في مقابلته مع الجزيرة (برنامج بلا حدود) كان الناطق باسم الجيش الإسلامي مفاجئاً في موقفه من إيران، أعني من زاوية الصراحة في إعلان الموقف، مع علمنا بتوفره في أوساط الجيش منذ فترة لا بأس بها، فقد وصف الدكتور إبراهيم الشمري إيران بأنها دولة محتلة، تماماً كما هو حال الولاياتالمتحدة، بل ربما قدم الاحتلال الإيراني على نظيره الأمريكي.
أضاف الشمري إلى ذلك قدراً لا بأس به من التشدد في التعامل مع القوى الشيعية، وإن لم يفعل ذلك على أساس طائفي، والنتيجة أن الجبهة التي يقاتل عليها العرب السنّة، ومن ضمنهم الجيش الإسلامي قد غدت واسعة على نحو يجعلها بالغة الصعوبة على نحو كبير.
هكذا يلتقي الجيش الإسلامي في موقفه من إيران مع موقف الحزب الإسلامي وجبهة التوافق العراقية، فيما يلتقي أيضاً مع مواقف عربية كثيرة ترى الخطر الإيراني أولوية مقدمة على الخطر الأمريكي، الأمر الذي يستحق إعادة النظر، لاسيما أن اللقاء المزعوم بين إيران وأمريكا في العراق ليس صحيحاً بحال، كما أن المعركة بين الطرفين ليست وهمية أيضاً، بل إن نتائجها هي التي ستحدد منظومة الصراع في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
ليس صحيحاً أن إيران وأمريكا متفقتان على بقاء العراق محتلاً، فإيران ومن دون مواربة تريد عراقاً تابعاً لها من الزاوية السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية والدينية، في حين تعتقد واشنطن أن ذلك يشكل كارثة سياسية بالنسبة لها لكونه ينتج دولة إقليمية بالغة القوة لا تحتملها الولاياتالمتحدة، لاسيما إذا كانت مسلحة بالقدرات النووية، الأمر الذي لا يمكن للدولة العبرية التي تتحكم بالقرار السياسي الأمريكي أن تقبل به بحال من الأحوال.
كان البرنامج الأمريكي لاحتلال العراق يقوم على انتداب عسكري أمريكي على العراق يتحكم بالبلد من خلال قواعد عسكرية بعد ترتيب الأمن عن طريق أجهزة عراقية، ولتبدأ بعد ذلك رحلة ترتيب المنطقة لحساب الدولة العبرية، من إيران إلى سوريا والدول العربية الأخرى، لكن المقاومة هي التي أفشلت ذلك كله، وهنا صار البرنامج الإيراني هو تعميق التورط الأمريكي في العراق مع تعزيز مكاسب القوى الشيعية، وإذا تطلب الأمر مساعدة القوى العربية السنية التي تقاتل الاحتلال فلا بأس في ذلك، ومن ينكر وجود خيوط مساعدة إيرانية لتلك القوى لا يعرف الحقيقة أو لعله ينكرها، إذ ثمة شيء من ذلك يحدث بالفعل على الأرض، حتى لو لم تكن هناك مقاومة شيعية بالمعنى الحقيقي للكلمة إلى الآن.
لا يعني ذلك أن ما تقوله القوى العربية السنية عما تفعله إيران غير صحيح، لاسيما دعم جيش المهدي المتورط بدوره في مذابح طائفية، لكن دعم الجيش المذكور لا يتم على قاعدة استهدافه للعرب السنة، بل على قاعدة أنه الفريق الأكثر قرباً من إيران، وأنه الضامن لنفوذها، ومن ثم لقدرتها على الرد على الولاياتالمتحدة في العراق في حال قررت ضربها (أي إيران).
والحال أنه لا يمكن قراءة التحولات القديمة والحديثة في سلوك التيار الصدري خارج إطار تحالفه مع إيران، وعلى رأس ذلك خطوته الأخيرة بالخروج من حكومة المالكي تحت لافتة معلنة هي رفض الحكومة لمطلب جدولة انسحاب القوات الأمريكية، وهنا تحديداً ستلتقي قوى المقاومة في هذا المطلب مع التيار الصدري، بصرف النظر عن طبيعة اللقاء ومحدوديته من الزاوية الزمنية.
حين يروج الجيش الإسلامي، وهو أحد أهم قوى المقاومة لمقولة أن الاحتلال الإيراني هو أخطر من الاحتلال الأمريكي، فإن من الطبيعي أن ينحاز العرب السنّة، وهم حاضنة المقاومة لمقولات جبهة التوافق حول ضرورة التفاهم مع الأمريكان بدل مقاومتهم، ولمقولات بعض الدول العربية حول ضرورة التهدئة كي تتشجع أمريكا على ضرب إيران، وهنا سينهض التحالف الإيراني مع التيار الصدري الذي بات معروفاً بأنه يحظى بدعم وتدريب من الإيرانيين ومن حزب الله، ولتبدأ المقاومة الشيعية في حال ضربت إيران، مع أن اندلاعها من دون ذلك في وقت لاحق لن يكون مستبعداً بحال، ونتيجة مقاومة من هذا النوع لن تكون شيئاً آخر غير خروج الأمريكان بعد عجزهم عن احتمال الخسائر في ظل معارضة شعبية داخلية، وتكون الأعمال بخواتيمها، فيأخذ القوم بمنطقهم حصة الأغلبية ومن بعدها حصة المقاومة والتحرير في آن، وإذا وقع ذلك في ظل تراجع أو توقف للمقاومة العربية السنية، فلن يكون بوسع هذه الفئة أن ترفع رأسها من جديد، وإذا فعلت فهي الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس.
مرة أخرى، لا خلاف على أن السلوك الإيراني في العراق سيء ويستحق الإدانة، لكن الرد على ذلك باعتبار الاحتلال الإيراني هو الأولوية لا بد أن يفضي إلى تفاهم مع الأمريكان لن يأتي بخير بحال من الأحوال، والأصل هو مواصلة المقاومة حتى تحقيق التحرير وجني مكاسبه.
وهنا يمكن القول إن ما طرحه الشمري بشأن الحوار مع الأمريكان كان جيداً ومقبولاً من زاوية الشروط، وينبغي للجيش الإسلامي وسواه من قوى المقاومة أن يكونوا حذرين من لعبة استدراجهم إلى حوار مع واشنطن لا هدف له كما قلنا سوى وقف المقاومة من أجل التوجه نحو ضرب إيران.
ثمة مقولات تستحق المراجعة على هذا الصعيد، وليس ثمة من خطر على العراق والمنطقة أكبر من الخطر الأمريكي الصهيوني، ومن يروج لخلاف ذلك إنما يساهم في إخراج الأمريكان من مأزقهم، ويمنحهم فرصة النجاح من جديد في برنامج الاحتلال ومشروع إعادة تشكيل المنطقة، ولا يليق بمن قاوموا ذلك الاحتلال أن يفتحوا له أفق النجاح من جديد، فيكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.