الأفعال جانبت الصواب، لكنه تمهل لثلاثة أسابيع قبل أن يتخذ قراراً بالكشف عن الصور، وتلقى عندئذ وعوداً بالتكتم على شخصيته ومنى نفسه بأنه لن يسمع عن هذ الموضوع مرة أخرى، لكنه ظل يخشي من ردة فعل زملائه المعنيين بالأمر. يقول داربي إنه «لم يكن خائفا من ردة فعل زملائه فقط ولكن من رد فعل الآخرين أيضا»، ويضيف «في المساء كنت أنام على بعد أقل من 100 متر منهم ولم يكن هناك باب يفصل الغرفة التي أنام فيها عنهم. كنت أعلق معطفاً واقياً من المطر مكان الباب وكان بمقدور أحدهم أن يمد يده عبر فتحة الباب حيث كنت أنام، ويذبحني دون أن يصدر أية ضوضاء ودون ان يشعر احد بما يجري، لقد كنت خائفا ان يحدث هذا». ولم يشر بالاسم عن الجهة التي كان يخشاها. وعندما تم نقل الجنود المعنيين من الوحدة ظن داربي أنه تخلص من هذه المشكلة. بعد ذلك كان يجلس في مطعم الوحدة وكان مكتظا بالجنود ثم ظهر رامسفيلد على التلفاز ليوجه الشكر لجو داربي، ذاكرا إياه بالإسم، لكشفه الصور. ويقول «لا أظن أن هذا حدث مصادفة لأن مثل هذه الخطب عادة ما تكون مكتوبة». وأضاف «لكنني تسلمت لاحقا رسالة من وزير الدفاع ذكر فيها أنه لم يقصد سوء النية وإنه فعل ذلك ليوجه المديح لي، ولم تكن لديه فكرة عن أنني أخفي هويتي». لم يتخذ أي من الرفاق الذين شاهدوا خطاب وزير الدفاع موقفا من داربي كونه قام بفضح وكلائه ولكن أغلبهم صافحوه. لم تبدأ معاناة داربي إلا عندما عاد للولايات المتحدة. وتابع «أجد صعوبة في تصديق أن وزير دفاع الولاياتالمتحدة (رامسفيلد) لم يكن لديه فكرة عن أن هوية الشاهد الرئيسي في هذه القضية كانت غير معلنة» ولم تعلم زوجة داربي أنه هو من سلم الصور لقيادة الجيش الأميركي ولكنها اضطرت للجوء لمنزل أختها عندما تم الكشف عن اسمه. ووصف كثيرون من بلدة داربي إياه بالخائن كما تعرض منزل أخت زوجته لنوع من التخريب باستخدام الطلاء. يقول داربي إنه «علم أن البعض لم يكن ليوافق على ما فعل، يوجد من لا ينظر للأمر على أنه صواب أو خطأ بل على انني تسببت في سجن جنود أميركيين من أجل عراقيين». وتسببت التصرفات العدائية التي ظهرت ضد داربي في بلدته في عدم عودته إليها. فبعد ان كشف رامسفيلد عن شخصيته تم نقله بسرعة من العراق وعاش تحت حراسة مسلحة لمدة ستة شهور. وقدم داربي شهادته في محاكمة عدد من زملائه على ذمة هذه القضية غير ان أكثر من يثير خوفه هو رفيقه تشارلز جرانر. ويقول إن «رؤية جرانر في المحكمة كانت أصعب أمر خلال المحاكمة». وأضاف «وجه إلى نظرات تملؤها الكراهية طوال الجلسة ولم يرفع عينيه عني قط، واعتقد انه سيحمل غضبه هذا حتى يوم خروجه من السجن». واضطر داربي في نهاية المطاف للانتقال مع عائلته لبلدة أخرى وحصلوا جميعا على وظائف جديدة غير انهم لم يغيروا هوياتهم. ولا يعتبر داربي نفسه بطلا أو خائنا ولكن كما يقول «أنا جندي أدى واجبه لا أكثر ولا أقل.. ولم أندم ولو لثانية واحدة على ما فعلت».