هذا اللقاء الفكرى فى الأساس كان محاضرة ألقاها الأستاذ عادل حسين - عليه رحمة الله - فى إحدى الدورات التثقيفية التى كان يقيمها حزب العمل, وقت أن كان الأستاذ عادل حسين يشغل موقع الأمين العام للحزب, وهذه المحاضرة تعبر تعبيرا أصيلا عن توجه وفكر حزب العمل تجاه قضية المرأة, وهذه المحاضرة على الرغم من مرور سنوات طويلة على إلقاءها إلا أنها ما زالت صالحة للنشر لأنها فكر أصيل من مفكر قل أن يجود الزمان بمثله, والآن إلى المحاضرة. طارق الكركيت
موضوع حديثنا هام للغاية.. حيث أن المرأة نصف المجتمع.. وهى - أى جمهور المؤمنات - مطالبات إلى جانب جمهور المؤمنين بحمل هذا الدين، ومسئولية المرأة فى ذلك لا تقل عن مسئولية الرجل، وكذلك لإعمار الأرض، أى فى تطوير هذه الأمة ومستقبلها لأن دور المرأة لا يقل عن دور الرجل، وإذا انهار أى دور من الدورين يتقوض المجتمع كله.. إذن قضية المرأة فى حد ذاتها بالغة الأهمية، وتزداد أهميتها بسبب أن الأعداء فى مخططهم الشيطانى لتعطيل العمران البشرى وإضعافنا نحن بالذات - مجتمعات المسلمين - تصوروا أن نقطة الضعف التى يمكن أن يهاجمونا منها هى المرأة، وأنهم من خلال التسلل إلى عقل المرأة وفتنتها يمكن أن يصيبوا المجتمع كله بأمراض كثيرة، وحيث أننا ينبغى أن نكون فى الصف الأول الذى يجب أن يتصدى لهذه الهجمة الغازية المعادية فإنه مما يضعفنا فى هذه المواجهة أن فريقا كبيرا من المسلمين لا يفهم قضية المرأة على نحو صحيح، أى على النحو الذى أراده الله ونص عليه فى القرآن الكريم، والذى أكدته السنة الشريفة، وهذا الفهم الخاطىء لوضع المرأة ودورها لدى فريق كبير من المسلمين يساعد - من غير شك - الغزاة والطامعين.. وهذه سنة من سنن الله، وإذا لم نحسن قيادة فريقنا ولم نحسن تنظيم صفوفنا على النحو الذى يجعلها متراصة فلا شك أن الطعنات التى تنشأ عن ذلك تساعد على عرقلتنا وهزيمتنا، ونحن نحسب أننا ضمن الفريق الذى وهب نفسه لإعلاء مفاهيم الدين الصحيح, ولإقامتها على هذه الأرض، وتتطلب مهمتنا بالتالى أن نكون نحن فيما بيننا وبين أنفسنا واضحين ومدركين لما يجب أن نفعله، ومن ناحية أخرى نسعى إلى تصويب مفاهيم إخواننا الذين نظن أنهم على غير صواب حتى نزداد بهم قوة, وحتى نواجه معا بقوتنا نحن وبقوة من نكسبهم بالوعى الصحيح فنكون معا أكثر قوة وبأسا.
ولقد كان مؤتمر السكان الدولى ومؤتمر المرأة ببكين يمثل ذروة التآمر للنفاذ إلى مجتمعاتنا. من خلال ما تصوروه نقاط ضعف، وهذا الأمر ليس غريبا، فمنذ عهود طويلة وهم يخططون لهذا بإتقان, ومرحلة بعد مرحلة، ويعدون الوسائل المناسبة.
إن قضية المرأة عندنا أصابها خلل شديد مثل ما أصاب الفقه الإسلامى فى كثير من مناحيه، ولقد درج المسلمون على معاملة هذه القضية على أنها ذات أولوية متأخرة، ولم تكن هذه القضية شاغلة لذهن المسلم بالقدر الذى يستحقه، ولم يكن علماء المسلمين أو عامتهم يهتمون بهذا الأمر بما يستحقه، وفى عصرنا الحاضر أصبح مناقشة مثل تلك القضية يتفرع إلى فروع كثيرة، وتم اختزال دور المرأة إلى عُشر ما يستحقه من أهمية، ولم تُول أمور كثيرة ما تستحقه من مناقشة، ومن المؤكد أن هذا الأمر ولد ثغرة فى المجتمع الإسلامى ساعد الغزاة على التسلل منها والنفاذ إلينا.
وإذا أردنا أن نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح فقضية المرأة ينبغى أن تحتل موقعا متقدما جدا من أولويات المجتمع المسلم، وبالتالى الفكر الإسلامى المعاصر, والحركات الإسلامية المعاصرة.
ومسألة أن المرأة نصف المجتمع ليست مجرد مسألة عددية، ولكننا نقصد أيضا أنها نصف المجتمع من حيث المهام الموكولة إلى أى مجتمع من المجتمعات لكى يستمر هذا المجتمع ولكى يزدهر.
لقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة مساواة حقيقية فى الخطاب القرآنى, فجعله موجها إلى الرجل والمرأة جميعا بقوله: (يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا بنى آدم)، وساوى بينهم فى أصل الخلقة فقرر أن الله قد خلق الناس من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) وساوى بينهم فى المسئولية عما كان بينهم فى مرحلة الخلق الأول، وهذا يختلف عما جاء محرفا فى العهد القديم، ولكن القرآن أنصف الأمور وحددها فجعل الخطيئة التى تمت والخروج على التعاليم لم تكن مسئولية طرف دون الآخر, ولكنها مسئولية الطرفين معا، وجعلهم يواجهان الحياة بعد أن تابا وأطلقا لكى يبدءا مرحلة جديدة بناء على ذلك.. وساوى بينهم فى المسئولية, فقرر أنه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً), وساوى بينهم فى مسئولية الالتزام بالدستور الإلهى وأوامر الدين: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
وساوى بينهم فى ثواب الله عز وجل, وساوى بينهم فى المسئولية السياسية عن صلاح المجتمع: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
وساوى بينهم فى المسئولية عن عمارة هذه الأرض واستدامة العمران فيها: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
وساوى بينهم فى حق التملك لما اكتسبوه بعمل قاموا به أو بأى شكل مشروع آخر، وساوى بينهم فى الأحقية فى الإرث، وساوى بينهم فى حق ممارسة العمل المهنى, وإن كان هناك تفريق بين حالين (العمل بالنسبة للرجل خارج المنزل واجب وبالنسبة للمرأة حق) أى بالنسبة للمرأة ليس وجوبا أن تخرج خارج بيتها فى طلب الكسب والرزق.. إنما قد يحدث هذا فى ظروف معينة، إذا كانت الظروف تدعو إلى ذلك, وإذا هى قدرت ذلك، وإذا وافق الأقربون على ذلك، ولم يعد هناك ما يمنع، بل لعل هناك حوافز لكى تفعل ذلك.. إذن فهى فى هذه الحالة تمارس حقا.. أما بالنسبة للرجل فليس له خيار، فالخيار الوحيد الذى أمام الرجل لكى يكون رجلا ويقوم بمهمته التى فطره الله عليها هى أن يكون مسئولا عن كسب الرزق وبالتالى عليه أن يخرج خارج البيت وأن يعمل لذلك.
وعلى ذلك فإن عمل المرأة خارج بيتها ليس محرما شرعا بل هو حق من حقوقها إذا كانت هناك ظروف تدعو إلى ذلك، وإذا كان هذا هو الأساس الذى نبنى عليه، فمن هنا يأتى قولنا أن المرأة بصفتها نصف المجتمع ليست مجرد مسألة رقمية أو إحصائية، ولكنها كذلك من حيث الوظائف التى طلبها الله سبحانه وتعالى وأمر بها، فإذا كانت المرأة مأمورة مثل الرجل بأن تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف، معنى هذا أنها إذا قصرت فإن نصف طاقات المجتمع التى كان ينبغى أن توجه إلى ذلك - أى تقليص الشر وتعظيم الخير - سوف يتعطل نصفها عن العمل.. ولكن هناك إضافة إلى ذلك المهمة الكبرى للمرأة, والتى هى أساس الدعوة للمرأة, ألا وهى تنشئة الأطفال وتربيتهم على النحو الذى يرضى الله، وعلى النحو الذى ينتج إنسانا سويا، وعلى ذلك نقول أنه إذا كانت المرأة جاهلة أو ناقصة الشخصية أو لا تحسن التصرف أو لا تعرف كيف تصدر قرارا يصلح الأمور، ولا تعرف كيف تّقوم الأطفال كما ينبغى أن يكون التقويم، إذن لقد أهملنا قدرا هائلا من رسالة إعمار الأرض.
إذن المرأة طاقة بشرية وإنسانية مطلوب أن توجه لخير البشر ولإعمار الأرض بالبشر, وإن لم تقم بدورها هذا، وإن لم نمكنها لكى تقوم بدورها هذا فإننا نكون قد قصرنا تقصيرا شديدا فى القيام بمهامنا فى إعمار الأرض وفى تنمية البشر على النحو الذى نريد.
إذن نحن أمام قضية مهمة وتستحق أن يهتم بها المسلمون، وكل هذا الكلام العظيم الذى فهمناه من القرآن والسنة، والذى سار عليه أصحاب الرسول وتابعيهم, هذا الإسلام الذى علمنا دور المرأة فى المجتمع، وكيف ينبغى أن نهيأها لهذا الدور، لأن المرأة إنسان كامل الإنسانية، شأنها شأن الرجل، ولكن هذه المساواة ليست مطلقة، والقول بمساواة الرجل مع المرأة فى الحقوق المدنية والسياسية لا يعنى أن الاثنين يقومان بأدوار متشابهة، ولكنهم يقومان بأدوار متكاملة فيما بينهم بشكل عام، وعلى هذا الأساس فنحن مع المساواة فى أن المرأة والرجل كلاهما ذو شخصية إنسانية، وكلاهما من بنى آدم.. وكلاهما أكرم خلق الله.. كلاهما مأمور بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. والفروق التى بينهما تؤدى إلى تفرقة فى تقسيم العمل الاجتماعى، ونحن نرى أن هذا التقسيم الاجتماعى هو ما تواطأ عليه البشر، وعلى مدى التاريخ حدث أن أكتشف أن ارتباط المرأة بأطفالها أكفأ من الرجل وهو يتناسب مع طبيعتها، فى حين يسعى الرجل لجلب الرزق أو للدفاع عن الوطن وملاقاة الأعداء.
إن الإسلام لم يأتى مناقضا لهذا، لأن هذا هو حكم الفطرة وهو التقسيم الطبيعى لأنشطة المجتمع، والذى نقوله الآن أن هذا لا يؤدى إلى أى خلاف جذرى بين دور الرجل ودور المرأة.
وهذا ينقلنا إلى موضوع "الزى", فالبعض يظن أن المرأة هى الوحيدة المحجبة, ولكن إذا نظرنا إلى زى الرجل لوجدناه أيضا محجبا, لأن لباس الرجل العادى لا يظهر منه إلا الوجه والكفين، ويكون من غير الطبيعى أو الشاذ أن نرى رجل يرتدى شورتا أو فانلة فقط، ومسألة أن رؤوسنا الآن ليست مغطاة هى بدعة حديثة وغير طبيعية، وإن انتقالنا من لباس الجلباب إلى البدلة ظاهرة غير أصيلة، ولست هنا أقول أن الجلباب فقط هو الزى الإسلامى فى حد ذاته، لأنه على سبيل المثال فإن المسلمون فى أوروبا تكون البدلة أنسب لهم ولظروفهم الجوية، شريطا أن تكون ملتزمة بالمعايير الشرعية.. وبالقياس على ذلك فإذا نظرنا إلى دول الخليج والسودان كمثال, ووجدنا الجو الحار, فإن المطلوب هو لباس يرطب على الجسم ويكون فى هذا الحال الجلباب هو أنسب لهم.
إذن الأمر الطبيعى لكل من الرجل والمرأة أن يتسترا ويكون لباسهما يتمتع بالحشمة والوقار، والمعايير الشرعية.. ونفس هذا الأمر ينطبق على العمل، فكل فرد داخل أسرته له مسئوليته، فالرجل يخرج للعمل ويأخذ فى ذلك معظم وظائف العمل فى المجتمع، وهذه الوظائف بنسبة 90% تكون وظائف روتينية لا تتطلب ملكات عالية وخاصة، وهذه سنة من سنن الله، الذى خلق البشر متساويين من حيث التكوينات الأصلية والحد الأدنى من الحقوق والواجبات، وبعد ذلك يتفاوتون من حيث الحظوظ، فالكل لديه عقل يفكر به ولكن ليس بنفس القدر من التفكير والحكمة، وفى إطار هذا التفاوت بشكل عام نقول أن هناك قلة أصحاب موهبة عالية، وهؤلاء عادة ما نسميهم "النخبة" أو "الصفوة", وهم أصحاب القدرات المتميزة لسبب أو آخر، وليس كل الناس يملكون هذا التميز, وهذه سنة من سنن الله كما قلنا.
وما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة، وعلى هذا فإن 90% من الأعمال التى تقوم بها المرأة داخل منزلها أعمال روتينية لا تتطلب من صاحبها مواهب غير عادية، وهذا ليس عيب, وعلى هذا أيضا فالمرأة كذلك، فكون المرأة تعمل داخل بيتها وفق مواهبها وقدراتها فلا عيب فى ذلك.
وعلى ذلك فإن العمل بالنسبة للرجل خارج المنزل يتساوى مع عمل المرأة داخل المنزل، فكل منهم يقوم بعمله وفق قدراته ومواهبه.
وإذا انتقلنا بكل منهم إلى ما بعد العمل المكلف به سواء خارج المنزل أو داخل المنزل، فإن على الرجل والمرأة أن يبحثا فى جوانب للعمل الاجتماعى, فإن على الرجل مثلا أن يهتم ويكون مع أقرانه مثلا فريقا للمحافظة على نظافة الحى الذى يسكن فيه, أو إنارة شوارعه, وهكذا فى إطار الخدمات الاجتماعية، وكذلك على المرأة أن تنظر فى نطاقها وتكون مع أقرانها مثلا جمعية لمراقبة أسعار السلع وما إلى ذلك، وفى بعض الأحيان سنجد أن هذا العمل الاجتماعى يحتاج إلى مشاركة الرجل والمرأة معا, وهذا ما ينقلنا إلى قضية الاختلاط، فنقول إن القاعدة الشرعية أنه لا حلال مطلق، ولا حرام مطلق، فإن الشىء الحلال إذا لم أفعله بالضوابط الشرعية يصبح مكروها والعكس بالعكس، وأى فعل حلال إن لم يكن فى الإطار الصحيح المحلل والمشروع فقد يتحول إلى عكس المقصود منه، وعلى هذا الأساس فحينما نتحدث عن المشاركة بين الرجل والمرأة فى العمل الاجتماعى نقول نعم, ولكن بشرط أن تكون كل الأطر والسياقات التى يتم فيها هذا العمل مما هو مقبول شرعا وإلا يتحول ما أقول أنه مشروع إلى عكسه.
وعلى هذا الأساس فالعمل الاجتماعى لا غرابة فيه حتى إن كان مختلطا طالما أن كل المجتمع محكوم بالقواعد الإسلامية, وبالتالى فإن المخالطة والمشاركة تتم فى إطار القواعد الإسلامية.
ينطبق هذا بالطبع على العمل السياسى.. فالعمل السياسى هو ذروة العمل الاجتماعى، وذروة الشورى، وذروة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أى أنه ذروة الأنشطة التى لا يقوم العمران البشرى إلا بها.
ومشاركة المرأة المسلمة فى العمل السياسى فى زماننا الحالى ينعكس فى نشاطها الحزبى أو ما شابه ذلك، وهذا أيضا وفقا لما نفهمه من قواعد الإسلام لا حرج فيه، بشرط أن يكون فى إطار مجموعة من الضوابط الشرعية التى تضمن حسن الخلق وتضمن الحفاظ على آداب الإسلام وتعاليمه.
فى إطار ذلك كله لابد أن نتكلم عن علاقة تصورنا هذا - الذى نظن أنه الأقرب إلى التصور الإسلامى الصحيح - وبين قضايا التنمية الاقتصادية من ناحية وبين قضايا التنمية البشرية من ناحية أخرى.
وإجمالا لما سبق أن قلناه فإننا نقول إننا كإسلامنا وسط، فنحن لا نهمش دور المرأة، ولا نسعى للتضييق عليها قدر الطاقة, ونتصور أننا فى هذا نتقرب إلى الله، ونحن نضع المرأة فى وضعها الصحيح كقوة هائلة فى قلب المجتمع، فإن ضعفت ضعف المجتمع كله, وإن قويت قوى المجتمع كله، وهذا الدور الذى نسعى إلى دعمه وتقويته ينبغى أن نفهمه فى إطاره الصحيح، وهذا الإطار الصحيح لا يبدأ بالأشكال الخارجية، وإنما يبدأ بالجوهر, يبدأ بأن تكون المرأة على دين, والدين لا يعنى مجرد أن تؤدى العبادات, ولكن أن تفهم وتتثقف, وأن تكون قادرة على إدراك ما حولها بنفس المعنى الذى نطلبه من الرجل، ونطلب منها أيضا أن تكون على علم، بل على أعلى درجات العلم حتى تفيد بيئتها الأوسع, وبيئتها الصغيرة المباشرة وهى الأسرة.
إن المرأة هى مثل الرجل فى هذه الخواص الأساسية التى ذكرناها, وهذا يجعلنا نخالف الذين يتصورون أن تكون المرأة هامشية بالنسبة للرجل، وكذلك نخالف الذين يقولون أن الاثنين متماثلان لا يختلفان ولا فرق بينهم.
نحن نقول أن الرجل والمرأة ليسا متماثلين ولكن بينهما أشياء كثيرة مشتركة, ولكن هناك أيضا فروقا, وينبغى أن نعترف بما هو مشترك, وكذلك نعترف بالفروق، ووفقا لهذا نحدد المهام بأن الكل لابد أن يعمل لخدمة المجتمع، وإن اختلفت المواقع.
إن اشتغال المرأة بوظيفتها الأساسية فى إنهاض بيتها وتربية أولادها، وتدبير شئون هذا البيت يشبه اشتغال الرجل خارج البيت فى تدبير أمور المعيشة، وحيث أننا نطلب من الرجل دورا أبعد من دوره المباشر فى تحصيل المعاش، فنحن أيضا نطلب من المرأة دورا أبعد من أمور البيت فى مجال الأنشطة الاجتماعية والسياسية التطوعية.
ولكن من جانب آخر إذا لوحظ أن امرأة معينة ذات قدرات غير طبيعية فى الرياضيات، أو البحث العلمى، إلى آخره من وظائف النشاط الاجتماعى والسياسى المتميز، فليس من المعقول أن نقول أن على هذه المرأة أن تلتزم المنزل فقط، ولكن عليها أن تفيد المجتمع بهذه الميزة المتميزة بها على أقرانها.
وإذا انتقلنا إلى علاقة المرأة بقضية تحديد النسل نجد أن هذا الأمر ذو أهمية بالغة، وأهمية هذا الأمر هو أن كثير من علماؤنا أستفاقوا معنا إلى خطورة ما يقال فى هذا الصدد، ولعل آخر ما قيل هو ما قيل فى مؤتمر المرأة العالمى ببكين من إباحة الفاحشة والحض عليها، ولكن حتى الآن لم يدركوا حقيقة الربط بين دعوة الغربيين للفاحشة على هذا النحو وبين مخططهم فى تحديد نسلنا، وهذا المخطط هو هدف استراتيجى يحرصون عليه ويتشبثون به، فمن المعلوم أن هناك حرب من الغرب على الإسلام، وهذه الحرب لا تبدأ ولا تنتهى بمحاربة الاتجاهات الإسلامية فحسب, ولكنها تلتف كذلك للوصول إلى جذورها لتدميرها تماما، بالحروب، والمجاعات، وتحديد النسل، على سبيل تحطيم الجذور التى تنتج شعوب تحاربهم، وهذا مخطط شيطانى رهيب لكى نحقق بأيدينا وبأنفسنا ما يعجز هو عن تحقيقه إلا بأساليب فظة غير مقبولة.. ومن أهم الأدوات التى تستخدم لفرض قضية تحديد النسل هو موضوع إباحة الفاحشة والزنا، وكافة أساليب العلاقات الغير شرعية، التى تقوض الأسر وتمنع النسل، وتمنع التنشئة الصحيحة للأطفال، وعلى هذا فإننا فى إطار ضبط الرؤية الصحيحة للمرأة وفضلا عن أننا نحقق انتقاءا لمستواها ولمستوى قدرتها على تنشئة الأطفال، فإننا أيضا نحتفظ لها من خلال تفرغها لهذه المهمة على تهيئة المناخ المناسب للإكثار من النسل وليس للإقلال منه، وعلى هذا يكون قد ضمننا تحقيق هدفنا وهو زيادة النسل وفى نفس الوقت ضمننا هدف آخر وهو أن يكون هذا النسل على درجة كبيرة من التربية والعلم.
لأنه إذا لم يحدث ذلك من التربية والعلم فسوف يكون هناك تشوه كبير فى المجتمع, وهذا التشوه أن نكون من ناحية السكان نزداد، ولكن هذه الزيادة لا تقابلها تنمية بمعنى أن هذه الزيادة لا تتمتع بأى قدر من العلم أو التربية، وكذلك تكون غير قادرة على خدمة أنفسهم أو المجتمع، وفى هذه الحالة يكون هذا الأمر عبث. إن الصيغة الإسلامية هى الصيغة الوسط، فالمستهدف أن يكون المجتمع الإسلامى مجتمعا قادرا على أن يزيد فى العدد، وفى نفس الوقت قادرا على أن يزيد قدرته على الإنتاج, أى أن هذا العدد من البشر الذى يولد يكون قادرا على أن يبدع بحيث يستوعب هذه الزيادة، ويحسن من مستواها باستمرار، وهذه هى الصيغة الوسط الإسلامية، التى بفضلها نقيم عمراننا البشرى.
إن عمل المرأة فى بيتها حصن الأمان الأساسى وأكثر أهمية الآن من أى وقت مضى، فعلى سبيل المثال نحن نرى الآن الطفل معرض لجميع أنواع الغزو الفكرى وغسيل الأدمغة، فى المدرسة والجامعة والمجتمع، بكل الوسائل من الراديو والتلفزيون والسينما، فهل وجود أم لهذا الطفل تحفظه وتنير له الطريق من كل ذلك ليس بالأهمية القصوى؟
بلى إن هذه هى الضرورة القصوى, وهذا الدور هو المطلوب منها، وإلا تم اختراق خط الدفاع الأخير وهو المنزل.
إن القاعدة العامة هى أن المرأة تكون فى بيتها، وهذا ما يشرفها ويفيد المجتمع.. وهذا حتى بالمفاهيم الاقتصادية البحتة.
إن إنتاج المرأة فى بيتها هو إنتاج اقتصادى واجتماعى، ونعتبره بكل المعايير إنتاج عظيم ومبدع وخلاق، ونحن نرى فيه خضوع لله سبحانه وتعالى، ثم مصلحة الأمة ومصلحة الاقتصاد القومى، ولا ينبغى للمرأة أن تضحى به لكى تقوم بعمل خارج المنزل عديم القيمة وتترك ما هو أكثر قيمة.
ولكن وعلى جانب آخر فإن هناك وظائف فى المجتمع تحتاج إلى أن يكون بهذه الوظائف امرأة مثل طبيبة أمراض النساء والولادة والتدريس.
وبطبيعة الحال فإن هؤلاء يمثلون أقلية فى المجتمع, ولابد لخروجهم من اشتراطات شرعية, وبعض هؤلاء يخرجون للضرورة, ولابد إلى جانب الضرورة أن يكون هناك بعض المهام التى نتمنى أن توجد نساء لشغلهن بدلا من الرجال.
وإذا ظهرت شخصيات نسائية متميزة صاحبة كفاءات غير عادية فلا يوجد شرعا ما يمنع من الاستفادة من هذه الكفاءات.