غريب هذا التشهير الذي نراه في وسائل الإعلام بالسيد حسن نصر الله، إذ يتهم مرة بأنه سكت عن الانتصار للفلسطينيين المظلومين في نهر البارد، في حين يتهمه الآخرون بعدم الوفاء للجيش الذي ساند المقاومة في الجنوب. وكأن الجنوب وطن آخر غير لبنان مسؤوليته فقط من شأن حزب الله، وليس من مسؤولية الجيش اللبناني حامي الوطن كله.
غريب ايضاً هذا الخلط المريب في موضوع الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية، ففي حين يتهم بعضهم حسن نصر الله بأنه لم يكن وفياً بحق الجيش الذي قاتل في الجنوب، نجد غيرهم يزعمون أن الجيش لم يطلق رصاصة في الجنوب، ثم يضربون المثل بما جرى في ثكنة مرجعيون إبان العدوان “الإسرائيلي” وتقديم الشاي لجنود العدو.
وليس كل هذا الكلام إلا دلالة على جهل مطبق بوقائع الوضع اللبناني. فالجيش كان في الجنوب حامياً للمقاومة وشريكاً لها، خاصة عندما كان يقوده الرئيس الحالي إميل لحود، ومن بعده العماد ميشال سليمان، وخير مثال على ذلك معركة تل الربيع التي استشهد فيها ثلاثة من عناصر المقاومة بينهم هادي حسن نصر الله وستة من عناصر الجيش بينهم ضابطان، وغيرها من الأمثلة كثير، مما يجعل الاتهام بالتقصير محض هراء واتهام المقاومة بعدم رد الجميل محض تفاهة، لأن الجيش هو الجيش سواء في الشمال أو في الجنوب، وعلاقته التكاملية مع المقاومة معروفة وواضحة، مما جعل هذه العلاقة العسكرية تترجم أيضاً بعد التحرير وبعد حرب تموز حين حصل الشقاق بين جماعة الحكومة الذين لا يريدون سلاح المقاومة وبين جماعة المعارضة المتحالفين مع رئيس الجمهورية في دفاعهم عنه. وفي حين يتهم فريق 14 آذار الجيش بمحاباة المقاومة والمعارضة عموماً والتفاهم مع رئيس الجمهورية، عملت حكومة السنيورة على تنمية وتقوية قوى الأمن الداخلي وبخاصة شعبة المعلومات التابعة لوزارة الداخلية التي يتبوأها وزير من تيار المستقبل، بحيث أصبحت هذه القوى عصا الحكومة و14 آذار ضد المعارضة. وعليه فإن ما حصل في ثكنة مرجعيون حصل على يد قوى الأمن الداخلي التي تلقت الأمر من الوزير أحمد فتفت أحد أركان جماعة الحريري، وذلك ضد رغبة الجيش والمقاومة اللذين كانا يعتبران أنهما غنما صيداً باحتجاز الجنود “الإسرائيليين”. حقائق بسيطة أوردها هنا ويعرفها أبسط اللبنانيين لأقول للمتشدقين من أدعياء التحليل السياسي، وهم لا يعرفون أبسط المعلومات التي تسمح به: ابحثوا عن عمل آخر يناسب جهلكم، لأن وسائل الإعلام لا يجوز أن تكون وسائل تجهيل للناس واستثارة للغرائز. أما الآخرون الذين يسوقون ذلك رغم معرفتهم بالحقائق، فأعتقد أنهم يفعلونه غيظاً وقهراً لأن مؤامرة أسيادهم لم تنجح في جر الجيش الى اقتحام المخيم والقضاء عليه وعلى الفلسطينيين معاً، ولم تنجح في جر حسن نصر الله أو مسؤول حزبي غيره في الإسراع الى تصريحات نارية تحقق هدف المؤامرة الكبرى في تحويل المشكلة الى صراع سني - شيعي يلهب لبنان ويمتد لهبه الى المنطقة، وتكون أولى نتائجه إباحة الجنوب أمام “الإسرائيليين”، ثم تشكل أجواء تسمح بطلب قوات دولية متعددة الجنسيات تستغلها أمريكا تحت هذا المسمى (وذاك هو الهدف النهائي من المحكمة الدولية).
لقد كانت الأوساط السياسية والصحافية في باريس تتحدث منذ الشتاء عن شيء خطير سيحدث في يونيو/ حزيران، وعن أن الأمريكيين طلبوا من حكومة السنيورة الصمود حتى ذلك الوقت في وجه اعتصام المعارضة، وقد كتبنا ذلك في حينه. وقبل شهرين كانت كوندوليزا رايس تصرح من فلسطين بأنها فخورة بصمود الحكومة اللبنانية وتقول لها: “اصبروا قليلاً فلن يطول الوضع على ما هو عليه”. وقبلها كان جورج بوش يقول إنه تمكن من اجتذاب الأصوليين الى العراق ليقاتلهم هناك. وها هو الآن يحتاج الى تخفيف الضغط عن قواته في العراق. كما يحتاج الى إشعال الوضع ضد المقاومة في لبنان بعد أن فشلت مؤامرة اغتيال الحريري، وفشلت حرب يوليو/ تموز، وفشل كل التآمر السياسي بعدها في القضاء على المقاومة ونزع سلاحها. وبعده كان سيمور هيرش ينتقد بلاده لأنها تتبع سياسة تمويل بعض التنظيمات الأصولية لتحويلها الى قتال إيران أو حزب الله بفعل الشحن السني - الشيعي. كل ذلك في حين تنشغل الأروقة الدولية بموضوع التوطين. فهل من خدمة لكل تلك المخططات أفضل من توريط الجيش داخل أزقة المخيمات، ومن توريط المقاومة ضد جماعة تدعي أنها تدافع عن أهل السنة (وقد كان أغلب الجنود الذين ذبحوا من السنة) وعن الفلسطينيين وهم منها براء؟