كشفتْ ندوة مراكش، التي نظمتها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية حول موضوع مضامين الدراسة بدار الحديث الحسنية جزءًا من خطوات إصلاح التعليم الديني بالمغرب وفق التوجيهات الأمريكية حيث أشرف على اللقاء باحث أمريكي عينه وزير الأوقاف والشئون الإسلامية أحمد التوفيق مديرًا أكاديميًّا لدار الحديث الحسنية. واشتغل المشاركون، من أمريكا وفرنسا وإندونيسيا ورؤساء مجالس علمية بالمغرب، في أربع ورشات وهي: ورشة العلوم الشرعية وورشة الفكر والتاريخ الإسلاميان وورشة العلوم الإنسانية والاجتماعية وورشة الأديان المقارنة لصياغة مشروع إصلاح المؤسسة الدينية. واعتبر وزير الأوقاف والشئون الإسلامية أحمد التوفيق - بحسب الجزيرة-الحِراك الإعلامي حول موضوع إشراف باحث أمريكي على تحديث مناهج الدراسة بدار الحديث الحسنية، التي استحدثت منذ 1968م، لدراسة القرآن والحديث والعناية بالعلوم الشرعية وتخريج العلماء، من قبيل: "الأراجيف"، ووساوس لا أصلَ لها. وحول قصة إشراف باحث أمريكي على تحديث مناهج الدراسة بمؤسسة تعنى بالتكوين الشرعي، بادر مجموعة من العلماء، مشهود لهم بثقلهم العلمي في المغرب، للاعتراض على التحديث الجديد، ومن بينهم الدكتور طه عبد الرحمن، رئيس منتدى الحكمة للباحثين والمفكرين، الذي ذكرت مصادر مطلعة أنه خرج متذمرًا من لقاء مراكش وما يراد لدار الحديث الحسنية أن تكون عليه. وهو الاستياء الذي عبَّر عنه أيضًا كلٌّ من الدكتور عباس الجراري، مستشار الملك، والدكتور محمد يوسف، رئيس جمعية قدماء خريجي دار الحديث الحسنية، وفق ما نشرته يومية "المساء" المغربية في أعداد متلاحقة بداية شهر مارس الماضي. كما أن ثلةً من الأساتذة المدرسين بالمؤسسة لم يخفوا استياءهم الشديد من المسار الذي تسير إليه المؤسسة بحجة الإصلاح؛ حيث يراد لها أن تتحول إلى "مؤسسة لدراسة الكهنوت، وجعل الوحي الإسلامي مجرد فكر يوضع جنبًا إلى جنب مع المعتقد اليهودي والبوذي والمسيحي، كما يتم تدريس سيرة محمد- عليه الصلاة السلام- إلى جانب بعض الشخصيات العالمية مثل بوذا، إضافةً إلى أن المراجع التي تم اعتمادها لتعليم الطلبة اللغة الفرنسية والإنجليزية تضم صورًا فاضحةً لا تحترم أهداف المؤسسة"، حسب ما صرَّح به أحدهم، وفضل عدم ذكر اسمه. اعتراض بعض العلماء حول التحديث الجديد لمؤسسة تمثل إلى جانب جامعة القرويين أهم المؤسسات الشرعية بالمغرب، دفع وزير الأوقاف والشئون الإسلامية أحمد التوفيق، إلى محاولة تقديم توضيحات ودفوعات في حوار تم إعداده لهذا الغرض، ونشر في موقع الوزارة على الإنترنت. وقال الوزير إن: "هذا الشاب المسلم من أذكى الناس الباحثين الذين لقيتهم أثناء إقامتي أستاذًا زائرًا بكلية الأديان بجامعة هارفارد، وقد كان مساعدًا لي في التدريس، وسبق أن نُشر له كتاب عن المسلمين في شيكاغو. وساعدته في بحثه للدكتوراة في موضوع: "فكرة العدل عند ابن الباقلاني ومسكويه"، وقد التحق بالتدريس في كلية بولاية أوريكَان إلى أن استدعيته ليقيم مدة سنة على أساس عقده لكي يعينني خلالها في بعض المهام التي يتطلبها إصلاح دار الحديث في المرحلة الراهنة. وأضاف الوزير أنه كلَّف الباحث الأمريكي بأمور ثلاثة: بناء قاعدة معطيات لإنشاء مكتبة متخصصة باللغات الأجنبية بدار الحديث على غرار مجموعة Canthwell Smith، التي أعرفها وإياه في هارفارد، وإعطاء درس اختياري حول مداخل فكرية في الدراسات الإسلامية لطلبة السنة الثانية بعد الإجازة بدار الحديث باللغة الإنجليزية لكي يستأنسوا لما ينتظر منهم في السنة الموالية من تلقي بعض الدروس بالفرنسية.. وتخصيص ساعات في مكتبه لنصح الطلاب إذا طلبوا توجيهات". يضيف الوزير: وقد كلفته، نظرًا لكثرة مشاغلي بتحضير لقاء مراكش، واتبع في تحضيره توجيهاتي في كل الجزئيات، ولكي يراسل المدعوين اقترحت عليه صفة أكاديمية لا بد منها، وقد ابتدأت هذه الصفة الشكلية ببداية تحضير اللقاء وانتهت بانتهائه". وعن اعتراض بعض الشخصيات المعروفة عن تكليف هذا الباحث الأمريكي بعملية الإصلاح، قال الوزير لموقع وزارته: "هنالك من عبر عن أفكار شخصية لا علاقةَ لها بمنصبه عندما سمع "بقصة الأمريكي" ودون معرفة بالمشروع، لا من حيث أسباب النزول ولا من حيث المضمون، وقد أشفقوا علينا لأننا قصرنا في الإعلام، كما لو أن كل توظيف في مؤسسة تعليمية يقتضي إقامة ندوة صحفية، سيما إذا كان الموظف أمريكيًّا، والتوظيف بدار الحديث الحسنية". ولم يخفِ الوزير أن يوجه خطابه إلى المعترضين على قراره بما يشبه الإشفاق: "إن فائدة كل ما ذُكِر ونُشر هو أن عددًا ممن لم يعلموا بهذا الإصلاح قد صار ببالهم أننا بصدد القيام بشيء نتحمل فيه مسئوليتنا الكاملة ونستعين في تدبيره بمَن تظهر لنا فائدة الاستعانة به.. فجزى الله الغيورين المشفقين على نواياهم السخية، ولو تصرفت هذه الغيرة قبل اليوم لحالت دون وقوع الحال التي تردت إليها الدار خلال عقود ولكفتنا مشقة القتال". وأعلن الوزير أنه: "كنا نعمل في الظل لصيانة هذا الإصلاح من التشويش حتى يشتد عوده، إلى أن أُثيرت قضية صديقي الأمريكي، رزقه الله الصبر وحسن الثواب، وعلى كل حال، فقد وقعت بقضيته دعاية لا بأس بها لهذا الإصلاح"... انتهى كلام الوزير المغربي. لكن المتابعين لعملية الإصلاح الجديد للمؤسسة الدينية يلاحظون أن الأمر لا يتعلق بأمر توظيف مسئول أجنبي في مؤسسة شرعية، بل هو مدعاة لطرح مجموعة من التساؤلات تهم الدعم المالي السخي لعملية الإصلاح، وطبيعة اللقاءات التي يعقدها الوزير خارج المؤسسة بإحدى الشقق بأكدال (أحد الأحياء الراقية بالرباط)، بعيدًا عن مقر المؤسسة ودون علم مديرها الحالي الدكتور أحمد الخمليشي، الذي عبَّر عن استيائه من التهميش الذي لحقه. وأفاد أحد الأساتذة المتابعين للملف أن الإصلاح الجديد للمؤسسة يستفيد من إمكانيات مالية مغرية لا طاقةَ للوزارة بها، وهي التي تستنجد بتبرعات المحسنين لإنشاء المساجد وترميمها؛ حيث يستفيد الطلبة من منحة 2000 درهم شهريًّا في حين يُخصص للطلبة في المؤسسات الجامعية الأخرى 450 درهمًا منحةً فقط. وأضاف مصدر آخر: أن هذا الإصلاح يتماشى مع المشروع الخاص بتكوين الأئمة والخطباء بالمنظور الجديد، الذي تقوم به الوزارة أيضًا، إذ يمنح المتدربين فرصةً ومنحةً ليصبحوا أئمة وخطباء تُقدَّر ب2000 درهم، في حين يتقاضى الأئمة والخطباء الموجودين حاليًا مبلغًا يناهز750 درهمًا في الشهر فقط. وبين الاعتراض والتوضيح يخشى المتابعون لعمليات الإصلاح الجديدة للمؤسسات الشرعية بالمغرب أن تكون بدايةً لمسلسل التدخل في مناهج التعليم الديني بالمغرب، خاصةً مع تداول أنباء تؤكد نية الوزارة في ضم جامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم، وإخضاعها للرؤية الجديدة في الإصلاح. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة دار الحديث الحسنية استحدثت بموجب المرسوم الملكي رقم 187.68 بتاريخ 11 من جمادى الأولى 1388ه (6 أغسطس 1968م) بالرباط، ويعهد إليها بمهمة تكوين العلماء والباحثين في مجال الدراسات الإسلامية العليا المتخصصة والمعمقة، وقد أوقفها أحد المحسنين لخدمة القرآن والحديث.