أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الأربعاء 25 يونيو 2025    الشهر المقبل.. موعد الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» ومقدم جدية الحجز وأماكن الوحدات    السوبر جيت تعلن فتح خط الساحل الشمالي بدءًا من اليوم    الكهرباء: مشروعات الطاقة المتجددة أضافت 2000 ميجاوات قبل الصيف    الاستخبارات الأمريكية: نووي إيران لم يدمر    مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إيران لاستئناف عمليات التفتيش عقب وقف إطلاق النار    إسبانيا تواجه انتقادات أوروبية وأمريكية بسبب تدني إنفاقها الدفاعي    الأهلي أم الزمالك؟.. أسامة فيصل يفاجئ الجميع بشأن وجهته المقبلة    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في المنوفية بالاسم ورقم الجلوس.. موعد الاعتماد الرسمي    بعد غياب 9 سنوات.. شيرين عبدالوهاب تستعد لإحياء حفل ختام مهرجان «موازين» بالمغرب    أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    تامر عاشور يحيي حفل مهرجان «موازين» ب«بالعكاز» والجمهور يستقبله بالزغاريد المغربية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 25 يوينو 2025    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    الجيش الإسرائيلي: مقتل ضابط و6 جنود في معارك جنوبي قطاع غزة    جيروم باول: الفيدرالي غير مستعد بعد لتخفيض أسعار الفائدة    أخبار فاتتك وأنت نايم| قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    «بريكس» تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    إعلان النتيجة النهائية لعضوية مجلس إدارة البورصة    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    روسيا: واشنطن وتل أبيب تنتهكان معاهدة حظر الانتشار النووي وحق طهران في الطاقة النووية السلمية    بالأعلام واللافتات.. جماهير الترجي تدعم فلسطين خلال مباراة تشيلسي في مونديال الأندية (صور)    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    حملات مسائية وفجرية على المخابز البلدية والمنافذ التموينية بالإسكندرية    واشنطن تفتح سفارتها في القدس اليوم مع انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران    انتشال سيارة ملاكي ابتلعها هبوط أراضي بشكل مفاجئ في التجمع    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    السيطرة على حريق سيارة نقل محمّلة بالتبن بالفيوم دون إصابات    هي ولا ذكاء اصطناعي؟.. صورة لعبلة كامل تثير الجدل على مواقع التواصل    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام استقلال الدول وسيادتها    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    مصرع وإصابة 8 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري الأوسطي في حلوان    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورة الحج.. منهجيات في الإصلاح والتغيير
نشر في الشعب يوم 17 - 01 - 2012

لقد شدَّني كثيرا في سورة الحج هذا الكمّ الهائل من الحديث عن النصر والنصرة للمؤمنين، وحجبهما عن الظالمين، وكأن مشاعر الحج رغم أن السورة اسمها الحج تأتي في معرض الأسباب للوصول إلى هذه النتيجة وهي تحقيق النصر والشهادة على العالمين، ويبدو ذلك من الأدلة التالية:
جاء في أول سورة الحج قوله –سبحانه وتعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" -الحج: 1- وآخر السورة قوله –سبحانه وتعالى-: "فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" -الحج: 78-، وكأن تقوى الله وهي مقصد أساسي من الحج لقوله –سبحانه وتعالى-: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ" -الحج: 37-، هي السبيل إلى تحقيق الولاية من الله للمؤمنين والنصرة لهم على الكافرين الظالمين.
ثانيًا: الإذن بالقتال بعد آيات الحج مباشرة:
ليس ثمة فاصل بين آيات الحج وآيات الدفاع عن الذين آمنوا والإذن بالقتال، فبعد الحديث عن أذان سيدنا إبراهيم عليه السلام بالحج وأداء المناسك في أيام معلومات، وإطعام البائس والفقير، والقانع والمعتر، والطواف بالبيت العتيق، وسوْق الهدي، تأتي الآيات مباشرة تنقل المسلمين من شعائر الحج إلى ميدان الجهاد والقتال في النصف الثاني من السورة، حيث يقول –سبحانه وتعالى-"إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ".
وكأن هذا هو الطريق الوحيد حج وجهاد لنصل إلى قوله –سبحانه وتعالى-: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"-الحج : 41-، وأنه لا خوف من تكذيب المكذبين، وقوة العدد والعدة عند الكافرين، لأن الحقائق التاريخية تؤكد هلاك قوم كانوا أشد منهم قوة، فتأتي الآيات تزيل من نفوس المؤمنين أي خوف من الاستعداد للقتال، ومقارعة الأبطال مهما كانت قوتهم في العدد والعدة والنزال، فيقول –سبحانه وتعالى-: "وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ " -الحج : 42 : 45-، ويؤكده أيضا بقوله –سبحانه وتعالى-: "وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ" -الحج : 48-.
ولا يتوقف هذا الإهلاك والأخذ بشدة في الدنيا، بل هو في الآخرة أشد وأنكى، حيث يقول –سبحانه وتعالى-: "وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" آية: 51.
ويقول –سبحانه وتعالى- أيضا: "وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ" -آية: 55-، ومنه قوله –سبحانه وتعالى-: "قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" آية: 72.
على أن الأشد في السورة كلها هو ذلك الوعيد السابق على آيات الحج والجهاد معا لهؤلاء الكافرين الظالمين في قوله –سبحانه وتعالى-: "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ." –الآيات: 19 إلى 22- ، وهي آيات تشيب لها بحق رؤوس المؤمنين الصادقين وهم كما قال –سبحانه وتعالى-: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ" -المؤمنون : 60-، غير أنها تورثهم احتقارًا لقوة الظالمين، ويقينًا بقوة الملك الحق المتين.
وردت كلمة النصر والنصرة في السورة 7 مرات، بيانها كما يلي:
الموضع الأول: "مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" – آية: 15-،
وهي تجتث كل بذور الشك بنصر الله للمؤمنين، وخذلانه للكافرين ليذهب غيظ المستضعفين، ويشفي صدور قوم مؤمنين، حيث لا يوجد أدنى سبب، ولا أثارة من علم أن الله تبارك وتعالى لن ينصرنا في الدنيا والآخرة.
الموضع الثاني: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" – آية:39-. والملاحظ أن هذه الآية التي كانت الشرارة الأولى بإطلاق الإذن بالقتال للمؤمنين قد جاءت بين ضمانات النصر المبين، حيث سبقتها الآية: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" -آية: 38- ، وذيلت الآية نفسها بقوله –سبحانه وتعالى-: "وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" وقد جاءت بأعلى درجات التوكيد الرباني في اللغة العربية وعاء القرآن، ولكي أبيِّن هذه النقطة أورد هذا التحرير اللغوي.
وفي الجدول التالي بيان لدرجات التوكيد في الآية:
درجة التوكيد
اللفظ
نوع التوكيد
الأولى
الله قادر على نصرهم
الخبر إذا جاء من الله فهو عين اليقين
الثانية
الله قدير على نصرهم
الصفة المشبهة "قدير" أقوى وأبلغ من اسم الفاعل "قادر"
الثالثة
إنَّ الله قدير على نصرهم
التوكيد بإنَّ
الرابعة
إنَّ الله لقدير
التوكيد "باللام" قبل الخبر "لقدير"
الخامسة
"وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"
تقديم النصر ليكون بين اسمه تعالى "الله" وصفته الدائمة "قدير"
وباستقراء كل آيات القدرة لا نجد في القرآن كله مستوى من هذا التوكيد بأعلى درجاته كما ورد هنا بعد الإذن بالقتال مباشرة، الذي جمع هذه المؤكدات الخمسة التي تربط على القلوب شجاعة، وعلى النفوس عزة، وعلى الأبدان مرابطة، وعلى العقول إقداما، وتنتزع كل صور الخوف والفزع، والجبن والهلع، وتحركهم لمواجهة أصحاب الكفر والطغيان.
الموضع الثالث والرابع: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" – آية:40-.
والعجيب في هذه الآية أن الله قدم وعده بالنصر على فعل العبد لنصرة دينه، قبل أن يتحرك لنصرة دين الله تعالى، قدم له الوعد المؤكد بأنه سينصره إذا قام بنصرة دينه.
أما عناصر التوكيد في هذه الآية فقد جاءت في أعلى درجات التوكيد في الجملة الفعلية، فقد جاء الفعل "ينصر" مسبوقا بلام التوكيد، ومختوما بنون التوكيد الثقيلة "ولينصرنَّ" مع الشدة المفتوحة التي تدل على إحكام القبضة على أعداء الله –عز وجل-، ثم لفظ الله وحده كافٍ لليقين بكمال النصرة، ثم ختام الآية "إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" جاء بتوكيدات جديدة، أولها حرف "إنَّ" الذي يفيد التوكيد. ولفظ الله صاحب الكمال والقدرة المطلقة، ولام التوكيد التي دخلت على الخبر "لقوي"، ثم اقتران القوي بالعزيز، وهو اقتران لم يحدث في القرآن كله بهذا التوكيد وتكرر مرتين في ختام هذه الآية، أيضا والآية "مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" – آية: 74- ، حيث لم يتكرر في أية سورة من القرآن كله هذا الاقتران بين "إنَّ" و"اللام" المؤكدة في أي موضع كما جاء هنا. وقد فصَّلتُ في الخصائص الفريدة لسورة الحج في الفرق بين اجتماع القوي العزيز بهذه السورة عن غيرها من السور، فليُرجع إليها حتى تتشبع النفس بقوة العزيز الجبار سبحانه وتعالى قبل وأثناء منازلة هؤلاء الكافرين.
الموضع الخامس: "ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ" آية:60.
أتى النصر هنا أيضا في أعلى درجات التوكيد للفعل، حيث جاءت لام التوكيد قبل الفعل، ونون التوكيد الثقيلة، والنصر الحق بالمفعول به وهو المقاتل الذي عاقب بمثل ما عوقب به، ثم بغي عليه، على أن أعلى درجات التوكيد هنا هو الفاعل "الله"، ثم تذيل الآية "إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ"، حتى يُطَمئن المؤمنين المقاتلين الذي ينتصرون من بعد ما ظلموا، ويريد أن يعاقب بمثل ما عوقب به، فإن تمادى قليلا في عقوبة هؤلاء الظالمين فإن الله عفو غفور، مما يسلب سخائم النفس التي قد تتردد في الانتصار من الباغين، ودقة القياس في قوله –سبحانه وتعالى: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ" النحل : 126.
الموضع السادس: "وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ" الآية:71.
هذه الآية فريدة في موضوع النصرة، حيث لم تجري مثل بقية الآية في وعد المؤمنين بالنصر، وإنما جاءت بشكل آخر وهو تجريد الظالمين من أدنى درجات النصرة، وقد جاءت أيضا في أعلى درجات التوكيد، فكلمة "نصير" نكرة جاءت في سياق النفي، وسبقت النكرة بحرف "من" لنفي الجنس، والقاعدة اللغوية الأصولية تقول: "النكرة في سياق النفي تعم"، فالنصرة هنا منعدمة سواء من الله، أو ممن يظنهم الظالمون أنصارًا وأعوانًا، كما قال –سبحانه وتعالى: "وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ" البقرة : 270، وقال –سبحانه وتعالى-:"وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" التوبة : 74، وقوله –سبحانه وتعالى-: "وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" الشورى : 8.
والخلاصة أن جنس النصرة في الأرض والسماء محجوب عن هؤلاء الظالمين الأعداء، فأي بيان أوضح من ذلك يُطمْئن المجاهدين الأتقياء؟!
الموضع السابع:} وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" آية:78.
في ختام هذه السورة العظيمة، يأتي هذا الختام القوي المتدفق، حيث تجمع الولاية والنصرة للمؤمنين في كلمة: "هُوَ مَوْلَاكُمْ"، ثم مدح هذه الولاية والنصرة في كلمة: "فَنِعْمَ الْمَوْلَى"، وتكرارها: "وَنِعْمَ النَّصِيرُ" ، وهي تؤكد قوله –سبحانه وتعالى-: "وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً" -النساء : 45-.
وهذا التكرار لمدح الولاية والنصرة من الله لم يتكرر في القرآن الكريم إلا مرتين، هنا في هذه السورة والآخر في سورة الأنفال في قوله –سبحانه وتعالى: "وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" -الأنفال : 40-.
أحسب أن الله العليم الخبير أتى بهذه المؤكدات القوية الشديدة العتيدة الفريدة لعلمه سبحانه بترددات النفس، وتقلبات القلب، ووساوس الشيطان التي تجعل الإنسان يتردد في الإقدام لنصرة دينه، فيركن إلى الإحجام، ويتخوف من الإقدام لنصرة دين الله وحماية أرضه ووطنه وعرضه ومقدساته، فجاءت هذه المواضع السبعة شعائر الحج لتؤكد وتقرر أن الحج ما لم يفضِ إلى الجهاد والقتال دفاعًا عن دين الله وتمكينًا للحق وأهله، فإنه يكون حجًا شكليًا مبتورًا عن مقاصده العليا، وغاياته الكبرى، ومآلاته العظمى.
لعل فيما سُقْتُ من أدلة على اليقين بنصر الله المتين تعتبر أعلى درجات الوضوح، لكن ثمة نصوص أخرى تؤكد هذا المعنى بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي المنهجيتين التاليتين ما سوف يؤكدها بإذن الله عز وجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.