إعادة أحمد شفيق لانتخابات الرئاسة بعد استبعاده وفقا لقانون العزل السياسى بلطجة وإسفاف واستخفاف بالأمة وبكل معانى القانون والسياسة والحياة والثورة والأدب والأخلاق والذمة. المشير طنطاوى هو صاحب هذا القرار ( ولا أقول المجلس العسكرى الذين يخضع أعضاؤه وظيفيا لوزير الدفاع ) وقامت اللجنة الانتخابية بتنفيذه . وعزل شفيق سياسيا لايستحق إصدار قانون لأنه عُزل مع مبارك وعمر سليمان فى لحظة واحدة من ثورة الشعب المصرى بأسره ، بل لقد تواصلت اعتصامات التحرير حتى الاطاحة بشفيق رئيس الوزراء الأخير الذى جاء بقرار من المخلوع ، وهو صديقه الصدوق فى كل الأوزار والتى نفصلها فى مواضع أخرى . وقرار العزل السياسى تحصيل حاصل لمعنى أن البلاد قد جرت فيها ثورة . وكان يتعين على طنطاوى ألا يتدخل فى التشريع ويحيل القانون للمحكمة الدستورية ، ولكن المحكمة أعادته سريعا وفقا لخطة محكمة وإن كانت سخيفة ، حتى يتمكن شفيق من الطعن . وكما يحدث فى أفلام الرعب حيث يتحول كائن وديع إلى كائن متوحش بفعل الساحرة الشريرة ، فقد تحولت لجنة الانتخابات من لجنة إدارية لحظة تقديم طلب شفيق ، إلى لجنة قضائية يمكن أن تفحص الطعون وتحولها للمحكمة الدستورية ، وهكذا تظل يد طنطاوى نظيفة وطويته بريئة فهو لم يفعل أى شىء ولا إرادة له ، فهو مجرد محولجى بين اللجان وبعضها ، ولايدرى حتى متى تتحول اللجنة الوديعة ( إدارية ) إلى لجنة قضائية أى تتحول إلى محكمة كى تأخذ حق التحويل للمحكمة الدستورية . ولم يعد شفيق فحسب إلى انتخابات الرئاسة بهذا القرار ، بل أصبحت عصمة الانتخابات الرئاسية والرئيس القادم ومجلسى الشعب والشورى من خلال طعن آخر، أصبحت العصمة فى يد المحكمة الدستورية التى شكلها الطاغية على عينه وكانت طوع بنانه حتى اللحظة الأخيرة ثم نقلت ولاءها لطنطاوى . فالمحكمة الدستورية تملك أن توقف الانتخابات الرئاسية أو تبطلها فى أى لحظة وتحل مجلسى الشعب والشورى ، عندما يطلب منها طنطاوى ذلك ، بإقرار عدم دستورية قانون العزل وعدم دستورية قانون الانتخابات التشريعية. وتكتمل الطرفة عندما نتذكر أن رئيس اللجنة الانتخابية الرئاسية هو نفسه وذاته رئيس المحكمة الدستورية !! وكأنها من عجائب الصدف ! ولن استرسل عن عمد فى أى مناقشات قانونية أو دستورية لأن هذا هو المطلوب ، أى أن نغرق فى التفاصيل ، وتصبح الأمور مجرد وجهات نظروفى هذه الحالة من الطبيعى أن نخضع جميعا لما ستقوله المحكمة الدستورية العليا ، فمن سيفهم فى القانون أكثر من هؤلاء !؟ وجوهر الموضوع يمكن تلخيصه فى التالى : الحقائق السياسية النابعة من الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لأى مجتمع فى مرحلة ما هى التى تضع أسس القوانين ، وصياغة القوانين هى مجرد التعبير عن هذه الحقائق الموجودة على أرض الواقع ، وهذا هو التشريع الصحيح والمناسب والقابل للحياة . وفى لحظة انهيار نظام سياسى ما لا تكون هناك علاقات وثيقة بين الدستور والقوانين الأساسية وبين الواقع لأن النظام المتهالك يحاول أن يمد عمره بتشريعات وتعديلات جائرة ، بمعنى أنها لاتعبر عن الواقع بقدر ما تستهدف إطالة عمر النظام . وهذا الاهتراء الدستورى والقانونى يكون من أهم أسباب انهيار النظام . ولذلك عندما تأتى ثورة جديدة تستهدف بالفعل هدم النظام الظالم وإقامة نظام جديد يعبر عن طموحات الشعب فلابد من إسقاط الدستور السابق الذى يكون قد تحول إلى خرقة بالية لاقيمة لها ، وإسقاط عدد من القوانين الرئيسية لحين إجراء مراجعة قانونية شاملة لباقى القوانين وهذا الأمر يحتاج لبضع سنوات . ولذلك عرفت الثورات دائما مايسمى بالمرحلة الانتقالية ، لانجاز هذه المهام بالحد الأدنى : الدستور الجديد والقوانين الرئيسية . ولكن من سوء طالع وظروف ثورتنا أن المرحلة الانتقالية وقعت فى أيدى الجناح العسكرى للنظام البائد وبقايا جناحه المدنى ( الصف الثانى والعمود الفقرى للجهاز الادارى ) وبالتالى لم تكن فترة انتقالية خلاقة تدفع البلاد إلى الأمام بل فترة من الشد والجذب واللف والدوران . واكتفى المجلس العسكرى بالشرعية الثورية فى حدود توليه للسلطة وحل مجلسى الشعب والشورى ، ثم انتقل فورا للشرعية القانونية والدستورية المزعومة ، وهو أمر لايستقيم بعد تجميد دستور 71 والذى كان يستتبع تجميد المحكمة الدستورية العليا حيث لاعمل لها إلا بالدستور ! أى أن الوضع كما ورد فى بيان حزب العمل الأخير هو كالتالى : (فالحقيقة الأساسية الآن أن المجلس العسكرى يحكم بدون سند شرعى قانونى أو دستورى، وإنما بقوة دفع الشرعية الثورية، بينما يستغل المجلس العسكرى هذا الوضع الاستثنائى، لترتيب أوضاع السلطة للمستقبل كما يريد، مستخدما أدوات "قانونية" و"دستورية" للنظام البائد وهذا أمر لايستقيم ). يجب على المجلس العسكرى أن يتوقف عن التلاعب بين "الشرعية الثورية" و"الشرعية القانونية والدستورية" بمعنى أن استخدام المحكمة الدستورية المكونة بمعايير العهد البائد لا يمكن أن تكون هى الحكم فى ضبط أسس النظام الجديد الذى يعبر عن الثورة. إن هذه المحكمة الدستورية لابد أن يجمد نشاطها تماما ارتباطا بتجميد الدستور السابق، وباعتبار أن الإعلان الدستورى لم يكتب لكى يستخدم فى ألاعيب الطعن فى الدستورية، لأن مدته كان من المفترض ألا تتجاوز 6 شهور، كما أنه ليس دستورا متكاملا، كما أن الأوضاع الثورية لا تحتمل هذه الألاعيب. وأصحاب المصلحة فى الثورة لايملكون الآن إلا تصحيح هذا الوضع المعوج. فلابد من استكمال الشرعية الثورية حتى صياغة وإقرار الدستور الجديد. ولابد من وقف مهزلة اللجوء للمحاكم فى القضايا المصيرية المتعلقة بالثورة ، لأن الثورات لاتنجز ولا تستكمل فى المحاكم . فالأمور الأساسية المتعلقة بأوضاع السلطتين التنفيذية والتشريعية لاتحسم فى المحاكم فى زمن الثورات ، ليس بسبب اهتراء القوانين السابقة وتجميد الدستور فحسب بل أيضا بسبب تكوين نظام المحاكم ومااعتراه من فساد فى العهد البائد ومانجم عن ذلك من أساليب فاسدة تبيح تدخل السلطة التنفيذية فى القضاء وفساد بعض العاملين فى الحقل القضائى الذين تعودوا على الاستجابة لمطالب السلطان. وستبدأ الشرعية القانونية والدستورية الكاملة بعد انتهاء صياغة وإقرار الدستور وقبل ذلك بتسليم السلطة للمدنيين لأن الحكم العسكرى هو فى حد ذاته غير مقبول إلا على ذمة الشرعية الثورية . وتبقى المطالب الأساسية التى تحكم حركة الشعب فى الأيام القادمة ، وبعد التزام الجميع بقانون عزل الفلول واستبعاد شفيق من الانتخابات الرئاسية كالتالى : 1) التعهد النهائى للمجلس العسكرى بتسليم السلطة للمدنيين، وللرئيس المنتخب تحديدا يوم 30 يونيو 2012 . 2) إجراء انتخابات الرئاسة فى موعدها دون القبول بأى ألاعيب قانونية. 3) تعديل المادة 28 من الإعلان الدستورى على نحو يسمح بالطعن فى قرارات لجنة انتخابات الرئاسة، مع إعادة النظر فى تركيبها أو إسناد مهمة الإشراف على انتخابات الرئاسة للمجلس الأعلى للقضاء. 4) وقف عمل المحكمة الدستورية حتى تتم عملية صياغة وإقرار دستور جديد للبلاد. 5) مواصلة عملية تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وأن تأخذ وقتها دون استعجال، حتى بعد انتهاء انتخابات الرئاسة. 6) وفى هذه الحالة يعمل الرئيس المنتخب وفقا للإعلان الدستورى القائم الذى يحكمنا به المجلس العسكرى منذ قرابة عام!! 7) يحدد الدستور القادم فى مواد انتقالية، استمرار الرئيس ومجلسى الشعب والشورى لحين انتهاء دوراتهم لتحقيق الاستقرار فى البلاد. واذا لم تكن المليونيات الأسبوعية كافية لاستجابة المجلس العسكرى فأمامنا كل سبل التصعيد بالاعتصام المفتوح ، ومحاصرة مؤسسات الحكومة ، وغيره من الوسائل السلمية . واعلم يا طنطاوى ومن يخطط لك أن الشعب لن يتراجع عن مكاسبه ، فلا تختبر غضب الشعب ولاتختبر جلد الشعب وصبره وإصراره . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون . [email protected]