1- آن الأوان فى هذه اللحظة الخطرة أن يتفق الجميع على أننا نمر بلحظة خطرة، وأن هناك أجزاء من الوطن قد جمعوا فيها حطب الحريق الذى بدأ دخانه ينتشر بالفعل. أما المخلصون من بيننا فينقسمون إلى واعين فاعلين وواعين غير فاعلين؛ فأما الواعون الفاعلون فأولهم الفئة القائدة المبادرة من شباب الثورة الطاهرين، الذين حين يتظاهرون يعرفون أدبيات التظاهر، وحين يعتصمون يتبعون طرق الاعتصام الصحيح. وأما الواعون غير الفاعلين فهم الغالبية العظمى من المواطنين الطيبين المكتفين بمراقبة الأحداث دون أن يكفّوا عن الدعاء؛ كى يخرج الوطن من أزمته، وأن يتوقف نزيف الدماء، وأن يتحقق لحياتنا ما نحن جديرون به من استقرار. وهم يمثلون غالبية أبناء الشعب، كانوا جميعا فرحين بالثورة، مستبشرين بعهد جديد.ومن الإنصاف القول إنهم حتى الآن لا يكرهون الثورة، بل يخشون عواقبها الجسيمة بعد أن رأوا بأعينهم ما آلت إليه الأوضاع ماديا ومعنويا؛ حينما انقطعت أرزاق كثير منهم لافتقاد الأمن وتوقف الإنتاج! وأما غير المخلصين للثورة، ففيهم من يكتفى بالتشكيك فى عواقبها، ومن يتجرأ بإظهار حسرته على غياب ما نعموا به من استقرار مزعوم ومكاسب حرموا منها الآن.. ثم منهم الأخطر، وهم المدانون بالفعل مهما بذلوا من جهد كى يغسلوا صورهم ويعيدوا إنتاج أنفسهم من الذين يمارسون التآمر الدائم المستميت عليها وعلى القليل الذى تحقق للشعب منها، ولو وصل الأمر بهم إلى التحريض على الفتنة وعلى القتل وعلى تقسيم الوطن واستعداء الأجانب الذين يخشون قيام دولة محورية مصرية تتمتع بوضع اقتصادى واجتماعى يؤهلها لأن تحقق نهضة مماثلة لما حققته تركيا، وأن تتمتع بقوة واستقلالية تضاف إلى قوة واستقلالية إيران؛ الأمر الذى يكمل بها ثالوث الخطر الذى يخشى الغرب اكتماله. 2- قيل «إن الدولة المدنية المصرية سوف تصبح حلما عابرا وانقضى، كما أن الحريات سوف تُقمع، والنساء السافرات سوف يضربهن، بسياط الجلد، جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المصرية التى سوف يطلقها الإخوان والسلفيون باتحادهم الوشيك تحت قبة مجلس الشعب، وسوف يتعين على شاربى الخمور أن يسافروا إلى الخارج أو أن يتسمموا بأردأ أنواعها فى غرف مظلمة؛ حتى لا تصل إليهم عيون المخبرين الجدد من أصحاب اللحى الطويلة والذقون والجلابيب دون الركبة، كما ستنطلق الإذاعات والتلفزيونات بالأذان وحده، وبالقرآن دون غيره، وسوف يدفع المسيحيون الجزية «عن يد وهم صاغرون»، كما سوف تُحرّم الألوان ما عدا الأسود، وسوف يصبح أبطال مسلسلاتنا وأفلامنا ممسكين السيوف، ويتزعمهم أبو جهل وأبو لهب والكفار المتهللون، كما ستتجهّم باقى الشخصيات المسلمة وتصرخ منذرة بالثبور وعظائم الأمور، كما سيجرى تحريم (الهامبورجر والماكدونالد والكنتاكى والبيبسى والكوكاكولا)، واستبدال القرص وفطائر الرحمة والعرقسوس بها، كما أننا سوف نعيّد فى المقابر، ونقيم أفراحنا فى الجبانات، ونعيد تخطيط وبناء السيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة والإمام الشافعى لتكون الأحياء الفخمة المميزة فى العاصمة الإسلامية الجديدة، وننقل وسط البلد إلى الفسطاط؛ كى يتوسطه جامع عمرو، مثلما ستُحدّد الأسماء التى نطلقها على مواليدنا إجباريا. ومن يخالف الإجماع السلفى الإخوانى فإنه يخالف الشرع، ومن ينتقد أحكامه فقد عادى الله ورسوله... إلخ». ونقول إن ذلك هو اللغو بعينه، وإنه ضرب من المستحيل أن يحدث ذلك فى مصر. وليس هذا تفاؤلا ساذجا ولا دفاعا عن الإخوان ولا انتصارا لمن يسمون خطأ بالسلفيين مع الاعتراف بوجود فوارق فكرية بينهما لكنه لأن غالبية أبناء الشعب المصرى ضد التعصب وعلى استعداد دائم لمواجهة التطرف والتزمت والتنطع فى الدين والجمود والتصلب فى الفكر، أيا كان دعاته أو أصحابه، كما أن الغالبية العظمى من مثقفينا وفنانينا ومفكرينا تقف فى صف الإبداع الرفيع، وفى جانب الخلق الفنى الأنفع والأرفع، كما رفع شعارهما توفيق الحكيم فى مسرحه (المنطفئ والمهدم الآن)!. فلننتبه الآن إذن إلى من يجروننا بعيدا إلى ساحة غير ساحة الواقع، ويغرقوننا فى مناقشات وثرثرات، تجاهلا لحقيقة بسيطة؛ هى أننا نريد استقرارا، وأن ذلك الاستقرار لن يتحقق إلا حين تنتهى حالة الهياج، ويثبط فعل التهييج؛ حتى نصل إلى تحقيق الاستقرار فى وجود مجلس شعب جديد مع رئيس الجمهورية المنتخب. ومع الضمانات التى لا بد أن توجد فى الدستور الجديد بعد تعديل ما يتطلب التعديل من مواده ما يكفى للحل والعزل وسحب الثقة لو تجاسر أحدهما على الانحراف، وأنه لا خوف إلا من البلطجة، وسوف تقدر الشرطة عليها حتى ولو سقط شهداء طاهرون، ولا خوف من التظاهرات إذا بقيت ملتزمة، ولا من الاعتصامات ما لم يختلط بالشباب المخلص، خونة أو محترفون للإجرام مدفوعون لارتكابه بأجر وبغير أجر، وأنهم وحدهم بوعيهم ومسالمتهم قادرون على حماية فعالياتهم المشروعة ما لم يبدءوا بعدوان، وأنه لا بد من الاعتراف بأن تجاوزات من بعض عناصر الجيش أو الشرطة قد حدثت، وأنه لا عيب ولا عار فى التحقيق فيها، بل هو من العدل ومن الديمقراطية ومن الالتزام بالقانون. لنقرّ ونعترف جميعا فى شجاعة أنه حدث بالفعل تراخ وتباطؤ فى تنفيذ قرارات وتحقيق وعود، لكنه مع كل ذلك ينبغى الاعتراف بأن الثورة تجربة جديدة علينا جميعا.. على الجيش والشعب والمثقفين والقضاء والشرطة، بل وعلى قوى التآمر ومشعلى الحرائق والأعداء وحتى الأصدقاء. ونستفتح بأن نهدأ جميعا ونلتزم بمراجعة النفس، وأن نصبر قليلا كما صبرنا، وننتظر كما ظللنا عهودا منتظرين. وفى المقابل، يجب دفع عجلة التحقيقات كلها؛ كى ننتهى منها، فتهدأ النفوس وتستقر الأمور ونعيد فرز صفوفنا، فنُخرج منها من ثبتت خيانته ومن ثبت فساده ومن ثبت تورطه فى قتل أو قمع أو تعذيب أو سرقة أو بلطجة أو ابتزاز، ونبادر إلى تخفيض سقف الأجور؛ كى تحقق فائضا يُقسّم على الجميع، وأن يعلن القضاء أسماء المتورطين فى حوادث القتل والمدفوع لهم من الغرب أو من الشرق بالملايين.. وقبل ذلك كله، أن تكف أفواه فى تلفزيونات تدعو إلى الهياج وتحرض على الجنون مباشرة وبأسلوب أكثر دهاء؛ فليس للشعب المصرى من مطلب سوى العدالة؛ فإذا تحققت فليس هناك شعب يسهل حكمه مثله؛ فالخط الفاصل بين الانحدار إلى الهاوية والصعود إلى القمة واضح، والطريق إلى أى منهما ممهد وجاهز. اليوم، يقسمون القاهرة ويصنفون المصريين بين التحريريين والعباسيين. وغدا، إن لم ننتبه، سيقسمون مصر بين المسيحيين والمسلمين، ثم بين السنة الشيعة، وبين الشافعية والحنابلة، وبين البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس، وبين النوبيين والصعايدة، وبينهم وبين «البحاروة»، ثم بين الجيش والشرطة، وبين القادة والجنود، ثم بين المحرومين ومن فى أيديهم ولو رغيف خبز.. وبعدها تكون مصر لا قدر الله فى خبر كان. وقد ظهرت النذر الآن وسط الهياج وبعد التحقيقات فى مجزرة بورسعيد، تعلو بها أصوات وقحة خائنة تطالب بسلخ بورسعيد عن جسد الوطن، لكنها رغم تفاهتها وسذاجتها ووهمها خطرة لو انتشرت، ومريعة لو تُركت للتفاقم وتصبح أكثر خطورة؛ لأنها الفتنة «المدروسة والمدسوسة» إذن لا قدر الله.. فانتبهوا أيها المخلصون.