بمراجعة أمينة ودقيقة لما دار في قمة الاثنين في شرم الشيخ ، يتبين ان النتيجة الفعلية للاجتماع الرباعي تتلخص في كلمتين اثنتين : مكانك راوح ، فرغم مطالبة الرئيس المصري لاولمرت بتحديد أفق سياسي واضح لاطلاق عملية السلام ، ورغم تأكيد العاهل الاردني لدعوته باطلاق مفاوضات سياسية مستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ، ورغم مطالبة الرئيس الفلسطيني لاولمرت بالدعوة إلى مفاوضات ضمن اطار زمني لإقامة الدولة الفلسطينية ، لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي تجنب الاشارة إلى أية مفاوضات سياسية جدية وحقيقية متعلقة بقضايا الوضع النهائي ، ومكتفيا باطلاق الوعود (على عادة كل الزعماء الاسرائيليين) من خلال الجمل العامة : سوف نعمل سوف نقوم ، ونعتزم .. إلى آخر كل ألفاظ الوعود التي يتناساها أولمرت فور خروجه من القمة ! . القضايا التي سوف لن ينساها أولمرت ، هي تلك المتعلقة بتعميق التناقضات الفلسطينية : امكانية تحويل أموال الضرائب المستحقة إلى الفلسطينيين وبانتظام هذه المرة ، وربما سيلجأ إلى رفع بعض الحواجز (وعددها خمسمائة) من طرق الضفة الغربية وشوارعها ، وسيلجأ إلى الضغط على حكومته في اجتماعها يوم الاحد القادم (1/7/2007) للموافقة على وعده باطلاق سراح مائتين وخمسين سجينا من حركة فتح ، بهدف مكشوف تماما وهو : دعوة الفلسطينيين إلى المقارنة بين نموذج الضفة الغربيةوغزة ، دون امتلاك أي استعداد لإعطاء الشعب الفلسطيني (أو حتى مجرد الاعتراف) بعضا من حقوقه الوطنية أولمرت وبعد لقائه الرئيس بوش في زيارته الاخيرة إلى واشنطن ، والاتفاق المشترك لكيفية التعامل مع الوضع الجديد في الساحة الفلسطينية ، سوف يحرص أيضا على لقاء الرئيس الفلسطيني بانتظام في محاولة واضحة للتأكيد على اعطاء اسرائيل للمزيد من الدعم لأبي مازن من جهة ! ولاظهار اسرائيل كدولة تحرص على السلام مع من تسميهم بالمعتدلين في الساحة الفلسطينية ، ولكن دون التراجع عن لاءاتها المعروفة بالنسبة للحقوق الوطنية الفلسطينية قلنا وأكدنا في مقاولات سابقة: ان حالة الانقسام الفلسطينية وإذا ما بقيت على حالها ، فانها تنذر بالمزيد من التراجع للمشروع الوطني الفلسطيني ، فبدلا من ان ينصب الاهتمام والتأكيد على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدسالشرقية ، وبدلا من التأكيد الاقليمي والدولي على ضرورة انسحاب اسرائيل من كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 ، وسحب كافة المستوطنات الاسرائيلية من الضفة الغربية ... فان كافة الجهود منصبة باتجاه استئناف المساعدات المالية والعينية للفلسطينيين وافراج اسرائيل عما تحتجزه من أموال الضرائب الفلسطينية ، وعقد اجتماعات فلسطينية اسرائيلية بزخم اعلامي كبير ، بحيث يبدو الصراع وكأنه في طريق الانتهاء من قضاياه العالقة ! وكأن هذه القضايا الفرعية هي المطالب بحد ذاتها بعيدا عن الحقوق الاساسية لشعب أقرتها الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات عديدة للجمعية العامة للامم المتحدة . قد تفرج اسرائيل عن (250) سجينا من فتح ، ولكنهم سيكونون من ذوي الاحكام الخفيفة وممن قاربت فترة سجنهم على الانتهاء ، مع ملاحظة انه وبرغم كل وعودها السابقة ابان الحكومة الفلسطينية المقالة ورغم كل ما تردد عن مسودات اتفاق تبادل اسرى بين الجانبين لكنها لم تفرج عن أيّ من المعتقلين، مما يجعل سؤال: لماذا الآن، ومن فتح تحديدا؟ يبدو طبيعيا! الاخطر، ما يتردد حاليا من شعار سياسي يجري تداوله في أوساط سياسية كثيرة، وهو: الضفة الغربية اولا! بما يعنيه ذلك من إبراز لنموذج الدولة العتيدة (بالمواصفات والمقاييس الاسرائيلية لها) في الضفة الغربية وابقاء الوضع الحالي في غزة على ما هو عليه، وبذلك يتم تكريس الانقسام الجغرافي والآخر السياسي الفلسطيني في أنموذجين، احدهما مزدهر، والآخر متخلف ويجري ايصال حق المواد الحيوية الاساسية لساكنيه بتقتير شديد مع امكانية توجيه ضربات عسكرية شديدة ومتوالية اليه، في ظل محاولة خنقه بإغلاق معابره في معظم ايام السنة. هذا لا يعني بأيّ حال من الاحوال أن اهلنا في الضفة الغربية سيعيشون النعيم، فإذا ما اقتضت حاجة الأمن الاسرائيلي لإعادة اجتياح كل المدن والقرى الفلسطينية مرة، ومرة، ومرة، فستقوم اسرائيل بذلك، لكننا نتحدث عن المقارنة بين وضعين من الزاوية النسبية، ليس الاّ! لا يجوز ان يظل الانقسام الفلسطيني قائما، ندرك صعوبة تجاوز كل الذي حصل، لكن من خلال الحوار ووضع الضوابط للمرحلة القادمة، ومحاسبة كل الذين تسببوا في الاقتتال ومحاكمتهم، وكذلك من اقترفوا الجرائم معتقدين بأنهم اولياء الله على الارض، حيث مارسوا القتل دون تقديم من قتلوهم الى المحاكمة، وبمشاركة كل الفصائل الوطنية الفلسطينية في الحوار، يمكن الوصول الى قواسم مشتركة .. فالانقسام الفلسطيني يجري استغلاله، وسيظل يجري استغلاله من قبل اعداء قضيتنا. * كاتب فلسطيني