اشتعلت الأوضاع فى تونس على نحو غير مسبوق لم تشهده البلاد منذ بداية الربيع العربى، الذى اطلقه محمد البوعزيزى، الذى أشعل النيران فى نفسه، وهذا ما قام به بائع متجول، اليوم الأربعاء، مما فجَّر احتجاجات ومواجهات مع الشرطة، التي أطلقت قنابل الغاز لتفريق المحتجين في بلدة طبربة، الواقعة على بعد 35 كيلومتراً من العاصمة تونس. وأشعل الشاب النار في نفسه أمام مركز الشرطة، احتجاجاً على قيام الشرطة البلدية بمنعه من بيع الفراولة، لكن تم إسعافه ونقله إلى المستشفى. وتعيد هذه العملية إلى الأذهان إحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه قبل نحو ستة أعوام ونصف العام، احتجاجاً على مصادرة عربته من شرطية في سيدي بوزيد، مما فجَّر احتجاجاتٍ عارمة انتهت بالإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وفي طبربة خرج مئات الشبان الغاضبين اليوم إلى الشوارع، حيث أشعلوا النار في إطارات سيارات ورشقوا أفراد الأمن بالحجارة. وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز لتفريقهم. وأغلق المحتجون طريق السكك الحديدية وقامت الشرطة بملاحقتهم. وعلى الرغم من الإشادة بالانتقال الديمقراطي السلس في تونس، فإن كثيراً من التونسيين ما زالوا يشعرون باستياء من تفاقم البطالة والتهميش وارتفاع الأسعار. وتأتي احتجاجات طبربة بينما يحتج آخرون في جنوب البلاد للمطالبة بفرص عمل ونصيب من الثروات الطبيعية. وردًا على ذلك كلف الرئيس التونسي باجي قائد السبسي الجيش بالانتشار، لحماية منشآت إنتاج الغاز والفوسفات والنفط بعد اندلاع احتجاجات تطالب بفرص عمل وتحسين البيئة الاقتصادية.
وقال باجي قايد السبسي في خطاب للمواطنين، نقله التلفزيون العمومي، صباح الأربعاء، إن نشر الجيش "قرار خطير، ولكن يجب تنفيذه لحماية ثرواتنا".
وأضاف السبسي أنه "بعد استشارة مجلس الأمن القومي فقد تقرر أن يتولى الجيش التونسي ابتداء من اليوم حماية الدولة ومناطق إنتاج الثروات من بترول وفوسفات وغاز".
واعترف الرئيس التونسي أن القرار خطير "لكنه اضطر لاتخاذه لحماية موارد الدولة وعملية الإنتاج التي يكلف تعطيلها الدولة التونسية الكثير من الخسائر".
وشدد على أنه "سيمنع من الآن أي إغلاق للطرقات كشكل من أشكال الاحتجاج، مبررا ذلك بأن البلاد ما زالت تقاوم الإرهاب، وسط توجهات نحو إعادة هيكلة وزارة الداخلية لأن الاحتجاجات أنهكت المؤسسة الأمنية".
وفي سياق تبريره للقرار أضاف السبسي أن "تعطيل إنتاج الفوسفات على مدى خمس سنوات كلف الدولة خسائر كبيرة كان من الممكن أن تجنب البلاد الاستدانة من الخارج والقروض التي تنهك الاقتصاد".
وتعد هذه هي المرة الأولى في تونس التي يتم فيها نشر القوات لحماية المنشآت الصناعية الحيوية للاقتصاد التونسي ردا على احتجاجات، منذ استقلال البلاد.
وبحسب الرئيس التونسي فإن "المسار الديمقراطي في تونس بات مهددا بصفة جدية، منتقدا دعوة البعض للنزول إلى الشارع، وشدد على أن الفيصل هو مؤسسات الدولة المنتخبة بشكل ديمقراطي وليس الشارع".
وأوضح "لا جدوى من النزول إلى الشارع في ظل وجود مؤسسات دستورية، وليست كل مظاهرة بالضرورة شرعية لأن المظاهرات التي توقف الإنتاج وتعطل الموارد ستجبر الدولة على التدخل".
وتطرق إلى الحكومة قائلاً: "من غير المعقول أن تتم إقالة الحكومة لمجرد أن يرى البعض أنها فاشلة، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة فقط لأن البعض يرى أن البلاد تعيش مأزقا سياسيًا، مشددًا على أن الآليات الدستورية إطار أي تغيير يحصل".
وأكد السبسي: "المواعيد الانتخابية القادمة ستجري في آجالها القانونية والدستورية رغم استقالة رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات التي قال إنه لم يستشره فيها، داعيًا جميع التونسيين إلى التكاتف والشروع في حوار جديد إذا تطلب الأمر".
وتعيش تونس على وقع الاحتجاجات في فترة حساسة تحاول فيها الحكومة تطبيق إجراءات تقشف، وكلفت الاحتجاجات في قطاع الفوسفات، التي اندلعت العام الماضي، البلاد أكثر من بليوني دولار، كما يقول مسؤولون.
وعلى مدى أسابيع يطالب نحو ألف متظاهر في محافظة تطاوين، حيث توجد منشآت للغاز لشركة إيني الإيطالية وشركة أو إم في النمساوية، بفرص عمل أفضل وبرفع حصتهم من عائدات انتاج المصادر الطبيعية، وامتدت الاحتجاجات أيضا إلى محافظة قبلي.