من الوهلة الأولى للانقلاب العسكري في 2013، كان معروف لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، رغبة السيسي المحمومة في حكم مصر. هذه الرغبة التي لم ينتبه لها الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، وأصروا على ترديد أقاويل من عينة "السيسي في جيبنا"، حتى يوم 30 يونيو وما تلاه، ولم يفيقوا إلا عندما أعلن السيسي الإطاحة بمرسي. رغبة السيسي في الحكم كانت ظاهرة منذ اللحظة الأولى للانقلاب كما أشرنا، وإذا كانت جماعة الإخوان قد أخطأت عندما لم تتنبه لها، فإن المعارضة -أو ما يعرف بالتيار المدني- لم تكن أحسن حالا من الإخوان، عندما ظنوا أن السيسي سيطيح بالرئيس المنتخب، لينصب أحدهم مكانه، وظلوا على عنادهم، بل وأطلق بعضهم شعارات من عينة "الثورة تحكم والجيش يحمي" . حوار السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع، مع كاتبه المفضل ياسر رزق، أعرب فيه بكل وضوح أن عينه على حكم مصر، وهو ما قاله في الجزء الخاص بأحلامه التي شاهد فيها السادات وفاخر كلا منهما الآخر بأنه ترأس مصر. بعد ذلك، نجح السيسي في انتخابات رئاسية أشبه بمسرحية لا تضحك أحدا، وكررها مرة أخرى، ليحكم قبضته على البلاد والعباد، مستغلا حالة الموات التي ضربت المصريين، والظروف الدولية المواتية له (دعم غير محدود من نتنياهو وترمب) لكن كانت العقبة -الشكلية- أمامه هي كيف سيحكم البلاد بعد انتهاء فترته الثانية؟ وكان البعض من السذاجة لدرجة أنهم رددوا بأن السيسي لم يبق أمامه سوى 3 سنوات ويغادر منصبه، وظنوا أن السيسي لن يقوم بتعديل الدستور، ليسمح لنفسه بالحكم لفترة أطول، على نفس الطريقة القديمة.. لكن الرجل من الوهلة الأولى كان يجهز نفسه لحكم مصر بشكل مطلق، ربما من قبل تعيينه وزيرا للدفاع في عهد مرسي، وهو التعيين الذي لم تكتشف كواليسه بعد. برلمان مصنوع بعناية حازم عبدالعظيم، المتحدث السابق باسم حملة ترشيح السيسي رئيسا، قال في حوار سابق إن كل أعضاء البرلمان تم اختيارهم بعناية، وصُنعوا على عين المخابرات الحربية، ليضمن السيسي لاحقا أن تكون كل التشريعات والقوانين وفقا لما يريد، وهو ما تحقق ويتحقق بشكل واضح في كل القضايا المصيرية، وبات مجلس النواب "الشعب سابقا" مجرد "ختم" لتمرير أوامر السيسي، حتى لو كانت الأوامر ضد مصلحة الشعب وتهدر سيادة الوطن (قضية تيران وصنافير وقروض صندوق النقد أبرز أمثلة). قبل أيام، طالعنا في الإعلام المصري -المحكوم بقبضة حديدية من قبل النظام- حملة موحدة عن تعديل الدستور المصري، وإحقاقا للحق، كان ياسر رزق -كاتب السيسي المفضل- هو أول من بدأ هذه الحملة بمقال مثير للجدل طالب فيه بتغيير الدستور، وإطالة فترة الرائسة، واخترع لنا ما أسماه مجلس حماية الدولة، ليكون وصيا فيما بعد على أي رئيس مقبل، على أن يرأس هذا المجلس السيسي نفسه، أي أن ياسر رزق يريد للسيسي لاحقا أن يكون رئيس الرؤساء!! هذه الطبخة التي بشر بها كاتب السيسي المقرب، لم تكن مجرد بالونة اختبار كما وصفها بعض الكتاب والناشطين والمحللين، بل كانت إشارة انطلاق التقطها برلمان النظام، وانصاع لها الإعلام، ليبدأ الكل في تنفيذ الطبخة كما يريد السيسي. كيف يطبخها البرلمان؟
ائتلاف دعم مصر، أو حزب السيسي في البرلمان، كان أول من التقط إشارة ياسر رزق، وأعلن الائتلاف الذي يُشكل أغلبية مجلس النواب، التقدم بطلب لتعديل بعض مواد الدستور إلى رئيس المجلس. وتشمل التعديلات المُقترحة على الدستور: يكون انتخاب رئيس الجمهورية لدورتين متتاليتين فقط على أن تكون المدة الواحدة تشمل 6 سنوات بدلًا من 4 كما هيّ بالدستور الحالي، وكذلك عودة مجلس الشورى، باسم مجلس الشيوخ. كما تشمل التعديلات المقترحة تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وتمثيل المرأة بما لا يقل عن 25٪ من النواب بانتخابات البرلمان مع تمثيل مناسب للشباب والأقباط، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام. "دعم مصر" بوصفه صاحب الأغلبية، تولى إدارة الطبخة تحت قبة البرلمان، وحاول الائتلاف أن يغلف هذه الفضيحة -كالعادة- بمجموعة من الدعايات المضحكة، مثل أن الغرض من هذه التعديلات زيادة مساحة الحريات!! يحاول الائتلاف أن يختلق تصريحات وهمية مثل إنجازات النظام نفسه، ليداوي ويداري بها فضيحة تعديل الدستور حتى يتمكن السيسي من الحكم لفترة أطول، ويسعى جاهدا لإقناعنا أن كل ما يريده برلمان المخابرات الحربية الذي لم ينبس ببنت شفة أمام طوفان القمع الذي لم يسلم منه أحد في مصر، يحاول أن يقنعنا أن غرضه من التعديل هو زيادة مساحة الحريات، فهل يقصد الائتلاف، زيادة مساحة قمع الحريات وتسهيل مهمة قتل المصريين وتصفيتهم وحبسهم وتشريدهم واعتقال المعارضين والسياسيين والصحفيين بشكل أسرع مما كان عليه طوال السنوات الماضية من حكم السيسي؟.. هل يطبخها برلمان المخابرات الحربية ليأكلها الشعب؟ هذا هو ما يحدث بالفعل.