احتفت صحف عربية بنسختيها الورقية والإلكترونية بقرار السلطات السعودية السماح لأول مرة للمرأة بالسفر دون الحاجة إلى موافقة ولى الأمر، ضمن حزمة من التعديلات المتعلقة بالولاية على المرأة. ورأى معلقون أن التعديلات جزء من "خيار الإصلاح" الذي تنتهجه المملكة مؤخراً بينما اعتبرها آخرون رسالة سياسية للمنظمات الدولية التي تنتقد وضع المرأة في السعودية. وتسمح التعديلات الجديدة أيضاً للمرأة ولأول مرة بالتبليغ عن المواليد حالها حال الرجل وتسجيل الزواج أو الطلاق والحصول على سجلات أسرية، كما تمنحها أيضاً الحق في الوصاية على الأبناء القصر. "أزهى" عصور المرأة جاء العنوان الرئيسي لصحيفة الجزيرة السعودية "تمتعي بكامل حقوقك يا ابنة الوطن"، كما قالت صحيفة الرياض "الدولة تعزز حقوق المرأة". اقرأ أيضا: افتتاح "ديسكو حلال" في جدة.. الحداثة على مذهب "ابن سلمان" وفي صحيفة عكاظ السعودية، كتب يحيى الأمير: "ملف الولاية كان لحظة من الماضي لا مكان له في الحاضر، القوامة والولاية شأن عائلي منزلي لا علاقة للدولة به ومؤسسات الدولة معنية بما قد ينتج عن مختلف العلاقات الاجتماعية من أخطاء تؤدي لمخالفة القوانين فقط". وأضاف الكاتب: "الذي يحدث اليوم تخلص من الأخطاء التي طالما انشغلنا بها عن المستقبل والبناء والعمل والتنمية والاستمتاع بالحياة. إنها ملفات أزمنة المعارك المفتعلة وفكر الوصاية والأفكار المتشددة التي كانت تؤثر في الحياة اليومية". وأشادت هبة عبد الفتاح في صحيفة أخبار اليوم المصرية بالقرارات التي اتخذتها السعودية إذ "تعيش المرأة السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز أزهى عصورها ليحق التعبير أن نقول أنها تعيش في 'العصر الذهبي'". وأضافت الكاتبة: "أصبح للنساء السعوديات دور فعال في المجتمع، وباتت المرأة تحصل على حقوقها مثل الرجل". وأشار عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية إلى أن "السعودية اليوم غير السعودية بالأمس، وها هي آخر الصفحات تُطوى بالقرارات الشجاعة الجديدة بإلغاء جملة من القوانين التي تسيدت المشهد المحلي. أربع سنوات أنهت ثلثي قرن من مظاهر وتقاليد اجتماعية وقوانين حكومية كانت معوقات للتطور، والحياة الطبيعية، والعمل، والعلاقات الاجتماعية". وانتقد الكاتب "الحملة الشرسة على السعودية، وعلى ولي العهد شخصياً"، مشيراً إلى أنها "تعجز عن فهم أولويات الشعب السعودي، وهي لا تدرك أهمية التغييرات الكبيرة التي تحدث داخل السعودية والتي ستؤثر إيجابياً في محيطيها العربي والإسلامي". إصلاح مزيف القرارات السعودية جاءت بعد سنوات طويلة من الضغوط ومطالبة المنظمات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان...ما ينهي جزءا من قيود مثيرة للجدل تسبّبت بانتقادات وبمحاولات فرار من المملكة. اقرأ أيضا: فضيحة جديدة لشقيقة محمد بن سلمان.. تعرف عليها مع كل قانون جديد تمرره الرياض ينقسم المجتمع السعودي بين مرحب وساخط، فتسييس الدين والعزلة التي عاشها الشعب على مدار عقود، دفع بالتغيير الجذري وغير المنضبط فيها إلى حالة من الصدمة والاستغراب، مع وجود قبول وترحيب من جهات فيه. الإصلاح الذي روج له الإعلام الخليجي -أو الممول خليجيا- لم يتحدث عن وقائع دامغة وحاصلة، فالمملكة التي تهتم بأحوال المرأة، هي نفسها التي تعتقل نساء أخريات مثل لجين الهذلول، ويجري تعذيبهن بصورة تتنافى مع الأديان والقوانين والأعراف. الإعلام الغربي كان لديه بعض الحيادية فيما يتعلق بهذا الموضوع- أو على الأقل الصحف التي لم تقع بعد تحت طائلة أموال محمد بن سلمان- صحيح إنه لم يتحدث عن أحوال أمثال لجين الهذلول في معتقلات المملكة في معرض حديثه عن تلك الإصلاحات، لكنه لم ينجرف بعد إلى "التطبيل" للقرارات وتناسي حقيقة أن المملكة مثل باقي دول المنطقة ما هي إلا سجن كبير لا مكان فيه إلا لمن يضلل ويزيف وينافق ويدلس ويسرق. ماذا عن لجين وأخواتها؟ يقول وليد، شقيق لجين الهذلول إنها تحب أن تسأل دوماً؛ «لطالما أشارت، خلال نشأتها، إلى النفاق الذي يحيط بنظام القيادة في السعودية، ساعيةً إلى أن تفهم لماذا يُحظَر على السيدات القيادة. ظلت تتساءل». اقرأ ايضا: دبلوماسي سعودي: الحرب مع إسرائيل انتهت.. والملك سيمول صفقة القرن لكن حين أُوقِفَت لجين، التي تبلغ من العمر الآن 29 عاماً، حين كانت تقود بالإمارات في شهر أبريل 2018، وأُعيدت إلى السعودية، يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، شَرَع حكام المملكة في بذل آخر جهود بسلسلة من الجهود الوحشية المتزايدة لإسكاتها. تقول لجين إنها احتُجِزَت ثلاثة أيام، وبعدها أُطلق سراحها، ثم اعتُقِلَت من منزل أسرتها في الرياض. وقالت إنَّ عينيها عُصِبَتا، وأُلقِيَت في صندوق السيارة، وأُخِذَت إلى مركز اعتقال وصفته ب «قصر الرعب» حيث تعرضت للتعذيب والتهديد بالاغتصاب والقتل. وهي محتجزة الآن أكثر من عام. واعتُقِلَت لُجين ومعها 10 سيدات أخريات في حملة تمشيط استهدفت النساء الجريئات اللاتي دافعن عن حقهن في قيادة السيارات. وشملت الاعتقالات ناشطات مخضرمات مثل عزيزة اليوسف، والمُدوِّنة إيمان النفجان وشكَّل هذا ذروة ما وصفته جماعات حقوق الإنسان ب «العام المخزي» للسعودية؛ إذ استُهدِف خلاله شيوخ وناشطون وصحفيون وكُتاب. وأحيلت 11 سيدة إلى المحاكمة بتهمة «النشاط المنسَّق لتقويض الأمن، والاستقرار والسِّلم الاجتماعي في المملكة»، وكذلك اتهامات بالتواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب. وخرجت 7 منهن بكفالة في وقت سابق من العام الحالي، لكن شقيق لُجين يقول إنَّ عائلتها لا تتوقع أن يحدث معها الشيء نفسه. في حين يقول مراقبون إنَّ لجين الهذلول تحديداً تعرضت لمعاملة سيئة بالسجن، لكونها ناشطة نسائية رائدة، ولأنه يُنظر إلى نضالها على أنه صفعة على وجه رواية المملكة بأنَّ التغيير لمصلحة النساء يجب أن يأتي من رأس الدولة. ومع المماطلة في عقد المحاكمة، لا يعرف أحد على وجه التحديد إلى متى ستبقى لجين في السجن. مستشار بن سلمان هدد لجين بالقتل والاغتصاب وقال وليد إنَّ سعود القحطاني، المستشار السابق سيئ السمعة لولي العهد محمد بن سلمان، زار لجين الهذلول في محبسها، للإشراف على تعذيبها. وأضاف وليد: «حضر إحدى جلسات (التعذيب)، وقال لها: سأقتلك، سأمزقك أشلاءً، وألقي بك في نظام الصرف. لكن قبل ذلك سأغتصبك». وتابع وليد أنَّ لجين أشد قلقاً على مصير السيدات خارج السجن من مصيرها. وقال وليد: “وحتى حين كانت في السجن، ورغم أنها لم تشهد بنفسها السيدات وهن يُسمَح لهن بالقيادة في السعودية، ظلت تسألني عن ماهية شعور السيدات هناك، وهل يتمتعن بحق القيادة. كانت تفكر فيهن رغم أنها في السجن، ولم يكن ذلك الوقت المناسب للتفكير في الآخرين». وأضاف: «هي لا تستسلم أبداً، وتؤمن بالحقوق الأساسية. وهي تفكر دوماً في الآخرين. هذه هي طبيعتها: تهتم بالآخرين أكثر مما تهتم بنفسها». من جانبها، قالت روضة خان، صديقة لجين الهذلول منذ أن التقتا في جامعة بريتش كولومبيا بمدينة فانكوفر الكندية، إنَّ لجين «كانت تعبر دوماً عن آرائها بصراحة بضحكة مُعدِية تلفت الانتباه. وكانت دوماً واثقة بنفسها جداً ومثقفة. لم تخشَ قَط التصريح بأفكارها. من المثير أن تكون صديقاً لشخص كهذا».