رغم مرور أكثر من شهر على قرار تعويم سعر صرف الجنيه، زادت الأزمات بالبلاد، على عكس ما كان يدعو إليه النظام، الذى مازال مستمرًا فى سياسة الاقتراض التى يعتقد أنها ستنقذه من المستقبل المظلم الذى يُطيح به. فسعر الدولار فى البنوك الرسمية، ارتفع عن السوق الموازية، وفى هذا السياق رصد عدد من الخبراء، مؤشرات مخيفة تؤكد فشل القرار والقرارات التى تبعته. أول هذه المؤشرات الكارثية هو تصاعد سعر الدولار في البنوك الحكومية إلى مستويات قياسية فاقت سعره في السوق السوداء قبل قرار التعويم، الأمر الذي أصاب كثيرا من المصريين بالدهشة والصدمة. حيث بلغ سعر صرف الدولار في أقصى حدوده بالسوق السوداء قبل قرار التعويم (18,25)، بينما بلغ سعره حاليا في البنوك (18,5) جنيها!. ورغم أن النظام اتخذ إجراءين من أجل السيطرة على سعر صرف الدولار، الأول هو استلام الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد والتي بلغت "2.75 مليار دولار"، والثاني هو الاتفاق مع الصين على مبادلة عملات بنحو 2.6 مليار دولار، إلا أن هذه الإجراءين لم يفلحا في السيطرة على سعر الصرف، وواصل الدولار صعوده رسميا في البنوك على نحو صادم. هذه الصدمة دفعت محافظ البنك المركزي- في حوار صحفي مؤخرا- إلى تأكيد أن استمرار صعود الدولار يمثل رسالة للحكومة بأنها إذا أردات مستوى مختلفا لسعر الصرف فيجب التركيز على الأساسيات وهي الصادارت، ورفع مستوى السيولة على زيادة الإيرادات، على التفكير في كيفية جذب المستثمرين سواء من خلال المشاركة بين القطاعين العام والخاص، أو من خلال تحسين بيئة الاستثمار. ويتلخص ثاني المؤشرات الكارثية هو تسبب قرار التعويم في زيادة تكلفة فاتورة استيراد السلع الأساسية، من القمح والسكر والأرز والزيت والمنتجات البترولية وغيرها، علاوة على ارتفاع أسعار بعض تلك السلع بالأسواق الدولية مؤخرا، ما يضيف زيادة أخرى لتكلفتها، كما حدث مع السكر والزيوت والمنتجات البترولية، ما يعنى توقع زيادة تكلفة مجمل الواردات رغم خفض كمية بعضها. كما قامت الجهات الرسمية مؤخرا بإبطاء تنفيذ رحلات العمرة، فى محاولة لتقليل الطلب على الدولار، وتأجيل الاتفاق لتغيير الغاز الطبيعي المستورد. لكن بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، قال، فإن الرافد الأهم وهو زيادة الموارد ما زال محاطا بالكثير من المصاعب، فالحديث السابق عن تسبب التعويم للجنيه فى زيادة السياحة، والاستثمار الأجنبى المباشر والصادرات، كان يفتقد النظر لعوامل أخرى معاكسة، فما زال العائق الأمنى سببا لعدم عودة السياحة الروسية، وهو نفس السبب لتريث الاستثمارات الأجنبية، أضيف إليها ارتفاع تكلفة التمويل وزيادة نسبة التضخم والحديث عن ضرائب تصاعدية. كما تسبب تعويم الجنيه، بحسب الولي، فى زيادة تكلفة المكونات المستوردة للسلع المنتجة محليا، من مواد خام وسلع وسيطة وسلع رأسمالية، ما زاد من تكلفة المنتجات المحلية وأضعف تنافسيتها بالأسواق الخارجية، ولهذا سعت الحكومة لبيع أراضى ووحدات سكنية للمصريين بالخارج بالدولار، وإصدار شهادات إيداع دولارية بفائدة عالية لكن الحصيلة لم تكن كبيرة. أما المؤشر الثالث على كارثية قرار التعويم هو استمرار النظام الانقلابي على سياسة التوسع في الاقتراض والاستدانة خارجيا وداخليا لزيادة الموارد الدولارية، منذ بداية العام الماضي وحتى الآن، وخلال الفترة القادمة، حيث لم تكتف الحكومة بالأقساط المتبقية القادمة لقروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الإفريقي، حين أشارت وزيرة التعاون الدولي لمباحثات مع جهات أوروبية وغيرها للحصول على المزيد من القروض، رغم بلوغ القروض الخارجية حاليا حوالى ثلاثة أضعاف الاحتياطي. وبهذه المؤشرات الثلاثة التي تؤكد فشل قرار التعويم في تحقيق المستهدفات منه، ما يؤكد أن قرارات 3 نوفمبر الكارثية، على رأسها قرار التعويم، استندت إلى تصورات خاطئة هي أقرب للأوهام منها إلى الواقع. ويظل السؤال، بحسب الولي، "ألم تكن الجهات الرسمية تعرف تلك الأمور وهي تأخذ قرار التعويم للجنيه؟" ليرد على نفسه أنه من الواضح أن السلطات كانت تراهن على الحصول على نصيب كبير من الدولارات الموجودة خارج الجهاز المصرفي، وعلى قيام المصريين العاملين بالخارج ببيع دولاراتهم للبنوك، وعلى زيادة معدلات شراء الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية ذات العائد المرتفع. ولكن تصريحات مصرفيين تشير إلى وجود بطء في تخلص حائزي الدولار منه للبنوك، حتى بلغت حصيلة أكبر بنكين، وهما الأهلي ومصر 125 مليون دولار فقط خلال أسبوع، كما أفادت مصادر رسمية ببلوغ حصيلة التخلص من الدولار وتحويلات المصريين حتى الآن نحو 5 مليارات دولار، وهو مبلغ لا يكاد يكفى واردات شهر واحد، فما بالنا بالوفاء بطلبات استيراد قديمة والوفاء بتحويلات أرباح الشركات الأجنبية ومستحقات شركات البترول المتأخرة.