التعليم هو حجر الزاوية فى أى تنمية, وأى حضارة, ورقى التعليم والاهتمام به هو المدخل الأول للبحث العلمى, وهو العلامة الأولى على تحضر, أو انحطاط الأمم, لذلك فإن من أبرز علامات الانحطاط الحضارى فى مصر على مدار العقود الماضية, هو انهيار التعليم الذى يجمع بين انخفاض مستواه, والفوضى التى عمت نظمه ومناهجه. مجانية التعليم قاعدة مستقرة فى تجربة الحضارة الإسلامية وأول خطوة هى مجانية التعليم, فنحن إزاء تعليم, وتثقيف أمة, والعلم يجب أن يكون للجميع وليس امتيازاً لفئة مخصوصة. والتعليم المجانى كان قاعدة مستقرة فى تجربة الحضارة الإسلامية منذ صدرها الأول, والتعليم المجانى أصبح قاعدة مستقرة لدى كافة الأمم المتحضرة شرقا وغربا, وليس له علاقة بالاشتراكية كما يتصور البعض, وكان موجوداً قبل ثورة يوليو فى مصر عبر مراحل تاريخها المختلفة, أو مقابل رسوم رمزية. وهناك اتفاق بين مختلف الأمم الآن على مجانية التعليم, على الأقل حتى المرحلة ما قبل الجامعية, ولكن بلاداً كثيرة من التى سبقتنا جعلت التعليم الجامعى مجاناً أيضاً برسوم محدودة. والقاعدة هى عدم منع من لديه قدرة على الاستزادة من العلم بسبب أوضاعه الاقتصادية. الدستور ينص على مجانية التعليم وينص دستورنا على مجانية التعليم, ولكن ذلك - ككثير من النصوص الجيدة فى الدستور - أضحى حبراً على ورق. فالتعليم الحكومى لم يعد يؤمن الكتب الدراسية, كما يلجأ طالب العلم للدروس الخصوصية, ومجموعات التقوية داخل المدارس, مما يؤدى إلى تكلفة الأسر بالمليارات سنوياً. تحايل الحكومة على مجانية التعليم كما تحايلت الحكومة على الدستور بالتوسع فى المدارس العامة التجريبية وهى بمصروفات متزايدة, وأيضا من خلال التوسع فى المدارس الخاصة, والأجنبية. أما على المستوى الجامعى فقد تم إبداع نظم تعليمية لا وجود لها فى العالم إذ تجمع الجامعات الحكومية بين ثلاثة أنواع من النظم: 1- التعليم العام الذى يعانى فيه الطالب من تكاليف الكتب الدراسية, والدروس الخصوصية, والأدوات والمواد التعليمية. 2- تعليم مواز باللغات الأجنبية, وبمصروفات عالية. 3- التعليم المفتوح وهو أيضا بمصروفات مرتفعة, ولا تنطبق عليه الشروط المفروضة على التعليم العام من زاوية مجموع الثانوية العامة. وهو تعليم لا يستلزم الحضور. وقد توسع القبول فى التعليم المفتوح والخاص حتى بلغ فى آخر عام دراسى (2010-2011) 60% من إجمالى عدد الملتحقين الجدد بالجامعات. أى أن التعليم "المجانى" أصبح يمثل الأقلية (40%). علما بأن الداخلين للتعليم المفتوح داخل نفس الكليات, لم يحصلوا على نفس المجموعات العالية التى تطلب من الداخلين للتعليم العام, الأمر الذى يضرب أبسط قواعد العدالة. أما الجامعات الخاصة, والأجنبية فتصل المصروفات فيها إلى 100 ألف جنيه سنوياً(الجامعة الأمريكية) بينما لا تقل فى الجامعات الخاصة الأخرى عن 20 ألف جنيه سنوياً, وقد أصبح عددها أكبر من الجامعات الحكومية, فبينما توجد 17 جامعة حكومية, بلغ عدد الجامعات الخاصة 23 جامعة بالإضافة إلى 135معهداً عالياً خاصاً. كما ترتفع مصروفات التعليم باللغات الأجنبية داخل جامعات الحكومة (وبالمخالفة للدستور) إلى 17 ألف جنيه لتعلم مواد الكلية باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية. وهذا أمر لا وجود له فى العالم, وهذه من علامات فوضى التعليم فى بلادنا. والواقع أن التعليم فى الجامعات الأجنبية, وبعض الجامعات الخاصة, وبالأقسام الأجنبية بالتعليم العام, أفضل مما يسمى التعليم العام المجانى, وهذا يتيح لهم فرصاً أكبر فى الحصول على العمل بعد التخرج. وهكذا أصبحت المجانية في مصر غير موجودة.