دائمًا ما يخرج بعض أساتذة جامعة الأزهر، ومشايخ البيادة، الذين أعلنوا موقفهم صرحًا عقب الانقلاب العسكرى على الشرعية بالبلاد، أنهم يقفون بجوار النظام دون غيره، ولا مكان للشعب والشرع الذى يحمله هؤلاء هو فى خدمة السلطان دون غيره. فحديث "السيسى" الدائم فى التعدى على ثوابت الدين، وإعطاء الضوء الأخضر لرجاله فى الإعلام باستكمال ذلك، هو خير دليل على جعل الشعب المصرى متشكك فى أموره الثابتة وصحيح دينه. ولعل ما صرح به مؤخرًا الدكتور سعد الدين الهلالى -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- هو مقياس آخر على مدى تدنى نفوس هؤلاء وحربهم القذرة على الثوابت، حيث حاول بشتى الطرق فى حوار متلفز، أن يثبت بإن القرآن والسنة النبوية ليسا دستور للمسلمين، محاولاً تفسير ذلك باللعب بالألفاظ. وقال "الهلالى": إن القرآن الكريم والأحاديث النبوية هدى وليس قانونا، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى هو الذى أخبرنا بذلك فى كتابه العزيز، عندما قال: "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، متابعًا: "ربنا قال إنه هدى، وأوعى تظن أن له تفسيرا واحدًا، لو توهمت يا متلقى أن كلام ربنا ليه تفسير واحد، يبقى انت قزّمت الهدى وحجّمته وظلمته". حتى إذا تطرقنا لحديث "الهلالى" وحاولنا مناقشة رغم أنه ليس فى سياقة، فسنجد أن "الهدى" كما تم تفسيرها وفى معانى اللغة العربية، هى جادة الصواب، وصراطه المستقيم، أى هى الراحة فى كل الأمور بعد أن يهتدى إليها الناس فى معاملاتهم، فما هو خلاف ذلك عن الدساتير التى يتم وضعها من أجل تلبية احتياجات الناس ووضعها فى نصابها الصحيح؟. وأضاف "الهلالى": أن اللغة العربية غنية بالمعانى ومتعددة الدلالات للفظ الواحد، إضافة إلى أن جملها حمالة أوجه، مستطردا: "كل لفظ عربى له دلالات متعددة، وعليه فهو حمال وجوه، الأمر فى اللغة العربية يحتمل ثلاث دلالات، الإلزام والوجوب، والثانى الاستحباب، والأخير يدل على الإذن والإباحة، مثل أم تقول لابنتها العبى، هل يحتمل الأمر الإباحة؟ ومعرفة ما نوع الأمر يأتى من سياق الحديث، كلام ربنا هدى وليس قانونا، ومن يعتقد أنه رأى واحد مخطئ". واستطرد "الهلالى" قائلاً: "الخطاب الدينى المعاصر يقدم لنا القرآن الكريم على أنه دستور وقانون، ودى أكبر أكذوبة نهين بها القرآن لما نقول عليهم كده، لأننا خليناه قانون أو دستور لا يصلح إلا لمرحلة زمنية معينة، رغم أن القرآن صالح إلى يوم قيام الساعة من خلال التعددية فى المعانى، والاختيار يأتى للمعانى المناسبة لكل عصر وزمان". ويحمل الجزء الأخير من حديث الهلالى تضليل أكثر من سابقيه، حيث أنه ليس من المفترض أن يكون الدستور خاص بحقبة معينة، إلا إن كان معيبًا، وقد ترفع كتاب الله عن كل ذلك، وله تفسيراته فى كل عصر، أى أنه يواكبها وإن صح التعبير فإنه يجارى المعاصرة، إن لم يكن العكس، فكل التجارب داخل العالم الإسلامى وخارجه والتاريخية أيضًا أثبتت أن العصر الحديث يحاول مجارة ما فى كتاب الله وليس العكس.