ضياء الصاوي في جمعة "مليونية تصحيح مسار الثورة" حوار: محمد عبده * ضياء الصاوي: اقتحمنا مقر السفارة بالفعل وليس كما أشيع بأننا دخلنا حجرة أرشيف.. وأتلفنا محتويات المكاتب وأجهزة الكمبيوتر والكثير من الوثائق.
* كان لدينا إحساس كبير بالذل والمهانة بعد مقتل جنودنا داخل أراضينا ودون رد مصري قوي.
* إذا كان القانون يحمي سيادة إسرائيل على أرض مصر فنحن جئنا لانتهاك هذه السيادة وندرك أفعالنا جيدا.
* ليس صحيحا أن هناك تساهل أمني مصري سمح بدخولنا ولكن عددنا كان أكبر من المتوقع. قال الناشط السياسي الإسلامي ضياء الصاوي، أمين اتحاد شباب حزب العمل الإسلامي المصري، وأحد منفذي عملية اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة يوم 9 سبتمبر (أيلول) الجاري، ردا على مقتل ستة جنود مصريين الشهر الماضي، إنهم يستعدون لعملية اقتحام أخرى للسفارة في حال عودتها للعمل مرة أخرى وعودة السفير الإسرائيلي للقاهرة، مشيرا في حواره معنا إلى أنهم يرفعون الآن هدفا أبعد من عدم السماح للسفارة بالوجود وبرفع العلم، وإنما إسقاط معاهدة كامب ديفيد رسميا، كما تم إسقاطها شعبيا، على حد قوله.
وأكد الصاوي (30 عاما) والذي دخل قطاع غزة مرتين فى ظل الحظر الذي كان يقوم به النظام المصري السابق على القطاع، أن الشباب نجح في اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية بالفعل وليس كما أشيع بأننا دخلنا حجرة للأرشيف فقط، لافتا إلى أنهم قاموا عن عمد بإتلاف محتويات المكاتب وأجهزة الكمبيوتر، والكثير من الوثائق والأوراق الخاصة بهم.
وقال الصاوي "كنا منتظرين أن يأخذ النظام المصري مواقف أكثر جدية مثل استدعاء السفير أو طرد السفير الإسرائيلي بشكل مؤقت أو حتى مجرد تصريح قوي يدين الجريمة، لكن هذا لم يحدث، مشيراً إلى أنه كان لديهم إحساس كبير بالذل والمهانة رغم قيام الثورة المصرية التي كان شعارها "ارفع راسك فوق انت مصرى"، والتى كان من أهم أهدافها تخليص مصر من التبعية الأميركية والإسرائيلية، على حد قوله. ونفى الصاوي وجود أي تساهل أمني مصري سمح بدخولهم مقر السفارة، مؤكدا أن عدد المتظاهرين كان أكبر من المتوقع، وأن قوات الجيش كان لديها أمر واضح بعدم إطلاق النار على المتظاهرين أو قتل أي احد، لأن قتل أي شخص كان سيؤجج الموضوع أكثر.
وشدد الصاوي على أن هذه هي اللغة التي تفهمها إسرائيل وأن القانون الدولي لا يحترم إلا الأقوياء والشعوب التي تأخذ حقها بأيديها، وأنه إذا كان القانون يحمي سيادة إسرائيل على أرض مصر فنحن جئنا لانتهاك هذه السيادة. وفيما يلي نص الحوار..
* في البداية. . هل كان حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية التي أعلن عدد من الأحزاب والحركات، ومنهم حزب العمل الإسلامي الذي تنتمي إليه، مسؤوليتهم عنه، متوقع أم كان مفاجأة؟
- يجب أن تعلم أن عملية اقتحام السفارة الإسرائيلية لم تكن فقط مجرد رد فعل سريع للحادث الأخير لقتل إسرائيل للجنود المصريين على الحدود، بل إن فكرة التظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية واقتحامها كانت موجودة فى كل المظاهرات منذ عام 2000 ، لكن على مدار تلك الفترة كانت القوات الأمنية تنجح في منع هذه المظاهرات من الوصول إلى السفارة. ولتتذكر أن الهتاف الرئيسي للحركات الطلابية في ذلك الوقت كان "أول مطلب للجماهير قفل سفارة وطرد سفير".. والذي تطور فيما بعد إلى "حرق سفارة وطرد سفير". وبعد ثورة 25 يناير، والتي لم تكن فقط ثورة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية رغم أهميتهما، إنما كانت الأولوية والسبب المباشر لها، هو تخليص مصر من التبعية الأميركية والإسرائيلية. وبالفعل وبعد سقوط نظام مبارك، حدثت أكثر من تظاهرة عند السفارة الإسرائيلية أولها كان في ذكرى "النكبة" في شهر مايو (أيار) الماضي، وكانت هناك محاولة لاقتحام السفارة لكن نجح الأمن في منعها بالقوة. وبعد مقتل الجنود المصريين على الحدود مباشرة حدثت مظاهرات أخرى ومحاولات اقتحام، لكن نجح الأمن أيضا فى منعهم، وهذا يرجع إلى قلة أعداد المتظاهرين آنذاك، لكن في المرة الأخيرة كان العدد يقدر بالآلاف ولذلك نجحنا.
* ما الذي دفعكم إلى القيام بهذه المغامرة.. "غير المحسوبة"؟
- بعد مقتل الجنود المصريين داخل أراضينا كان لدينا إحساس كبير بالذل والمهانة.. للأسف كنا نتقبل ذلك قبل ثورة 25 يناير وفي ظل النظام السابق، وبعد الثورة والتي كان شعارها "ارفع راسك فوق أنت مصري" وجدنا أنفسنا نشعر بنفس الإحساس وأن إسرائيل تنتهك أرضنا وتقتل إخواننا، بدون أي رد مصري أو موقف محترم من جانب القيادة المصرية. كنا ننتظر أن تأخذ مصر مواقف أكثر جدية على الأقل مثل تركيا، مثل استدعاء السفير المصري أو سحبه أو طرد السفير الإسرائيلي بشكل مؤقت وتقليل التمثيل الدبلوماسي للسفارة الإسرائيلية. لكن هذا لم يحدث. أضف إلى ذلك أن إسرائيل رفضت الاعتذار.
* كيف تم التحضير للعملية؟
- بعد قيام السلطات المصرية ببناء جدار عازل أمام السفارة الإسرائيلية، كانت هناك دعوة منا وغيرنا وكثير من الشباب. الدعوة ليس لها صاحب معين، كانت تحث المصريين على القيام بمسيرة ب "الشواكيش (المطارق)" لهدم الجدار يوم الجمعة 9 سبتمبر (أيلول)، وبالفعل بدأ اليوم وتم هدم الجدار على مراحل طوال اليوم.. وساعد على قوة المظاهرة توافد أعداد كبيرة من الشباب من ميدان التحرير حيث كانوا في مليونية "تصحيح المسار" وانضموا إلينا. وللعلم معظمنا هم مجموعة من الشباب يربط بين الثورة المصرية ورد الكرامة المصرية من العدو الإسرائيلي، والقضاء على تبعية الحلف الأميركي الصهيوني.
* كيف تم تنفيذ عملية الاقتحام وهل حدث اقتحام أصلا للسفارة أم مجرد الوصول لمكاتب خارجية في أدوار سفلية؟
- في المساء ومع تزايد الأعداد، تسلق عدد من الشباب العمارة التي تقع فيها السفارة الإسرائيلية من أجل إنزال العلم الإسرائيلي. وفى تلك الأثناء حاولنا اقتحام السفارة من الباب الخارجي للعمارة نفسها، لكن قوات الأمن كانت متمركزة بكثافة، ولم نستطع المرور، توجهنا إلى باب العمارة الملاصقة لها، واستطعنا أن نفتح الباب رغم تواجد الجنود أيضا الذين لم ينجحوا في صد هذا التدافع الكبير أمامهم، ونجح عدد كبير منا في دخول بهو العمارة، التي هي أقل طولا من العمارة التي تقع فيها السفارة الإسرائيلية. وحدثت عملية كر وفر ونجح الأمن في إخراج العديد من الشباب، غير أن حوالي 30 شابا نجح في الصعود والهروب من قوات الأمن، أغلبهم شباب عادي جدا ليس له أي سوابق أو تنظيم تدفعهم الحماسة.
* وكيف وصلتم إلى الشقق التي بها السفارة الإسرائيلية؟
- صعدنا من تلك العمارة ومنها نجحنا في تسلق العمارة التي فيها السفارة، ومن ثم محاولة الوصول إلى الأدوار ( 19 و 20 ) حيت مقر السفارة الإسرائيلية. واجهنا أمرين في تلك الأثناء الأول، أن هناك 6 من الحرس الإسرائيلي داخل السفارة، كانوا يخرجون من النوافذ ويطلقون أعيرة نارية في الهواء، ويطلقون طفايات الحريق في وجوه الشباب المتسلق. لكن من الواضح أنهم كانوا يخشون قتل أي أحد، ويدركون أن مثل تلك الأفعال كانت ستفتح عليهم النار. وعن طريق التسلق، نجحنا في الدخول إلى شقة خاوية في الدور 18 ، وهي الشقة التي تقع قبل دورين من السفارة وتم كسر بابها، ربما كانت تستخدم للفصل بين السفارة وباقي العمارة. بعد ذلك أصبحنا على السلم الذي يمكن من خلاله الصعود للسفارة، وكان هناك بابان من الحديد يفصلاننا عن السفارة، تم كسرهما بالشواكيش.
* أين قوات الأمن المصرية إذن؟
- كانت هناك مقاومة لنا من جانب القوات الأمنية داخل العمارة حيث كانت أي تعزيزات أمنية من الخارج تفشل في الدخول أصلا بسبب المتظاهرين في الأسفل.. وقد استخدمت القوات المصرية كل السبل لإقصائنا عن عملية الاقتحام مرة بالترغيب ومرة بالترهيب والنقاش الهادئ ثم محاولة الاقتحام السريع، لكنها فشلت بسبب مقاومة الشباب لهم بالشواكيش وجرادل المياه، التي ألقيناها على الجنود. وجاء ضابط مصري كبير وحدثنا، حاول إقناعنا بأن مثل هذا العمل مخالف للقوانين الدولية وأن هذه السفارة تابعة لأرض إسرائيل، وأن هذا سوف يؤثر على مصر أكثر. لكن كان كلامنا واضح وصريح معهم.. قلنا له: نحترمك ولكننا جئنا لانتهاك القانون أصلا. إذا كان القانون يحمى سيادة إسرائيل على أرض مصر، فنحن جئنا لانتهاك هذه السيادة.. وعلى استعداد لأي تهمة توجه إلينا في هذا الشأن.. نحن ندرك أفعالنا جيدا، وهذا ليس مجرد نوع من الحماسة، لكنه تحرك عن قصد.
* وماذا حدث بعد ذلك؟
- نجحنا في كسر كل الأبواب، وصعدنا واقتحمنا السفارة.. دخلنا مقرها بالفعل وليس كما شاع بين الناس ووسائل الإعلام. وفي الغالب في تلك الفترة كان الجنود الإسرائيليين قد انسحبوا من الدورين (19 ، 20) وخرجوا عن طريق القوات المصرية، عن طريق طائرة هليكوبتر أقلتهم من فوق. دخلنا الدور (19)، وكان المقر الإداري للسفارة، وليس كما قيل أرشيف، كان به مكاتب لتخليص الأوراق الإدارية، وأجهزة كمبيوتر، وبالتالي جزء لا يتجزأ من السفارة، كان به العلم الإسرائيلي مرفوع وكانت أبوابه تفتح عن طريق الكروت الممغنطة، لكنننا كسرنها بالشواكيش. وقمنا عن عمد بإتلاف محتويات المكاتب وأجهزة الكمبيوتر، ووجدنا الكثير من الوثائق والأوراق الخاصة بهم. اقترحت على زملائي رمي هذه الأوراق فى الشارع لأن الجيش كان سيأخذها منا بالتأكيد، بالإضافة إلى أننا كنا نريد أن نرسل رسالة معينة، وهي أننا نجحنا في اقتحام السفارة وأن كرامة إسرائيل أصبحت في الأرض، كما نجحنا في الاحتفاظ ببعض الأوراق، وذلك قبل أن ينجح الجيش في الدخول للسفارة ويسيطر على الموقف وينجح في إخراجنا. حاولوا اعتقالنا لكن بسبب هتافات الشباب من الخارج اضطروا إلى أن يتركونا نخرج وسط الناس.
* ماذا كانت تحتوي هذه المستندات؟
- اكتشفنا أنها ليست مهمة بدرجة كبيرة، كانت عبارة عن أسماء العاملين المصريين في السفارة الإسرائيلية وكان لابد علينا أن نفضحهم، وبعض المراسلات التي كانت بين السفارة وكل أجهزة ووزارات مصر، وخطابات بين السفير ورؤساء الصحف المصرية يشكرونهم فيها على توجههم نحو السلام وطلب منهم نشر بعض المقالات التي تتعلق بذلك الأمر، مع طلب تراخيص سلاح لأعضاء السفارة والعاملين بها لحمايتهم.
*هل كان هناك أي تساهل امني مصري سمح بدخولكم أكثر الأماكن حساسية.. كما قال البعض؟
- هذا غير صحيح تماما، الأمن المصري كان يحمي أبواب السفارة بقوة، وهناك العشرات من الشباب تم القبض عليهم، ولو كان هناك أي تساهل أمني، لكان هناك المئات قد اقتحموا السفارة وليس هذا العدد القليل. نحن دخلنا نتيجة التدافع والعدد الكبير للمتظاهرين. من يقول أن العملية كانت مدبرة من جانب القوات الأمنية المصرية، يريد أن يقول أن الشعب هو الأضعف، لكن أقول له أن أحدا لا يستطيع أن يقف أمام الشعب..
* لكن كان بالإمكان أن تواجهوا من قوات الجيش والأمن بالعنف؟
- واضح أنه كان لديهم أوامر بعدم إطلاق النار على المتظاهرين أو قتل أي أحد، لأن قتل أي شخص كان سيؤجج الموضوع أكثر، وستتحول المعركة بين الجيش والناس، وبالفعل كانوا حريصين جدا. الموقف باختصار من المستحيل السيطرة علينا بأي حال من الأحوال إلا عن طريق إطلاق الرصاص المباشر وهذا سيخسرهم بصورة نهائى.
* ألم يكن في تفكيركم أنكم تضعون مصر بسبب تلك العملية في مأزق وأزمة؟
- الأزمة الحالية هي إسرائيل نفسها.. هي قتلت الجنود المصريين، وأسأل أي أحد كيف يمكن أن آخذ حقي. مصر ليست أقل من تركيا. هذه هى اللغة التى تفهمها إسرائيل وهي التي استخدمناها، القانون الدولي لا يحترم إلا الأقوياء والشعوب التى تأخذ حقها بأيديها، كما أن ثمار العملية ايجابية بالنسبة لمصر. الهجوم أصبح على إسرائيل الآن بسبب تعنتها. ويجب أن يعلم الجميع أن إسرائيل أضعف مما نتصور..
* وماذا تخططون كمجموعة للفترة المقبلة؟
- أقول إن أي كلام عن عودة السفير حاليا هي مجرد جس للنبض ليس إلا، فالسفير الإسرائيلي لن يعود قريبا، ولو عاد لن يعود في نفس مكان السفارة. هم يدركون جيدا أننا عندما ننتصر في شيء يسهل علينا تكرراه، ولعل حادثة إنزال العلم من فوق السفارة وتكرارها خير دليل. وبالتالي ففي حال عودة السفارة للعمل مرة أخرى، فهناك آلاف من الشباب المصري سيخططون ويقتحمون السفارة مرة أخرى بمجرد عودة السفير.. والخطوة التي نرفعها الآن هي إسقاط معاهدة كامب ديفيد رسميا بعد إسقاطها شعبيا.
* ألا تتخوف من أى ملاحقات أمنية؟
- ليست لدي أية مشكلة في أن يتم القبض على وتوجيه هذه التهم المشرفة لى، أهلا بمثل هذه التهم. اعتقد أن النظام قبض على بعض الشباب غير المسيس وغير المعروف لمحاولة إرضاء إسرائيل، لكنه يخشى أن يقبض على الشباب المعروفين خوفا من جعلهم أبطالا في وسائل الإعلام. والدليل أنني حتى الآن طليق وأدلي بتصريحات، وحتى لو حدث ذلك لن أكون غضبان.