بقلم: ياسر الزعاترة مر ما يزيد على شهرين على توقيع اتفاق مكة، وأقل من ذلك على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لكن شيئاً لم يتغير في واقع الفلسطينيين، بل إن الحكومة العتيدة ما زالت تترنح فيما يبشر بعض رموزها من قادة فتح بإمكانية انفراط عقدها تبعاً لعجزها عن فك الحصار.
معلوم أن الحكومة العتيدة التي لم تغادر مربع الحصار إلى الآن باستثناء لقاءات مع بعض وزرائها ليست حكومة حماسية إذا ما قرأنا تشكيلتها بعناية، وقد فعلنا ذلك عند التشكيل وقلنا إن حكومة وزير خارجيتها ووزير ماليتها ووزير إعلامها من جماعة الرئيس، وممن يتبنون خطابه لا يمكن أن توصف بأنها حكومة حماس، لاسيما أن وزير الداخلية المستقل الذي نسبته الحركة لم يكن في وارد السيطرة على شيء بسبب عناد قادة الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح، وتبعاً لتعيين محمد دحلان، عنوان التأزيم في الملف الفلسطيني، مشرفاً على الملف الأمني تحت مسمى مستشار الأمن القومي.
رغم هذه التشكيلة البعيدة عن حماس، حتى لو حسبت الوزارات بالعدد، ورغم خطابها المنبت عن خطاب الحركة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لفك الحصار الدولي من حولها، بما في ذلك حصار الدول العربية التي قدمت لها دعماً ضمنياً خلال القمة العربية في الرياض، وقد رأينا كيف التزم رئيسها (الحكومة) الصمت بينما كان محمود عباس يقدم كافة الاعترافات المطلوبة أمريكياً وإسرائيلياً من أجل فك الحصار.
ملف الفلتان الأمني لم يتغير منه شيء أيضاً، الأمر الذي دفع وزير الداخلية إلى تقديم استقالته، وهو ما اعتبرته دوائر فتحاوية تمثيلية "حماسية" على أمل منح الوزير مزيداً من الصلاحيات على حساب قادة الأجهزة الأمنية، لاسيما حين عاد عن استقالته قبل أن يحصل على شيء عملي، وإن بقى يلوح بها إلى الآن.
ملف الأسير جلعاد شاليط لم يحدث عليه أي تقدم أيضاً، وما زال الإسرائيليون يريدون الإفراج عنه مقابل ثمن هزيل لا يزيد عن الإفراج عن بضع مئات من الأسرى ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء اليهود بحسب المصطلح الإسرائيلي الشهير، أي أن يكونوا مثل التسعمائة الذين أفرج عنهم قبل عامين عند إطلاق التهدئة، والذين جرى اعتقال ما يقرب من ثلاثة أضعافهم إلى الآن.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يحدث كل ذلك، ولماذا عجز اتفاق مكة، ومن بعده حكومة الوحدة عن فك الحصار ووضع الفلسطينيين على سكة حل إشكالاتهم الداخلية، وصولاً إلى التقدم في العملية السياسية حتى ولو على الطريقة التي يبشر بها السيد محمود عباس؟!
ما نحن متأكدون منه هو أن نوايا حل الإشكالات المذكورة جميعاً لا تبدو متوافرة في دوائر حركة فتح، الأمر الذي تسنده واشنطن وتل أبيب، إضافة إلى بعض الدوائر العربية ذات التأثير في الملف الفلسطيني، وهؤلاء جميعاً لم يغيروا إستراتيجيتهم التي برزت منذ اليوم الأول ممثلة في تشويه حماس وإرباكها تمهيداً لإقصائها، وهذه الإستراتيجية لا تسمح بأي مسار يمنح الحركة فرصة النجاح في فك الحصار من حول الفلسطينيين، أو تجذير وجودها في مؤسسات السلطة، لاسيما المؤسسة الأمنية التي يعرف الجميع أنها الأكثر أهمية وفق جميع المقاييس، والنتيجة هي بقاء كل شيء على حاله بانتظار تصحيح الخلل الذي وقع في انتخابات العام الماضي، أكان من خلال انقلاب عسكري، أم من خلال الانتخابات التالية إذا لم يكن هناك مناص من الانتظار، وبالطبع من خلال بعض الفهلوة والتزوير إذا لم يكن بالإمكان الانتصار بشكل طبيعي بالتحالف مع القوى القريبة من فتح في خطابها السياسي.
معلوم أن عملية الدعم المالي والعسكري لما يعرف بالحرس الرئاسي ما زالت تمضي على قدم وساق، وبالطبع من خلال المال الأمريكي والسكوت الإسرائيلي، فضلاً عن الدعم العربي على مستوى تأمين السلاح، الأمر الذي لا يمكن النظر إليه بعيداً عن الهدف النهائي ممثلاً في إقصاء حماس عن الحكومة بأي شكل من الأشكال.
والحال أن جميع التنازلات التي قدمتها حركة حماس من أجل الوصول إلى محطة حكومة الوحدة لم تؤد إلى نتيجة تذكر، رغم أهميتها بالنسبة لخطاب الحركة، وما يطرح اليوم هو استمرار لمسيرة الاستدراج، حيث يجري الترويج لضرورة أن يجري الاعتراف بشروط الرباعية كما تطالب واشنطن والأوروبيورن من أجل فك الحصار. وهنا لن نعدم من بين رموز حماس من سيبرر ذلك بدعوى فك الارتباط بين خطاب الحكومة وخطاب الحركة، لكن هؤلاء لا يعلمون أن وقوع أمر كهذا لن يغير في برنامج الاستدراج والتشويه، ومن ثم الإقصاء، أي أن المشاكل ستتوالى واحدة تلو الأخرى، بل لا يستبعد أن تطالب حماس كحركة بالاعتراف مباشرة بشروط الرباعية، وكل ذلك بتوصيات من أطراف فلسطينية ترى ضرورة المضي في برنامج الاستدراج والتشويه حتى النهاية.
في مواجهة هذه اللعبة ليس أمام حماس غير التمسك بثوابتها وإفشال لعبة الاستدراج والتشويه القائمة، ولن يتم ذلك إلا بالتأكد من أن ما يجري لن يحل المعضلة وأن التنازلات لن تتوقف كما يقول منطق السياسة، وتجربة عرفات شاهد على ذلك.
الأهم من ذلك أن على حماس ألا تجعل بقاء الحكومة هو الحاكم على سلوكها السياسي، كما أن عليها أن تكف عن لعبة الانتظار القاتل الذي تمارسه من عام ونيف، وما جرى من إطلاق للصواريخ وتلويح بحل السلطة لا يكفي، لاسيما أن هذا التلويح الأخير لا يبدو جدياً بحال، هو الذي لا يمكن أن يمر من دون توافق مع حركة فتح، وربما بموافقة عربية.
هكذا يمكن لحماس أن تعيد للصراع اعتباره، وذلك بإطلاق فعاليات شعبية ضد الاحتلال والجدار والاستيطان ومن أجل الأسرى، مع ما تيسر من المقاومة المسلحة، وذلك كي يعود الصراع إلى جوهره الأصلي، ذلك الذي تشوه تحت وطأة السلطة والحكومة ومتعلقاتها، كأن الاحتلال قد زال ولم يبق غير توزيع الغنائم.
من دون ذلك ستتواصل المهزلة القائمة، وهو ما سيضر بتراث حركة عظيمة قدمت نموذجاً رائعاً في الجهاد والاستشهاد، ولا ينبغي لها أن تغامر به في مقامرة بائسة من هذا النوع.