ان بلوغ القمة يجعل من يصل اليها دائم التأمل في الهبوط، كما ان الصعود لها يتطلب ملايين الحيل والخطط حتي يتم ذلك. وفوق كل ذلك فان كل من الصعود والهبوط قد يكلفان الكثير والكثير جداً في دورة حياتهما. مثلما ان البقاء فيها يعني دوام الحال الذي يصبح في التوقعات من المستحيلات او ضرب الخيال. ومع كل ذلك يبقي من يتبوأ هذا المقام الرفيع لا يتخلي عنه بطيب خاطر بأي حال من الاحوال، و لو كان المنهج الذي وصل به معوجاً، الولاياتالمتحدة اقصد. اما ما يهبط منها بالتأكيد يكون قد ذاق مرارة السقوط الي مزبلة التاريخ، حيث يقال في ذكر مآثره كان كذا، ولكن هذا الند الذي لقي حتفه يكون في شوق شديد الي ان يلقي صنوه المتربع علي العليا، من نفس الكأس الذي شرب منه هو الاتحاد السوفييتي سابقاً والذي صار حصرياً في دولة روسيا. ويضاف الي ذلك الاب الروحي لكل من الوالدين الثابت فيها والساقط منها، ليس له من الامر الا الحيلة او المكر عندما يعمد ابنه العاق بعد ما اشتد ساعده ان يحجر عليه، ويقيد يديه في حق التصرف في عزه القديم او يضعه في الاقامة الجبرية في دار العجزة، اوروبا الغربية والشرقية اعني. اما ذلك المارد الذي يصبو الي ان يرث ذلك المقام الكريم لا يضيره الاستفزاز المحرج ما دام انه لا يصاب بأذي في جسده مباشرة، وانه يأخذ ولا يعطي ابدا ما دام هو علي طريق الاوائل الذين بلغوا المرام سائراً وبنفس النهج الذي اتخذوا يتمسك، الصين مثلاً. ولكن تسلم القيادة بعد ما تفسد الارض. وتأسن الحياة، وتتعفن القيادات وتذوق البشرية منها الويلات (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ). يكون هذا للاسلام الذي انشأ للبشرية تصوراً جديداً عن الوجود والحياة والقيم والنظم، القائم علي الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والايجابية. والتوازن والتناسق. بحيث لا يخطر علي بال بشر. ان هناك عصابة من المضللين الخادعين اعداء الانسانية، الذين يضعون بها المنهج الالهي في كفة، و الابداع الانساني في عالم المادة في كفة اخري حتي تكفر بانعم الله الذي منهجه لا يتعارض مع الابداع الانساني علي الاطلاق. ولقد تأخذنا في بعض الاحيان مظاهر خادعة لافتراق السنن الكونية، حيث تري ان اتباع القوانين الطبيعية يؤدي الي النجاح مع مخالفة القيم الايمانية. هذا الافتراق قد لا تظهر نتائجه في اول الطريق، و لكنها تظهر حتماً في نهايته وهذا ما وقع للمجتمع الاسلامي نفسه. لقد بدأ خط صعوده من نقطة التقاء القوانين الطبيعية في حياته مع القيم الايمانية، و ذلك في الحضارة الاسلامية التي صارت منارة الحضارات القديمة في كل العلوم الطبيعية، مثل الطب وعلم الفلك والتاريخ وغيرها من العلوم الانسانية. كما بدأ خط هبوطه من نقطة افتراقهما، و ظل يهبط ويهبط كلما انفرجت زاوية الافتراق حتي وصل الي الحضيض عندما اهمل السنن الطبيعية والقيم الايمانية معاً. وهو ما نحن عليه الآن. اذا كانت الحضارة في الطرف الآخر المادية تقف اليوم كالطائر الذي يرف بجناح واحد جبار (اي العلم المادي فقط) بينما جناحه الآخر مهيض (علاقته بعالم الغيب) يكون التنبؤ بالتأكيد علي سبيل المثال للآثار الايمانية في هذا الوجود والتي تكون مرتبطة بمشيئة الله الشاملة للوجود. وكلها تعمل متناسقة وتعطي ثمارها كاملة حين تتجمع وتتناسق، بينما تفسد اثارها وتضطرب وتفسد الحياة معها، وتنشر الشقاوة بين الناس والتعاسة حين تفترق وتتصادم. وهذا ما نشاهده في عالم اليوم من دمار ولا مخرج من ذلك الا قوله تعالي (ذلك بان الله لم يك مغيراً نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). فالارتباط قائم ووثيق بين عمل الانسان وشعوره وبين مجريات الاحداث في نطاق السنة الالهية الشاملة للجميع. وهذا المبدأ الاسلامي الذي سوف ينتصر به مهما اصاب المسلمين الوهن لا بد من يوم ان يصحو الضمير ويجتمع الفريقان سنن الطبيعة والقيم الايمانية، وحينها لا ولات مناص من ظهور الاسلام من جديد كقوة لا يشق لها غبار وان غداً الي ناظره لقريب.