بقلم: ياسر الزعاترة بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية (20/5)، فإن الولاياتالمتحدة تضغط على تل أبيب "لحث تنفيذ خطة دايتون لتعزيز قوات الأمن التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث التقى المنسق الأمريكي كيت دايتون في الأيام الأخيرة مع شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى وتحدث معهم في هذا الشأن.
بحسب الصحيفة، ثمة جدل في الأوساط الإسرائيلية حول ما إذا كان ينبغي حث خطة دايتون بمساعدة قوات عباس ودفع رواتب رجال الأمن أم لا، إذ يؤيدها وزير الدفاع أفرايم سنيه الذي قال في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" إن "الفكرة هي تغيير ميزان القوى الذي مال حتى الآن في صالح حماس"، مضيفاً إن "قوات مدربة جيداً يمكنها أن تساعد في تعديل ميزان القوى".
ليست هذه الخطة هي الإعلان الأول عن دعم فكرة الانقلاب على حكومة حماس وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات، فهناك الأموال التي أرسلتها الولاياتالمتحدة، وهناك أحاديث كوندوليزا رايس الصريحة في هذا الاتجاه، لكن ذلك ليس هو الدليل الوحيد على وجود الخطة، لأن دليلها الأساسي هو إصرار الفريق الانقلابي في فتح على رفض سيطرة وزارة الداخلية على الأجهزة الأمنية، مع رفض تحركها ضد الانفلات الأمني، لأن المطلوب هو مزيد من نثر الأشواك في طريق حماس، بل في طريق الفلسطينيين حتى يصابوا بالضجر ويطالبوا بعودة الوضع القديم بعد فشل حماس في تأمين المطلبين الأساسيين للناس (الإطعام من الجوع والأمن من الخوف)!!
لا قيمة هنا للقول إن الممسكين بالأجهزة الأمنية لا يريدون التخلي عنها خوفاً من تحكم حماس بها ومن ثم الانقلاب على الديمقراطية؛ ليس فقط لأن الحكومة حكومة وحدة وطنية وزير داخليتها مستقل، ولكن أيضاً لأن ما تطلبه حماس هو تعاون قادة الأجهزة وليس تغييرهم، أما الأهم فهو وجود الضفة بالكامل تحت سطوة مسلحي فتح، ما يجعل السيطرة على غزة بلا معنى، اللهم إلا إذا أرادت حماس الاستئثار بهذه المساحة العظيمة (واحد ونصف في المائة من مساحة فلسطين وستة في المائة من الأراضي المحتلة عام 67)!!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما الذي يمكن أن تفعله حماس في مواجهة هذا الإصرار على إفشالها ومن ثم إقصاؤها بالقوة؟ هل تخرج من الحكومة كما يطالبها البعض تاركة للطرف الذي يتحكم بالأجهزة الأمنية فرصة العودة إلى سياسة القمع، إلى جانب تكريسه لسياسة المفاوضات التي لا تفتح أفقاً على شيء سوى الدولة المؤقتة؟!
ثم هل يعتقد البعض أن خروجها من الحكومة سيعيدها إلى المقاومة في حين يتحكم بالسلطة من يعتبرون المقاومة مقامرة بمصالح الشعب الفلسطيني؛ ليس الصواريخ "العبثية" و "الحمقاء" فحسب، وإنما مجمل أنواع "العسكرة" حتى لو كانت عملية ضد ثكنة عسكرية في الأراضي المحتلة عام 67؟!
حين تغادر حماس الحكومة، فإن بديلها بكل بساطة هو ذات الحكومة التي شكلت قبل الانتخابات التشريعية، والتي بدأت رحلتها بعد ياسر عرفات بالحديث عن جمع سلاح المقاومة والشروع في رحلة مفاوضات جديدة بصرف النظر عن نتيجتها. وإذا كان بوسع حماس (غزة) أن ترفض في البداية هذا المسار السياسي، فإنها في الضفة ليست قادرة على ذلك، كما أن الدعم الخارجي لن يلبث أن يعيد ترتيب ميزان القوى بحيث لن يغدو بوسع الحركة أن ترفض مسار القادة إياهم من دون صدام وحرب أهلية أيضاً. فهل هذا هو ما يريده من يدعون حماس إلى ترك الحكومة؟!
ثمة ورطة حقيقية يعيشها الفلسطينيون في ظل تراجع الوضع العربي والضغط الأمريكي، وقبل ذلك في ظل المعادلة التي أنتجها أوسلو ممثلة في وضع الشعب الفلسطيني أسيراً لعدوه في لقمة عيشه، وهي معادلة لا يمكن التمرد عليها من دون وحدة حقيقية تضع العالم العربي أمام مسؤولياته، وتستند إلى القناعة بعبثية التفاوض على النحو الذي جرب خلال سنوات أوسلو مع عدو لا يقر بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
في ضوء هذه المعادلة المعقدة يتأكد العقلاء بأن جوهر الحل ما يزال بيد حركة فتح، فحين تعود الحركة إلى منطلقاتها ويقودها رجال ينتمون إلى خيارات شعبهم الحقيقية، ويعتبرون أن فلسطين ما تزال محتلة، حين يحدث ذلك فسيكون بالإمكان التفاهم مع الآخرين على حل ما، يتمثل في حكومة مقاومة تضع الوضع العربي الرسمي أمام مسؤولياته وتواصل النضال من أجل تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة.
من دون ذلك ستتواصل المراوحة، ولكنها لن تطول بإذن الله، إذ لن تلبث أن تنتهي مع نهاية الظروف التي نصّبت أولئك زعماء على فتح وعلى الشعب الفلسطيني، وهي إلى نهاية قريبة بعد هزيمة الأمريكان في العراق وأفغانستان وبعد تكريس صحوة الشارع العربي في مواجهة بؤس أوضاعه القائمة. إلى أن يحدث ذلك على حماس أن تتجاوز لغة الانتظار وتشعل الأرض الفلسطينية بالحراك الشعبي ضد الجدار والاستيطان وتهويد القدس، إلى جانب ما تيسر من مقاومة مسلحة تؤكد على أن خيار الشعب الفلسطيني ما يزال على حاله لم يتغير بعد اغتيال قادته الكبار من شيخ المجاهد ياسين وحتى الرنتيسي وصولاً إلى ياسر عرفات.