البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمركة الإصلاح الديني بالمغرب الإسلامي
نشر في الشعب يوم 31 - 03 - 2007


بقلم: منتصر حمادة

وزير مُكَلَّف بالإشراف علي هيكلة الحقل الديني (في المغرب الإسلامي) في حقبة ما بعد تفجيرات الدار البيضاء 16 ايار (مايو) 2003، وقبلها تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، يُعيِّن موظفا أمريكيا للإشراف علي المناهج الدراسية في إحدي مؤسسات الإسلام الرسمي (دار الحديث الحسنية)، وفي دولة تتميز عن باقي الدول العربية والإسلامية بالثقل الديني والسياسي لمنظومة إمارة المؤمنين . ليست هذه كذبة نيسان (أبريل)، لأن الأمر فعلا كذلك، واتضحت الأمور بشكل علني للرأي العام المغربي علي اثر انفراد يومية مغربية بنشر الخبر، فيما اعتبر صدمة أو مفاجأة بالنسبة للرأي العام، ونحن، من باب حسن النوايا، نفترض جدلا أن صناع القرار السياسي/الديني في هذا البلد يحترمون الرأي العام.
افتضح أمر الضجة أو الصفقة، عندما نشرت يومية المساء المغربية خبرا ملفتا جاء فيه أن الأكاديمي الأمريكي كامبيز كانيباسيري يشرف شخصيا علي التأطير الأكاديمي للمناهج الدراسية في دار الحديث الحسنية (يومية المساء ، عدد 26/2/2007)، فيما اعتبر سابقة من نوعها، لأننا ما دمنا نعيش في حقبة ما بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن أمام المناسبة الأولي التي يتم فيها تعيين موظف من جنسية أمريكية لتولي الشؤون الأكاديمية في مؤسسة دينية رسمية في المغرب.
نقرأ في نفس المقال خبرا موازيا حول لقاء مغلق بمراكش تم ما بين 23 و26 شباط (فبراير) الماضي ضم باحثين أمريكيين ومغاربة لدراسة سبل مراجعة برامج دار الحديث الحسنية، وأن الموظف إياه الذي يشغل منصب مدير الشؤون الأكاديمية بدار الحديث الحسنية، هو الذي تولي شخصيا توجيه دعوات إلي الشخصيات التي شاركت في الندوة التي نظمت تحت عنوان البحث عن سبل تطوير البرامج التعليمية ومناهج التدريس بدار الحديث الحسنية ، (بما في ذلك الدعوة الموجهة إلي مدير المؤسسة الدينية التي يشتغل فيها، فيما اعتبر إحراجا لهذا الأخير، وسوف نُعَرِّج علي دلالات هذا الفعل فيما بعد).
لم يتردد المعنيون بالضجة في تزكية حيثيات الخبر والدفاع عنه في عز الظروف الزمنية القلقة التي تشهدها العلاقة بين الإدارة الأمريكية والشعوب العربية الإسلامية حتي ندقق أكثر في تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية.
ولنبدأ بالمعني الأول في الضجة، ونتحدث عن الموظف الأمريكي الذي أقر في مقال نشر علي موقع جامعة ريد الأمريكية التي يعمل بها بأن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق هو الذي عرض علي الأمريكي المذكور تولي مهمة إصلاح منهاج الدراسة في دار الحديث الحسنية ، وأنه تعرف عليه عندما كان التوفيق (وزير الأوقاف المغربي) طالبا زائرا في جامعة هارفرد . وجاء في المقال، أن ما سيقوم به كانيباسيري في دار الحديث أهم بالنسبة للولايات المتحدة من أي شيء يمكن أن يقوله لوكالة المخابرات الأمريكية، لأن ذلك يدخل في إطار جهود المغرب لمحاربة المتشددين ، وقد سبق للطالب/الموظف أن درس في معهد كارينجي، وحصل علي منحة قيمتها 100 ألف دولار لإتمام دراسة حول تاريخ الإسلام في أمريكا. ( المساء ، عدد 8/3/2007). وجاء في المقال الذي وقعه ميتشال هارتمان إن كانيباسيري بصفته مديرا أكاديميا لدار الحديث الحسنية سيعمل علي وضع منهاج دراسي جديد يقوم علي أساس منهج دراسة الأديان في جامعة هارفرد ، وأنه سوف يعمل علي وضع برامج جديدة في دار الحديث من خلال إدخال دراسة أديان أخري غير الإسلام، ولغات أخري مثل الفرنسية والإنكليزية، إضافة إلي العلوم الاجتماعية والفلسفة .
وورد في المقال أن كانيباسيري قد اعترف بشكل علني بأن ما يقوم به في المغرب هو أمر سياسي بامتياز، إنه في الواقع أمر مركزي بالنسبة لحملة الملك محمد السادس للحد من التطرف خاصة بعد تفجيرات الدار البيضاء ، يضيف الموظف/المُؤَطِّر.
وأمام إشاعات ودلالات القيل والقال التي تسبب فيها الكشف عن الخبر، كان النفي والتقزيم سمة أول تعليق عابر صادر عن وزير الأوقاف، حيث صرح أولا بأن الندوة التي تم عقدها بمراكش حول مراجعة برامج دار الحديث الحسنية، شملت علماء من مختلف الجنسيات، من بينهم أمريكيون ، وأن اللقاء المغلق يعتبر لقاء أكاديميا، ولا يحتاج إلي تسليط الأضواء أو حضور وسائل الإعلام ، وكون المهم هو الاشتغال، وليس إثارة أخبار حول الندوة .. مضيفا في الأخير بأن كل ما ينبغي معرفته بخصوص الندوة (اللقاء المغلق) تم ذكره في بيان توصلت وكالة المغرب العربي بنسخة منه . ( يومية الناس ، عدد 27/2/2007).
أما بيت القصيد في رد الوزير علي نشر الخبر، فقد قوبل بصرف النظر، حيث رفض بالكلية مجرد التعليق علي الخبر المؤرق الذي يتحدث عن موظف أمريكي تم تعيينه من الوزير شخصيا بهدف الإشراف علي المناهج الدراسية في دار الحديث الحسنية. بالعودة إلي أرشيف وكالة المغرب العربي للأنباء، يتبين أن الوكالة بثت فعلا خبرا مقتضبا عن اللقاء المغلق إياه، حيث الحديث عن لقاء أكاديمي تطرق ل مضامين الدراسة بدار الحديث الحسنية في إصلاحها الذي انطلق منذ السنة الماضية علي أساس التعليمات الملكية السامية القاضية بربط دار الحديث بالوزارة المذكورة وبإجراء إصلاح يمكن هذه المؤسسة العريقة من تخريج علماء ذوي رسوخ في العلوم الشرعية مع إلمام بوسائل التواصل اللغوية وأدوات التفكير المنهجي الحديث ، و قد اشتغل المشاركون في أربع ورشات هي: ورشة العلوم الشرعية وورشة الفكر والتاريخ الإسلاميان وورشة العلوم الإنسانية والاجتماعية وورشة الأديان المقارنة .
ما لم ولن تتطرق إليه القصاصة الإخبارية، أن الموظف الأمريكي (الضيف) هو الذي تولي شخصيا توجيه دعوات إلي الشخصيات التي شاركت في اللقاء المغلق، بما في ذلك الدعوة الموجهة إلي أحمد الخمليشي، مدير المؤسسة الدينية التي يشتغل فيها الموظف، وسبب علو كعب الموظف الأمريكي أمام مديره في المؤسسة كما لخص ذلك بدقة أحد طلبة دار الحديث هو أن الموظف مرتبط بشكل مباشر بوزير الأوقاف (أسبوعية لوجورنال إيبدومادير ، عدد 24/3/2007)، ويملك حرية مبادرة تسمو علي أي قرار افتراضي/اعتراضي يمكن أن يصدر عن مدير المؤسسة، بل إن الموظف الأمريكي رفض الإدلاء بأي تصريح لأي منبر إعلامي إلا إذا حصل علي إذن رسمي من الوزير. ( التجديد ، عدد 16/3/2007). علامات الإحراج الكبير كانت بادية في تصريحات مدير المؤسسة، خاصة وأنه أعلن يوم 8 حزيران (يونيو) 2005 عما سمي آنذاك مشروع إصلاح دار الحديث الحسنية ، ويستهدف المشروع إصلاح المؤسسة بشكل تستعيد فيه دورها الطبيعي الذي أُسند لها في البداية، بحيث إنها لن تعود مقتصرة في مقرراتها علي الفقه والتفسير والحديث بل ستشمل المنطق والفلسفة والتاريخ والأديان والنقد التاريخي والعلوم الاجتماعية . فالرجل، وفي معرض الرد علي نص الخبر الذي يتحدث عن وجود موظف أمريكي في المؤسسة التي يديرها هو، وليس الموظف، ردَّ بالحرف: لا أنفي، ولا أؤكد .. مضيفا أنه بالنسبة ل قضية الارتباط بالأشخاص والجهات وإدماجهم في عملية الإصلاح تبقي داخلية ينبغي أن تحل داخل المؤسسة، ولا ينبغي حلها عن طريق الصحافة أو النشر ، و أعتقد أنه ويقصد نشر الخبر إذا لم يضر فهو لن ينفع ... لا فائدة إطلاقا في نقل الموضوع إلي النشر والتجاذبات الصحفية .. المهم هو المؤسسة وليس الأشخاص، والمصلحة هي قبل ذلك مصلحة الوطن ومصلحة المغرب . (التجديد. عدد 16/3/2007).
وواضح أن المدير يريد إقناع المتلقي والرأي العام بأن أي مؤسسة محترمة، أيا كانت في بقاع الأرض، تحترم نفسها كثيرا، عندما يتصرف موظف بالشكل الذي يتصرف به موظفنا الأمريكي المحترم، لولا أنه من باب الألطاف الإلهية أن الرأي العام ليس بالسذاجة التي يتوقعها البعض.
ويبدو أن جرعات السذاجة التي يفترض أن يتوفر عليها الرأي العام المغربي أكبر من الجرعات التي يتصورها مدير دار الحديث، فهذا الأخير، يبقي في نهاية المطاف موظفا لدي وزير الأوقاف، وله بعض العذر في التبرير والمراوغة وعدم تسمية الأمور كما هي، لأن المسألة، كما يعلم جيدا، أكبر من دار الحديث وباقي مؤسسات الإسلام الرسمي في مغرب إمارة المؤمنين، إن لم نقل أنها أكبر من الوزير نفسه، بالصيغة التي جسدتها حيثيات حوار أجري مع هذا الأخير في موقع وزارته علي شبكة الإنترنت.
هذا الشاب المسلم والكلام هذه المرة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية من أذكي الناس الباحثين الذين لقيتهم أثناء إقامتي أستاذا زائرا بكلية الأديان بجامعة هارفارد. وقد كان مساعدا لي في التدريس وسبق أن نشر له كتاب عن المسلمين في شيكاغو. وساعدته في بحثه للدكتورة في موضوع: فكرة العدل عند ابن الباقلاني ومسكويه ، وقد التحق بالتدريس في كلية بولاية أوريغان إلي أن استدعيته ليقيم مدة سنة علي أساس عقدع لكي يعينني خلالها في بعض المهام التي يتطلبها إصلاح دار الحديث في المرحلة الراهنة . (يومية ليكونوميست عدد 14/3/2007).
وفي التقليل من صدمة الإفراج عن الخبر، أكد الوزير أنه من بين مهام دار الحديث الحسنية كما جاءت في ظهير شريف ربط هذه الدار بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وإمكانية الاستعانة بالخبرات الأجنبية لتطويرها ، وأننا، يضيف أحمد التوفيق سنضطر في هذا الإصلاح إلي جلب الخبرات من خارج الدار وطنيا ودوليا في كثير من الأحيان ، وكون الإدارة هي التي تدير، ولكن أعذرها إذا لم تنخرط إلا بقدر تصورها واقتناعها بالإصلاح ، والإحالة هنا علي الإحراج الذي سقط فيه مدير المؤسسة من جهة، وعلي أي اعتراض يمكن أن يصدر عن هذا الأخير، والإحالة أيضا علي العديد من الأساتذة الإسلاميين الذين عارضوا هذا التعيين في الكواليس، دون أن يقدروا علي تصدير تصريحات مسؤولة لوسائل الإعلام، لأسباب ترتبط بقطع الأرزاق.
فيما يتعلق بالمهام التي كُلِّفَ بها الموظف من طرف الوزير، فقد لخصها الحوار في النقاط التالية:
بناء قاعدة معطيات لإنشاء مكتبة متخصصة باللغات الأجنبية بدار الحديث التي أعرفها وإياه في هارفارد؛
إعطاء درس اختياري حول مداخل فكرية في الدراسات الإسلامية لطلبة السنة الثانية بعد الإجازة بدار الحديث باللغة الإنكليزية لكي يستأنسوا لما ينتظر منهم في السنة الموالية من تلقي بعض الدروس بالفرنسية أو بالإنكليزية.
تخصيص ساعات في مكتبه لنصح الطلاب إذا طلبوا توجيهات .
وأخيرا، وهذه جزئية دقيقة جدا، ما دامت تترجم العقلية التي يفكر بها العديد من المسؤولين العرب، ولو أنها تتعلق برد الوزير علي فعل نشر الخبر، ليس إلا، وليس علي التعليقات والقراءات التي صدرت في حق الضجة، حيث أعرب الوزير عن عدم استغرابه من التشككات التي صدرت في بعض الجرائد ، والسبب أننا نعيش في أزمة فكرية تتسم بفقدان الثقة في النفس، وبالتالي فقدناها في الآخرين ، وأن هنالك من عَبَّرَ عن أفكار شخصية لا علاقة لها بمنصبه عندما سمع بقصة الأمريكي ودون معرفة بالمشروع لا من حيث أسباب النزول ولا من حيث المضمون. وقد أشفقوا علينا لأننا قصرنا في الإعلام، كما لو أن كل توظيف في مؤسسة تعليمية يقتضي إقامة ندوة صحافية، سيما إذا كان الموظف أمريكيا، والتوظيف بدار الحديث الحسنية. إن فائدة كل ما ذكر ونشر هو أن عددا ممن لم يعلموا بهذا الإصلاح قد صار ببالهم أننا بصدد القيام بشيء نتحمل فيه مسؤوليتنا الكاملة ونستعين في تدبيره بمن تظهر لنا فائدة الاستعانة به .. إن أمثال هؤلاء يؤلهون أمريكا عندما يحسبونها تتدخل في كل شيء وتصنع كل شيء، ولا سبيل إلي تخلصهم من هذه العقدة إلا بامتلاك الثقافة الكونية، وهو التحرر الذي ننشده لطلبة دار الحديث الحسنية. ولعل في الحملة الحالية بعض امتداد لذلك الإرجاف وإن كان الدافعون إليها من أطراف متشاكسة. إنا لله وإنا إليه راجعون .
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يستشهد بآية قرآنية ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) في معرض دحض أخبار اكتفت بنشر الخبر، ولم تتطرق البتة إلي التبعات الفكرية والمذهبية لحقبة ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ولم تعرج علي الحديث الشهير لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق، دونالد رامسفيلد، عن حرب الأفكار ، المفروض أن تخوضها الإدارة الأمريكية ضد العقل الإسلامي المعاصر، كما أن ذات الأخبار والقصاصات وهي نادرة أصلا لم تتجاوز سقف نشر الخبر، دون الوصول إلي مرتبة نشر قراءات نقدية في الحدث، وبالرغم من ذلك، اختزل الوزير فعل نشر الخبر في الإرجاف و إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولنا أن نتصور طبيعة تعقيب الوزير علي بعض المقالات التي صدرت بعد صدور استجوابه، منها حديث البعض عن كون الطريقة التي أديرت بها ندوة مراكش والغموض الذي لف تعيين الموظف الأمريكي في ذلك المنصب الحساس، بالإضافة إلي ما نشر عن طبيعة المواد التي أقحمت في منهج التدريس بدار الحديث، والجو العام الذي يسود المنطقة.. كل هذا لا يمكن إلا أن يعمق الشكوك في طبيعة الإصلاح المنشود (سعاد فتيحي. من يبدد شكوكنا حول حقيقة الإصلاح الديني في بلادنا؟ المساء ، عدد 23/3/2007)، أو أن حوار الوزير ردا علي صدور الخبر زاد الأمور ضبابية (أسبوعية لاغازيت دو ماروك ، عدد 19/3/2007)، أو ما صدر هذه المرة عن أساتذة دار الحديث، حيث أكد أحد هؤلاء رفض ذكر اسمه طبعا، حتي لا يتعرض لعقوبات جزرية قد تمتد إلي طرده لقد أهاننا الوزير، وأعتقد أن إصلاح المؤسسة يمكن أن ينجز بهذه الطريقة، والإصلاح لا يفرض بل يتم من الداخل، ولم يسبق للوزارة أن استشارت الأساتذة واجتمعت معهم من أجل الحسم في طبيعة الإصلاح . (لوجورنال إيبدومادير. عدد 24/3/2007).
بقي أن نلقي بعض الضوء علي ردود الفاعلين السياسيين، حيث اصطدم نفس الرأي العام بصمت مريب لأغلب الأحزاب السياسية، مقابل خروج محتشم لبعض إسلاميي الساحة، حيث صدر بيان عن حزب البديل الحضاري ، مُعلِنا استنكاره ورفضه لانتهاك حرمة مؤسسة دينية تقوم بدور حيوي لتخريج علماء المغرب ، ومهيبا بكل القوي الوطنية بالتصدي لكل المؤامرات التي تستهدف مقوماتنا الحضارية ومقدساتنا (17)، في حين صدر بيان عن المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح (نواة حزب العدالة والتنمية )، تطرق للعديد من ملفات الساعة، ومنها الجدل الدائر حول تكليف باحث أمريكي بالإشراف علي مشروع لإصلاح دار الحديث الحسنية ، مؤكدا أن إصلاح مناهج التعليم الجامعي الديني هو في الأصل مطلب شرعي وضرورة واقعية تفرضها الحاجة المتواصلة إلي تأهيل الخريجين ، وأن مثل هذا الانفتاح اللازم علي العلوم العقلية ينبغي أن لا يكون علي حساب متانة التكوين الشرعي في علوم القرآن والحديث كما وكيفا، وأن من ضمانات إصلاح من هذا الحجم اعتماد مقاربة تشاركية وتشاورية من المعنيين بالإصلاح إدارة وأساتذة وطلابا وأهل الاختصاص باعتبار ذلك من أهم ركائز أي إصلاح ناجح .
وبَدَهِي أن المقاربة التشاركية التي يتحدث عنها البيان في هذا الصدد كانت غائبة بالمرة، في مبادرة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما أكد علي ذلك مدير وأساتذة المؤسسة.
بالنسبة لجماعة العدل والإحسان ، فإن الدائرة السياسية للجماعة في غني عن إصدار بيان توضيحي بخصوص الضجة، لاعتبارات عدة، يختلط فيها ما هو جلي ومضمر، فالجماعة غير معترف بها رسميا، ولكن، عدم الاعتراف بها يغذي الانتقادات التي تحررها ضد الدولة ككل، وضد مؤسساتها، ومنها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
فيما يتعلق برموز الطرق الصوفية، وحتي تحرير هذه الكلمات، فقد انفردت يومية الأحداث المغربية المقربة من الدوائر الأمنية بنشر خبر عن مذكرة تاريخية وجهها النقيب المحامي علي بن الغالي الريسوني، أحد رموز الزاوية الريسونية في المغرب، إلي وزير الأوقاف حول الشأن الديني بصفة عامة، وحول ما تم فضحه أخيرا من تعيين أمريكي مديرا أكاديميا لدار الحديث الحسنية. وقد وجهت النسخة الأصلية من المذكرة للمستشار الملكي عباس الجراري . ( الأحداث المغربية ، عدد 22/3/2007).
يبقي التساؤل عن صمت الأحزاب السياسية الذي يبعث علي الدهشة بحق، ولا تخرج أسباب هذا الصمت عن حسابات ساس ويسوس ضد الحركات والأحزاب الإسلامية، والمثير، أن نفس الأحزاب، ومعها الأقلام المقربة من الدوائر الأمنية ومؤسسات صنع القرار (في القصر الملكي) أقامت دنيا الإعلام ولم تقعده علي هامش ضجة فتوي الشيخ يوسف القرضاوي الشهيرة التي أفتي فيها للمغاربة ب جواز الاقتراض الاضطراري من أجل السكن من البنوك الربوية في المغرب ، وكانت إحدي أدلة هذه الأقلام في معرض التهجم علي الشيخ القرضاوي، رفض تدخل فقهاء مشارقة للإفتاء في شؤون مغربية.
حدث هذا مع شيخ ومرجع فقهي كبير في العالم الإسلامي، واليوم، طبق جميع هؤلاء الصمت مع باحث أمريكي أقر أمام الملأ أنه جاء بناء علي طلب من الوزير المغربي ، واعترف علي الخصوص بأن ما يقوم به في المغرب هو أمر سياسي .. لأنه أمر مركزي بالنسبة لحملة الملك محمد السادس للحد من التطرف خاصة بعد تفجيرات الدار البيضاء .
شاءت الأقدار الإلهية أن يتزامن تاريخ الضجة مع صدور ملف في أسبوعية لوجورنال إيبدومادير يعالج ما وصفته بالعداء المغربي للإدارة الأمريكية، ولعل المتتبع المغربي يتذكر أصداء المعارضات الشعبية التي قوبلت بها زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة لبعض دول أمريكا اللاتينية.
ومعلوم أن رموز المعارضة الأمريكية في دول أمريكا اللاتينية محسوبة علي التيار اليساري وما تبقي من أتباع الثوري تشي غيفارا، ومُمَثِّلي العولمة البديلة ، فكيف يكون الحال مع رأي عام في دولة عربية إسلامية، من جهة، وفي قطاع يهم الحقل الديني من جهة ثانية، والأدهي، في بلد يتميز عن باقي الدول العربية الإسلامية بوجود منظومة إمارة المؤمنين.
بالعودة إلي ما جاء في ملف الأسبوعية المغربية، نقرأ مثلا مطالب بضرورة إعلان الحرب علي العدو الأمريكي حسب خالد السفياني، منسق المجموعة الوطنية لمساندة المقاومة في العراق وفلسطين وأن الشعوب العربية تشعر بنوع من الاحتقار من جراء ممارسات الإدارة الأمريكية ، بتعبير عبد الحميد أمين، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (لوجورنال إيبدومادير. عدد 24/3/2007)، وهناك تفكيك رصين لمفهوم الاحتقار، نطلع عليه في الكتاب القيم الذي أصدره الفيلسوف المجدد طه عبد الرحمن، والذي يستخلص أن الفكر الأحَدي فكر بلا أمة و فكر بلا أخلاق و فكر بلا إنسان ، وأنه أخيرا، فكر مبني للمجهول، إذ يَدَّعي الانفراد بإفادة جميع الأمم من غير وجود أمة محدَّدة تنسبه إلي نفسها . (انظر: طه عبد الرحمن. الحق العربي في الاختلاف الفكري. المركز الثقافي العربي. بيروت. الدار البيضاء. 2005 هامش ص 190).
وأخيرا، وقطعا ليس آخرا، لأننا بصدد مفارقة مثيرة، لأن تاريخ صدور الخبر لأول مرة في المنابر المغربية (يوم 26 شباط (فبراير) 2007)، كان أيضا تاريخ صدور مقال للباحث المغربي يحيي اليحياوي علي صفحات هذا المنبر بالذات، وجاء تحت عنوان السفير الأمريكي بالمغرب... حاكما مدنيا؟ ، ونقرأ في المقال أن السفارة الأمريكية بالمغرب إنما باتت تتصرف في البلاد والعباد، علي شاكلة ما كان يقوم به المقيم العام طيلة سنين الحماية الفرنسية علي المغرب ، مستشهدا بالعديد من الأمثلة التي تُزَكِّي ما ذهب إليه، منها ما صدر عن السفيرة الأمريكية السابقة مارغريت تيتويلر، والتي، وفي أعقاب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001، مارست ضغوطا موازية بجهة دفع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلي لجم خطباء الجمعة، وثنيهم عن مناهضة السياسات الأمريكية والإسرائيلية بفلسطين والعراق وأفغانستان، فتتحول ذات الخطب، بالمحصلة، إلي مواعظ في الدين، ونصائح مكتوبة من بين أروقة الوزارة، دون الخطباء ودون اعتمادها الطرد والتشريد... وقد تم طرد العشرات ممن لم يرضخوا في عهد الوزير السابق .
نحن لا نتهم الوزير بالانصياع للمقررات/الأوامر الأمريكية، ونؤمن أشد الإيمان كما أشار في الحوار الذي أجري معه ببؤس الفكر الذي يكاد يؤله الإدارة الأمريكية، ولكننا في المقابل، نورد هذه الملاحظات من باب المسؤولية ما دام الصمت سيد مواقف أغلب المثقفين والباحثين ومن باب التنبيه من أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه دار الحديث الحسنية في مغرب إمارة المؤمنين، دار أمريكا للحديث .
العاقبة للمتقين، ولمن يؤسس عملا ينفع الناس.

* كاتب من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.