كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث عن اقتراب الإطاحة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان من منصبه، على خلفية الانهيار الحاصل للمملكة على يديه، ووصل الأمر إلى طرح البعض سيناريوهات تتوقع الإطاحة بالملك سلمان نفسه من الحكم، ليعيد إلى الإذهان قصة الإطاحة بالملك سعود بن عبدالعزيز، شقيق سلمان. انتشرت هذه الأقاويل بشدة على خلفية أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، بضوءأخضر من ولي العهد الشاب، رغم محاولات السعودية تبرئة ساحة الأخير وتقيدم كباش فداء لرقبته، بعد تزايد الغضب الدولي من جريمة قتل خاشقجي، وفي ظل عالمي للرواية السعودية الرسمية حول الحادث، القائلة بمقتل خاشقجي في شجار بالأيدي. لكن، هناك أسباب أخرى تجعل من إمكانية عزل محمد بن سلمان -وربماالإطاحة بوالده أيضا- أمرا ممكنا، وهي أسباب ليست لها صلة مباشرة بقتل جمال خاشقجي، وإن كانت الجريمة يمكن ان تكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، هذه الأسباب سبق توافرها في سابقة الإطاحة بحكم الملك سعود، شقيق العاهل السعودي الحالي وعم ولي العهد الشاب. كان من أسباب ضعف الملك سعود بن عبدالعزيز أمام أخيه الملك فيصل والتي سهّلت على الأخير الإنقلاب عليه وعزله هي عصبة والدته المنتمية لقبيلة الخوالد المُعادِية والمنافِسة تاريخياً لآل سعود، سعود وجد نفسه مكشوفاً أمام فيصل الذي نجح في استمالة "علماء الوهابية" لأن أخواله هم " آل الشيخ" أحفاد محمد بن عبدالوهاب، فأصدروا فتوى رسمية بعزل الملك، كما نجح في استمالة الجناح الأقوى بين أخوته والمعروف بالجناح السديري ( فهد، سلطان، نايف، سلمان، تركي، أحمد) عبر وعدهم بالمناصب التي ولاهم إياها فعلاً بعد أن تمكّن لتبدأ منذ تلك الأيام الرحلة الطويلة لسيطرة الجناح السديري من آل سعود على المُلك حتى اليوم ( تولى فهد وسلمان المُلك، وسلطان ونايف ولاية العهد، بخلاف الوزارات السيادية الدفاع والداخلية وإمارات المناطق الحيوية العاصمة الرياضوالشرقية التي تولاها هؤلاء). هؤلاء الستة أمهم حصة بنت أحمد السديري، وفخذ السديري الذي تنتسب له الأم هم من قبيلة الدواسر النجدية، ويكفي للإشارة لقوة نفوذ هذا الفرع من الدواسر أن أبناءه تولوا إمارة المناطق وهو المنصب الإداري الذي يحتكره آل سعود كما يحتكرون المُلك ورئاسة الوزراء. بعد رحيل الملك فهد كبير الجناح السديري حاول الملك عبدالله تحجيم هذا الجناح بكل إمكانياته، فأسس مجلس البيعة الذي يختار بواسطته أبناء عبدالعزيز الملك وولي العهد بالشورى فيما بينهم وكان هدفه الأول تجاوز الانتقال الكامل المتوقع للمُلك إلى الجناح السديري دون الباقين عبر تحالف باقي الأجنحة الطامحة ضدهم، ثم اخترع منصباً جديداً ( ولي ولي العهد) وعين فيه الأمير مقرن ابن اليمنية المحسوب على جناح الملك عبدالله، ثم عزل محمد بن فهد من إمارة الشرقية، واختفى في عهده بندر بن سلطان، وعين ابناءه في مناصب وزارة الخارجية وإمارة الرياض وسفارة واشنطن. وأخيراً عمل على تقوية الحرس الوطني الذي كان تحت رئاسته فحوله إلى وزارة وطور تسليحه وولى عليه ابنه متعب حتى أصبح قوة عسكرية توازي الجيش (وهو تحت يد الجناح السديري منذ عقود) وربما تتقدم عليه. عمل كل ذلك وأبقى على سلمان ولياً للعهد لأنه بعزله يكون قد كسر التوازن الذي لا يعني إلا الإنتقال في الغالب إلى المواجهة المسلحة، أبقى عليه لكن على أمل أن تساهم هذه التغييرات في قصقصة أجنحته بعد رحيله. رحل الملك عبدالله ورحل معه مشروعه، فقد هدم سلمان عندما تولى المُلك كل ما بناه الراحل، وعاد الجناح السديري إلى الواجهة مرة أخرى بقوة بتحالف الأحفاد هذه المرة محمد بن نايف ومحمد بن سلمان بزعامة الأب، فلما صفى الجو للجناح السديري بعزل ممثلي باقي الأجنحة، انتقل الصراع ليكون داخلياً بين السديريين أنفسهم فأُقصيَ محمد بن نايف واختفى أحمد، بجملة أخرى، كان الصراع منذ وفاة الملك المؤسس هو بين أجنحة الأسرة المتعددة، انتقل سريعاً بعد الملك فيصل ليكون بين السديريين والباقين حتى رحيل عبدالله الذي حُسِم التنافس بعده لصالحهم ليكون بعدها بين أبناء العم السديريين أنفسهم. تُوِّج هذا الصراع بانتصار محمد بن سلمان على بني عمومته الأقربين، ولكن هذا الانتصار يفتقد للتوازن والاستقرار، فمحمد، كما عمه الملك سعود، أخواله هم قبيلة العجمان التي لها ثارات قديمة مع آل سعود، فقد قتلوا سعداً أخو الملك المؤسس عبدالعزيز في إحدى المعارك، وكان منهم " ابن حثلين" أحد الزعامات التي هددت عرش الملك عبدالعزيز يوماً ما ونازعته المُلك، علاوة على كونها كما الخوالد قبيلة من خارج نجد ( أراضيهم شرق الجزيرة العربية)، سيستغل خصوم محمد من باقي الأجنحة المتضررة هذه النقطة ضده وسيتحالفون مع أبناء عمه السديريين ( أعداء الأمس) الذين انقلب عليهم وسيطيحون به، محمد ليس له ظهير داخل الأسرة، لقد قضى عليه بغباء بيديه وسيدفع بلا شك الثمن.