بقلم د. رفعت سيد أحمد * لا تلوموا إسرائيل وحدها : لوموا أنفسكم أيضاً !! عمرو موسى .. وأحمد أبو الغيط هما المسئولان عن دم الأسرى والشهداء !! * عمرو موسى منذ توليه وزارة الخارجية المصرية ولديه ملف من ألف وثيقة عن ال 50 ألف أسير مصرى من شهداء حروب (1948 – 1956 – 1967 – 1973) فماذا فعل بها وهو الذى يروج له باعتباره القومى الثائر !! . * الذين روجوا لأسطورة عمرو موسى كبطل قومى لمجرد أنه تحدث (بكلمتين ضد إسرائيل) نسوا أن أكبر عملية تطبيع سياسى معها تمت فى عهده وأنه أضاع أثنائها حقوق الأسرى الأحياء والشهداء ، وأنه هو المهندس الأول لمؤتمر شرم الشيخ عام 1996 الذى أسس (لمذبحة قانا الأولى) ولإنقاذ شيمون بيريز !! وأنه لايزال وهو أمين لجامعة الدول العربية يناضل بالكلمات من خلف الميكروفونات ويعقد الصفقات فى الخفاء ليبقى فى منصبه مقابل تنازله عن حقوق الأمة بما فيها (الأسرى) . * أحمد أبو الغيط رفض عرضاً من حزب الله لوضع أسماء الأسرى المصريين الحاليين فى سجون الاحتلال ضمن صفقات تبادل الأسرى .. مدعياً أن لمصر وسائلها الخاصة فأين هى!! * أبو الغيط يقول أنه لن يقطع علاقاته الدافئة مع اليهود لمجرد (فيلم) وكأن دم الشهداء رخيص عنده ولا يساوى شيئاً !! * ضياع حقوق الشهداء الأسرى جزء لا يتجزأ من ضياع الدور المصرى الإقليمى والعالمى!! ******* * أكثر ما يؤلمنى هو أن أرى نفراً من مثقفينا وكتابنا وسياسيينا وقد لوى عنق الحقائق وأضاعها لمجرد أن يركب الموجة ، أو ليضمن جزءاً من تورتة المغانم التى توزعها عليه الدولة ، فنجده لا ينطق بالحقيقة وإن نطق فبنصفها فقط ، ونسى النصف الآخر عمداً . * هذا هو تحديداً ما جرى بشأن فيلم (روح شكيد) وما أثير عن دور لمجرم الحرب (بالمناسبة كلهم مجرمون) بنيامين بن اليعازر وزير البنية التحتية الحالى والصديق الشخصى للرئيس مبارك ؛ ولعمرو موسى وأحمد أبو الغيط ؛ تجد كتابنا وسياسينا يلقى باللوم ، وبالشتائم ويقود الحملات الصحفية ، وفى الصفحات الأولى من (أهرام أسامة سرايا) حتى (روزا عبد الله كمال) ، فى وجه الكيان الصهيونى ومعهم طبعاً كل الحق فى ذلك ، ولكنهم لا يكملون الجملة، لا يكملون الحقيقة ، لأنهم يعلمون أنها مؤلمة ، وألمها الأساسى يتمثل فى أن حكومتهم المحترمة التى ينافقونها صباح مساء هى التى أضاعت حقوق الأسرى الشهداء والأحياء معاً منذ ربع قرن ، منذ بدء علاقات العار مع العدو والمسماة تأدباً بالتطبيع ، فلماذا لا يكيلون لها نفس الاتهامات التى كالوها لمجرمى الحرب الصهاينة ؟ . * ولأنهم لن ينطقوا فدعونا نذكرهم بالآتى بشأن قضية الأسرى الشهداء إجمالاً وبشأن ما يتصل بقضية الكشف عن مقتل 250 جندى مصرى أسير أعزل على أيدى (كتيبة شكيد) التى كان يقودها المجرم بن اليعازر أثناء وبعد حرب 1967 : أولاً : دعونا نخبر الرأى العام المصرى أن عدد شهداءنا من الأسرى العزل الأبرياء خلال حروب (1948 – 1956 – 1967 – 1973) وصل إلى قرابة ال 50 ألف جندى وليس 250 جندى ، وأن ملفات هؤلاء الأسرى وصل إلى ألف وثيقة وهى موجودة فى وزارة الخارجية المصرية منذ ربع قرن ، وأن ثمة حملة قديمة حول ذات الموضوع أثيرت منذ عدة سنوات من العديد من الكتاب ومنهم كاتب هذه السطور (وقام كاتب هذه السطور على سبيل المثال فى نهاية التسعينيات بكتابة عدة مقالات فى صحيفة " الوفد " تحت عنوان " جريمة لا تسقط بالتقادم " وطالب فيها وزارة الخارجية بفتح ملفاتها لقيادة حملة للتصدى القانونى والسياسى الدولى لها ، وناشد عمرو موسى (وزير الخارجية وقتها) بالتصدى الجاد لهذه القضية ، فهو كما صرح وقتها يمتلك وثائقها والشهادات بشأنها ، إلا أن الرجل وكعادته ، كان مجرد ظاهرة صوتية ، يتحدث بلغة صحفية عالية القوة مع (الميديا) ، وفى الخفاء يمارس التطبيع والعلاقات الدافئة مع الإسرائيليين باعتباره موظف بدرجة وزير فى حكومة الحزب الوطنى الذى يطبع منذ ثلاثين عاماً مع الكيان الصهيونى رغم كل الضجيج الكاذب الذى يصاحب عادة تصريحاته وقنابله القومية الفشنك ، لم يتصدى عمرو موسى للقضية ، كما لم يتصدى خلفه (أحمد ماهر) والذى تلاه (ونقصد أحمد أبو الغيط) .. وظلوا جميعاً مجرد (موظفين) مطيعين لتوجهات الرئاسة ، وللحكومة التى مارست الفعل الفاضح " التطبيع " مع كيان عدوانى مجرم ، فأقامت العلاقات السياسية والاقتصادية (الكويز – الغاز نموذجاً) ، ونسيت الأسرى ودمهم ونسيت الألف وثيقة الموجودة فى أدراج الوزارة ، بل خرج أحد مساعدى أحمد أبو الغيط قبل أيام ليعلن بعد حملة عن عذابات الأسرى الحاليين وعددهم 30 أسير فى سجون الاحتلال ورفض هو وأحمد أبو الغيط أن توضع أسماؤهم على القوائم التى يطالب حزب الله بالإفراج عنها مقابل التبادل مع الجنود الصهاينة لديه !! : أن الأسرى المصريين الأحياء فى سجون العدو الصهيونى يعيشون فى (فنادق خمس نجوم) . * إذن .. بن اليعازر مجرم فى حق الأسرى المصريين والعرب ، هذا صحيح ، وباراك مجرم هذا أيضاً صحيح ، ولكن عمرو موسى وأبو الغيط وحكوماتهم أيضاً مجرمون ومشاركون فى الجريمة ، ومهما طبل (أسامة سرايا) أو زمر غيره فى الصفحات الأولى ، فإن الذين صمتوا طيلة هذه الفترة (فترة الفعل الفاضح " التطبيع " 1979 – 2007) - وخاصة من رجال وزارة الخارجية - يتساوون أمام الرأى العام والقانون والله ، مع القتلة الفعليين من الصهاينة ، لذلك لا ينبغى أن نقول للناس نصف الحقيقة ، بل ينبغى أن نقول لهم كل الحقيقة ، إذ من العار – كل العار – أن يكون من كشف عن القضية وآثارها هو من ارتكبها ، هو هذا الكيان الصهيونى فى حين صمتنا نحن وحين تحدثنا كان حديثنا بنصف لسان !! . ثانياً : لم ينطق سياسيونا وكتابنا بالحقائق المُرة عن عمليات قتل الأسرى طيلة سنوات الصراع ، وتطرقوا فقط للجريمة كما قدمها فيلم (روح شكيد) ، محاولين حصرها فى ال 250 جندى ، فى حين أن ما لدينا ولدى غيرنا من حقائق ، أكبر من ذلك ، وعلى سبيل المثال ما أكده ضباط كبار فى الكيان الصهيونى منذ سنوات عن استخدام (الأسرى) وأجسادهم كفئران تجارب وليس قتلهم فحسب فها هو أندريه وولف - الذي شغل منصب مساعد رفائيل إيتان الذي يعتبر من أشهر الضباط والمستشارين العسكريين "الاسرائيليين" ووزير الزراعة الأسبق وزعيم حزب تسوميت اليميني المنحل - يروي قصة تتعلق بعدد من العمال ممن وجدوهم في الصحراء. وعرفوا بعد ذلك أنهم قدموا من جنوب مصر للعمل في مجال تعبيد الطرق في سيناء، وبعد القبض عليهم اكتشف "الاسرائيليون" أنهم بؤساء للغاية ولا يعرفون أي شيء عن الصراع الدائر في سيناء ولا تهمهم معرفته وكان كل تركيزهم ينصب في نقطة واحدة وهي الانتهاء من عملهم من أجل الحصول علي قروش زهيدة. وعلي الرغم من ذلك أعطي إيتان أوامره بقتل جميع العمال والتخلص منهم ودفنهم في الصحراء حتي لا يعثر أحد عليهم.. ويضيف أنه لا يستطيع حتي الآن أن ينسي منظر العمال وهم يتوسلون إليه لكي لا يقتلهم حتي إن أحد الضحايا أخذ يقبل صورة عائلته ثم أخذ ينظر إلي السماء وهو يبتسم في شرود، والغريب أن عينيه ظلتا محدقتين في السماء حتي بعد وفاته. النقطة الجديرة بالملاحظة أن "اسرائيل" أقنعت العديد من دول العالم بأنها أجرت تحقيقا في تلك القضية وأنها سوف تقدم الجناة الحقيقيين عن تلك المذابح للعدالة الدولية وستعمل علي تقديم تقارير كاملة عن جميع الحقائق المتعلقة بالمذابح والمحاكمات.. إلا أن ذلك لم يحدث ولم يصدر أي تقرير رسمي يتعلق بهذا الأمر، وهو ما يتنافي مع التأكيدات الإسرائيلية حول هذه القضية. ****** ثالثاً : كشفت الحقائق الحديثة عن حقيقة أن العديد من "الاسرائيليين" وأبرزهم خبراء في مراكز حقوق الإنسان وقادة عسكريين كانوا يطلبون دائما إرسال المسئولين والخبراء والأطباء إلي المواقع العسكرية بدعوي محاولتهم وقف انتشار الأمراض والأوبئة بسبب كثرة جثث الجنود المصريين.. ولم يكن الهدف من هذا الاستدعاء سوي الاتجار في أعضاء الأسري المصريين وتشريح جثثهم، وإرسال جثث مصرية بالكامل إلي قلب "اسرائيل"، وبالتحديد إلي كلية الطب والمراكز البحثية والعلمية المختلفة لكي يمارس الطلبة علم التشريح والدراسة العملية عليها. ميليتشيان أوري المؤرخ العسكري الإسرائيلي الشهير. والذي كان شاهدا علي العديد من تلك الأحداث حيث وجد بساحات المعارك في سيناء عامي56 و(67) اعترف بأن هؤلاء الخبراء والأطباء كانوا يمارسون عملهم بصورة مثيرة واستفزازية حتي اكتشفت وبالمصادفة أنهم أعضاء في مافيا تهريب الأعضاء البشرية. وهي المافيا التي كونت شبكة واسعة لم يكن نشاطها يتوقف فقط عند "اسرائيل" بل كان يتعدي إلي العديد من الدول الأخري في أوروبا وأمريكا. ويضيف أوري بأنه شاهد بنفسه العديد من عمليات اختطاف الأسري قسرا أحياء والذهاب بهم إلي "اسرائيل" من أجل إجراء العديد من التجارب سواء العلمية أم العسكرية عليهم وهي التجارب التي تنوعت ما بين الأدوية والمحاليل الجديدة، واعتبر "الاسرائيليون" الأسري المصريين حيوانات تجارب لهم. ويشير المؤرخ ميتشليان أوري - والذي أشارت شهادته حول قتل الأسري المصريين في "اسرائيل" - إلي أنه يعرف عديدا من المراكز وأبحاث المختبرات العلمية التابعة للجيش "الاسرائيلي" والتي كانت تستقبل الأسري المصريين أحياء وتجري التجارب عليهم خاصة في ظل إدخال الأسلحة الجديدة في الجيش بعد الحرب 73 وهو ما كان يستلزم تجربتها علي أهداف حية لضمان جودة استخدامها وكفاءتها القتالية. ويضيف أوري أنه عرف بعد ذلك من كبار الضباط في الجيش "الإسرائيلي" أن السبب الأساسي الذي كان يدفعهم لذلك هو كثرة عدد المقاتلين المصريين الذين كانوا يندفعون كالطوفان الشديد وبالآلاف عليهم مما جعلهم يفكرون في كيفية الاستفادة من هذا العدد الضخم بدلا من قتلهم كلهم، فجاءت فكرة الانتفاع منهم بطريقتين الأولي إما بإرسالهم إلي المختبرات العلمية وهم جثث صماء لكي يدرس عليها الطلبة والثانية بإرسالهم إلي القواعد العسكرية والعلمية وإجراء التجارب عليهم خاصة العلمية، التي تجري في مراكز المختبرات المختلفة سواء في القدس أم تل أبيب. ******* رابعاً : لم يكن أوري هو" الإسرائيلي "الوحيد الذي اعترف بتلك الجرائم،فقد شاركته في ذلك الهيئات والمؤسسات المختلفة وعلي رأسها مؤسسة " بيتسليم " (مركز المعلومات "الإسرائيلية" لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، وهو المركز الذي أكد من خلال دراسة أعدها أخيرا عن الأسري العرب والمصريين، علي أن الجنود "الاسرائيليين" قاموا وفي بربرية وسلوك وحشي بسرقة الجنود المصريين قبل قتلهم، حيث كانوا يصنفون من حيث الرتب بين جنود وضباط وبعدها تقسم الغنائم التي تجمع من هؤلاء الضباط والجنود.. حيث إن الرتب من نقيب إلي أعلي يتم تجريدها من كل شيء حتي وإن كانت خواتم الخطبة أو الزواج وحتي ساعات اليد. أما الجنود فيتم الاستيلاء علي كل شيء معهم وجميع ممتلكاتهم.. ويضيف التقرير إن الجنود المصريين كانوا يتوسلون إلي نظرائهم "الاسرائيليين" طالبين منهم أن يتركوا ممتلكاتهم ومتعلقاتهم الشخصية إلا أنهم لم يلتفتوا إلي رجاءاتهم. والمثير أن التقرير كشف عن أن المافيا وعصابات السرقة "الإسرائيلية" كانت تحضر إلي سيناء لهذا الغرض وتتفق سرا مع الضباط والجنود علي شراء تلك الممتلكات مقابل مبالغ مادية كبيرة يتم الاتفاق عليها، موضحا أن تلك العصابات كانت تبيع تلك الممتلكات للمتاحف والبازارات المختلفة في العالم بالإضافة إلي القنوات التليفزيونية الدولية التي كانت تأتي خصيصا لهذا الغرض، وكانت تهتم بتصوير متعلقات الجنود المصريين وإظهارها كدليل مادي علي هزيمة المصريين وانتصار "اسرائيل"، وذلك بدعم من المؤسسات اليهودية في العالم وبتوجيه منها. ***** * تلك هى بعض من نصف الحقيقة التى عجز وصمت كتابنا وسياسيونا عن النطق بها كاملة، وصمت ولايزال عمرو موسى (الظاهرة الصوتية النضالية الوهمية) هو ورفيقه الوزير الحالى أحمد أبو الغيط عن أن يحركوها بجدية تليق ببلدهم مصر ، وصمت معهم طاقم السياسيين والبرلمانيين والصحفيين من جوقة المنافقين للنظام الذين سيظلون جميعاً صامتين وسيجعلون القضية مجرد ضجة إعلامية لا أثر لها عن 250 شهيد فقط من أسرانا الأبرار، نرجوكم كفوا عن تأليه عمرو موسى) وكفوا عن اتهام إسرائيل وحدها ، وهاجموا نظامكم العتيق ووزارة خارجيتكم المبتلاة بداء الصمت والعجز ، ذلك العجز الذى يعكس حالة العجز العام للدور المصرى إقليمياً ودولياً ، وقولوا للناس كل الحقيقة ، وحدثوهم عن أن (مصرنا) لن تعيد حقوق الأسرى الشهداء إلا إذا عادت كرامتها الداخلية والإقليمية ، إلا إذا انتهى سيناريو التوريث الحالى ، إلا إذا احترمت خيار المقاومة فى فلسطين ، وأوقفت دور " السمسار " لصالح واشنطن فى ملفات العراق ولبنان ودارفور وقطعاً فى فلسطين . ساعتها فقط سنسترد حقوق أسرانا ، وسيبرد دمهم الغالى الذى لايزال يصرخ باحثاً عن ثأر تأخر كثيراً . والله أعلم .