أظهر تقييم أجراه المعهد الدولي الجمهوري (IRI) يسبق انعقاد الانتخابات البرلمانية المُقبلة في الأردن بأن التغييرات الأخيرة التي طرأت على الإطار الانتخابي ضيَّعت الفرصة لإحداث الإصلاح. وبحسب التقييم، فإنه لم يتم التصدِّي للتحديات الأساسية التي تعترض سبيل الإصلاح السياسي في قانون الانتخابات الجديد الذي تم اعتماده في حزيران 2012، مما أدى إلى شعور العديد من الجهات المعنية بخيبة الأمل. ومن أبرز هذه التحديات استمرار العمل بنظام الصوت الواحد غير المُتحوِّل في الأردن يضمن استمرار انتخاب غالبية النواب على أُسس عشائرية بحيث يحظى المرشحين المستقلين المدعومين عشائرياً بفرصة أكبر من المرشحين الحزبيين أو المدعومين من الأحزاب السياسية. كما انتقد المعهد حصر التنافس مع الأحزاب السياسية على قائمة وطنية بواقع 27 مقعداً، الامر الذي لا يُشجِّع مشاركة الأحزاب السياسية إلى الدرجة التي قد يحققها نظام مُقتصر على الأحزاب. كما اشار الى ان قضية العدد غير المتساوي للأصوات لكل نائب لم تعالج بعد، حيث تراوح هذا العدد في عام 2010 من مقعد واحد لكل 7.500 ناخِب إلى مقعد واحد لكل 46.000 ناخِب، الأمر الذي يؤدي إلى عدم توزيع المقاعد المُخصَّصة بشكل عادل. وبحسب المعهد فثمَّة تغييران لهما تأثير إيجابي؛ الأول هو تغيير طرأ على الدستور عام 2011 ونصّ على إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب وذلك للمرة الأولى في تاريخ الأردن. والتغيير الثاني هو أن قانون الانتخابات الجديد يُخصِّص 27 مقعداً على أساس قائمة نسبية جديدة يتم انتخابها على مستوى الوطن وليس على أساس الدائرة الانتخابية، مما يُحسِّن من إمكانية تطوير كُتل برلمانية تلقى قبولاً على المستوى الوطني. ويشير التقييم الى مخاوف لدى المواطنين الأردنيين بشأن الانتخابات المقبلة. إذ أظهر استطلاع للرأي العام أجراه المعهد الجمهوري الدولي في تموز 2012 أن آراء المواطنين تباينت حول ما إذا كان قانون الانتخابات الجديد أفضل من القانون السابق، وحول فرص أن تضمن الهيئة المستقلة للانتخاب إجراء عملية انتخابات نزيهة وشفافة. وبحسب المعهد فإن نجاح الهيئة في تنفيذ أول عملية انتخابات لها سوف يعتمد بشكل كبير على مدى عزم الحكومة الأردنية في منع التدخل في عمل الهيئة وفي العملية الانتخابية بشكل عام. ووجد فريق التقييم التابع للمعهد الجمهوري الدولي، والذي تواجد في الأردن في الفترة ما بين 17-21 تشرين الأول 2012، قضايا التسجيل الجماعي. وتحديداً، استمع أعضاء الفريق عدَّة شكاوى حول التسجيل الجماعيّ، والذي يتجلَّى بعدَّة طرق. فعلى سبيل المثال، استمع الفريق لحالات عديدة لبعض أفراد الأُسر الذين يُسجِّلون أعضاء أسرتهم، وهي عملية رغم قانونيتها بموجب القانون الأردني، إلا أنه يمكن أن تتحوَّل بسهولة إلى احتيال أو تسجيل الأفراد بما يخالف إرادتهم. كما تناهى إلى مسامِع أعضاء الفريق مزاعِم بأن المرشَّحين، من خلال وكلاء، يُسجِّلون ناخبين مُؤهلين في مجتمعهم، ويحتجزون بطاقاتهم الانتخابية كأداة ضغط، وذلك إما من خلال دفع مبلغ من المال للناخبين مقابل التصويت بطريقة مُعيَّنة أو إتلاف بطاقات التسجيل في حال وافق الناخب على دعم مُرشَّح مُعيَّن أو مُرشَّحين معيَّنين. ويرى فريق التقييم بأنه ما يزال هناك قلق بشأن كيفية ارتباط الهيئة بالسلطات الحكومية الأخرى، مثل الشرطة أو القضاء أو السلطات البلدية، وعدم قدرة الهيئة على ممارسة ضغط لاتخاذ إجراء فعلي من أجل حلِّ المشاكل. وقد تم إبلاغ الفريق بأن هناك عزوف من جانب هذه الهيئات الحكومية الأخرى عن التعاون مع الهيئة وذلك بسبب الحد من نطاق نفوذ هذه الجهات الحكومية. واشار التقرير الى انه ونظرا للوقت القصير نسبياً والمتاح لأن تقوم الهيئة بالتحضير للانتخابات، طُلِب من اللجنة أن تحتفظ ببعض أفراد كادر وزارة الداخلية الأردنية، والتي كانت تدير الانتخابات في السابق، للمساعدة في الإدارة الفنية للعملية. وعلى الرغم من أن الهيئة تستحق الثناء على إنجاز عملية التحضير للانتخابات في فترة وجيزة، إلا أن استقلالية اللجنة قد تكون موضعاً للشكّ إذا أصبحت تعتمد بشكل كبير جداً على كادر وزارة الداخلية. وأخيرا، فيما يتعلق بالهيئة، فإن عدم تقديم التدريب للموظفين هو مجال يثير القلق، إذ قامت إحدى مجموعات المجتمع المدني التي تشارك في المراقبة المحلية بإجراء دراسة استقصائية أظهرت أن هناك ما نسبته 53 في المائة من أفراد كادر دائرة الأحوال المدنية والجوازات المشاركين خلال عملية تسجيل الناخبين لم يتلقوا أي تدريب قبل فترة التسجيل. وعلى الرغم من ذلك، ينبغي الثناء على الهيئة لهدفها الطموح المتمثل بتدريب 24.000 فرد يعملون في مراكز الاقتراع قبل بدء الانتخابات. أما بشأن قانون الانتخابات،فاكد المعهد بان هناك معارضة صريحة تعتبر التغييرات الأخيرة في الإطار الانتخابي لم ترقَ إلى مستوى الإصلاحات المطلوب إحداثها في الأردن،اذ دعا عدد من الجماعات السياسية، بمن فيها أبرز هذه الجماعات حزب جبهة العمل الإسلامي الحزب السياسي لحركة الإخوان المسلمين، إلى مقاطعة الانتخابات المزمع عقدها في 23 يناير/كانون الثاني المُقبِل، مُتهمين القانون الانتخابي الجديد بأنه يكرّس الوضع الراهن من خلال ضمان الاستمرار في انتخاب معظم النواب على أسس عشائرية. وجاءت هذه الدعوة لمقاطعة الانتخابات تحديداً بسبب استمرار سريان نظام الصوت الواحد. ولاحظت بعثة التقييم التابعة للمعهد الجمهوري الدولي الفرصة الضائعة لإعادة النظر في نظام يشترط عدداً متساوياً من الناخبين لكل مقعد في الدوائر الانتخابية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى برلمان أكثر تمثيلاً. وأما الفرصة الضائعة الأخرى في قانون الانتخابات فقد كانت –بحسب المعهد -تعزيز الأحزاب السياسية، وتُشكِّل هذه القضية حجر الزاوية في رؤية الملك عبد الله الثاني لأردن أكثر ديمقراطية. فعلى الرغم من زيادة عدد مقاعد القائمة من 17 مقعد إلى 27 مقعد، إلا أن الحق القانوني للحركات السياسية والمرشحين المستقلين للتنافس مع قوائم الأحزاب لا يُشجِّع مشاركة الأحزاب السياسية إلى الدرجة التي قد يحققها نظام مُقتصر على الأحزاب. ويقول التقييم :"إذا أراد الأردن تشجيع انتخاب برلمان أكثر تمثيلاً، فإنه يجب أن يكون عدد المقاعد التي يتم انتخابها من القوائم الوطنية النسبية يُشكِّل نسبة من المقاعد أعلى من النسبة الحالية البالغة 18 في المائة". وتم إبلاغ فريق التقييم بأن قانون المطبوعات والنشر الجديد كان محاولة من قبل الحكومة لتكميم الأفواه، رغم أنه لا يزال من المنتظر رؤية تأثير هذا القانون الجديد على تغطية العملية الانتخابية أو الحملات الانتخابية. وضمن هذا السياق، يجب أن توفّر وسائل الاعلام الرسمية في الأردن وقتاً متساوياً لجميع المرشحين على الهواء، ولكن لا توجد لوائح تنصُّ على وقت بثِّ تصريحات المرشحين على الهواء، الأمر الذي يترك العملية مفتوحة للمحسوبية (الواسطة) ويمكن أن يتم تفضيل بعض المرشحين بشكل غير عادل بمنحهم تغطية في ساعات ذروة المشاهدة. وقد يكون لإساءة استخدام وسائل الإعلام بهذا الشكل عواقب سلبية مباشرة. فعلى سبيل المثال، أخبرت أحد مجموعات المجتمع المدني الفريق بأن وسائل الاعلام الرسمية تقوم بتوظيف حملة سلبية تستهدف أولئك الذين يقاطعون الانتخابات، وأن وسائل الإعلام الخاصة تذيع الآن إعلانات لمرشحين، وهو أمر يُشكِّل انتهاكاً لقانون الانتخابات الذي ينصُّ على أن الحملات الانتخابية لا يمكن أن تبدأ إلا قبل شهر من الانتخابات. وبحسب المعهد فقد فشل قانون الانتخابات لعام 2012، مثل القوانين التي سبقته، في التصدي بشكل كافٍ لمسألة التمويل الحكومي للحملات الانتخابية. وقال عدد من المعنيين أن عدم وجود حدّ أعلى للإنفاق على الحملات الانتخابية يمكن أن يخلق مشاكل أثناء فترة الحملة الانتخابية الرسمية. وفي ملاحظة أخيرة، لاحظ الفريق اختلافاً ملحوظاً في الرأي بين الناخبين في المناطق الريفية والناخبين والمُحلِّلين والجهات المعنية السياسية في العاصمة. وخلال اجتماع عُقِد في مكتب خدمة الجمهور في محافظة عجلون، وهي مدينة تبعد تقريباً مسافة ساعتين بالسيارة إلى الشمال من عمان، استمع الفريق لتجربة أكثر إيجابية من المواطنين الذين يعتزمون المشاركة في الانتخابات والذين شهدوا بأنهم وأفراد أسرهم قد سجلوا جميعاً للإدلاء بأصواتهم بمحض اختيارهم. وعلى الرغم من ذلك، أعرب بعضهم عن قلقهم من أن هناك مساءلة أقل باستخدام نظام القائمة الوطنية مقارنة بالصلات الأقوى التي تنشأ بين النواب والناخبين في الدوائر الانتخابية. وتمكّن الفريق من مقابلة عدد من الشباب ورحّب أعضاء الفريق بأولئك الشباب الذين يخططون للإدلاء بأصواتهم والمتلهّفين لمعرفة المزيد حول الأحزاب السياسية. وبينما يُشكِّل الشباب شريحة مُتزايِدة من سكان الأردن، فإن نجاح الأحزاب والمرشحين ومؤسسات الدولة المعنية بالانتخابات في حشد مشاركة الشباب يكسب أهمية متزايدة في نجاح الإصلاحات في الأردن. وأجرى المعهد الجمهوري الدولي عملية التقييم بناءً على دعوة من الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن من الفترة الممتدة ما بين 17-21 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 لقياس مدى التقدم الذي تم إحرازه في الأردن في مجال الإصلاحات الانتخابية والسياسية، وتوفير خط أساس يمكن من خلاله قياس شفافية ومصداقية العملية الانتخابية في البلاد. وقد أجرى أعضاء الفريق خلال البعثة مقابلات مع مجموعة متنوعة من الجهات والأطراف المعنية، وقاموا بمراجعة كل من الجوانب الفنية والسياسية للانتخابات البرلمانية المُقبلة. يشار الى ان أعضاء فريق البعثة هم دانيا جرينفيلد، نائب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، وريم عبيدات، خبيرة مستقلة في وسائل الإعلام والانتخابات، وغريتشين بيركلي، نائب مدير شعبة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الجمهوري الدولي. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة