من هم الإيغور؟ وما العلاقة التي تربطنا بهم؟ وما هي مطالبهم التي لم يتلفظوا بها بل ينطق بها لسان حالهم؟ هيا بنا نعيش واقع الأيغور, أفراحهم.. أحزانهم.. مآسيهم, ثم نرى كيف يمكننا مساعدة هؤلاء الذين تربطنا بهم رابطة الإنسانية ودين الإسلام. الأيغور هم إحدى الأقليات الإسلامية, موطنهم الأصلي هو إقليم تركستان الشرقية الغني بالنفط, والذي يقع شمال غربي الصين, وقد نال استقلاله الذاتي عام ۱955م. وتمثل نسبة عدد السكان المسلمين في تركستان حوال 45٪, واللغة القومية هي الأيغورية إلى جانب التركية, ومؤخرًا تم إلغاء التعليم باللغة الأيغورية التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية، وإحلال اللغة الصينية بدلاً منها, كأحد المحاولات لطمس هوية الشعب الأيغوري المسلم. والنسبة المئوية للمسلمين في تركستان الشرقية حوالي 95٪ . أما عدد المساجد فيقدر ب 5۱۰ مسجدًا, وقد قامت السلطات الصينية بإغلاق ۱48 منها, ولا تسمح السلطات الصينية بإنشاء مساجد جديدة أو القيام بتوسعة المساجد الحالية. ودخل الإسلام تلك البلاد على يد القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي" في أواسط القرن السابع الميلادي، أي قبل ما يزيد على ۱3۰۰ سنة، فتحول التركستانيون للإسلام بقيادة زعيمهم "ستوف بغراخان" ملك الإمبراطورية القراخانية عام 943م، وقد أسلم مع هذا القائد ما يقارب مليون نسمة. ومن هذه البلاد بدأ طريق النهضة والذي مثل قمة رخاء الدولة الإسلامية, وكانت هذه البلاد غنية بثرواتها، زاخرة برجالها فقد أمدت الحضارة الإسلامية والإنسانية بصفوة العقول التي سطرت بحروف من نور سجل الحضارة الإسلامية أمثال: البخاري، والترمذي، والبيهقي، والفارابي، والسكاكي، وابن سينا، ومحمد بن موسى الخوارزمي، وأبو الريحان البيروني، والزمخشري، وأبو الليث السمرقندي، وأبو منصور الماتريدي، ومحمد بن الحسين الفارقي المشهور بابن نباتة، والإمام الداعية أحمد اليسوي، والامام الزاهد المحدث عبد الله بن مبارك، ومواطنه الفضيل بن عياض، والإمام المحدث سفيان الثوري،... واخرين لاحصر لهم خدموا الحضارة الإسلامية حتى أصبحوا من أكبر أعلامها وأشهر روادها. وكذلك العديد من القادة العسكريين الذين فتحوا البلاد والأمصار، ومن تلك البلاد انطلقت الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى قلب أوربا. وكان وما زال المسلمون الأتراك في صراعٍ دائم مع الصينيين الذين شنوا عدة هجماتٍ فاشلةٍ على إقليمهم, وفي عام ۱759م نجحت العائلة الحاكمة الصينية في احتلاله، ثم استرده الأتراك, وظل مستقلًا لفترة قصيرة، إلى أن نجحت العائلة نفسها في احتلاله مجددًا عام ۱876م بمساعدة البريطانيين. وتم تغيير اسمه من تركستان الشرقية إلى "سينكيانج". وقد حصل الإقليم على الحكم الذاتي على الورق عام ۱955م, وفي ذلك الوقت لم تتوقف الغارات الصينية عليه. وقد عاش المسلمون في معسكرات السخرة وعلى هامش الحياة, وعمدت السلطات الصينية بإغراق الإقليم بملايين الصينيين من الملحدين والوثنيين المهجرين من أنحاء الصين, والتي تعتبرها جماعات حقوقية انتهاكات غير مبررة لحقوق الأقلية الأيغورية بدعوى مزعومة لمكافحة الإرهاب. وينفذ هذا التوطين بمنح المهجرين إعفاءات ضريبية شاملة، مع توفير المساكن والأراضي بعد مصادرتها من الإيغور المسلمين المطرودين إلى أطراف القرى والأراضي القاحلة. وأصبح ثلاثة أرباع سكان "كاشغر" لا يجدون الماء الكافي، وفي "أورومجي" لم يعد للأيغور تواجد في مراكزها التجارية إلا كمتسولين، أو باعة أطعمة جائلين. وبذلك يعيش أغلبية المسلمين من شعب الأيغور تحت خط الفقر، كما يتعرضوا لهجمات قمعية صينية شرسة، وذلك حقدًا وحنقًا عليهم, حيث يشكِّل الإسلام تراثًا مرموقًا في ثقافتهم. وتتجه الصين إلى طمس جميع الرموز الإسلامية, فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقة أو خاضعة لقيودٍ صارمة. ومؤخرًا منع التلاميذ في المدارس والجامعات من تأدية الصلاة، كما منعوا من صيام شهر رمضان، بل تتطور الأمر إلى منعهم من حمل المصاحف أو حتى اقتنائها. بالإضافة إلى ذلك يحظر على أي شخص الصلاة في غير المسجد التابع لحي مسكنه. ولم يتوقف الاضطهاد عند هذا الحد من انتهاك حقوق الإنسان والتمييز في التوظيف وسياسة التفقير المطبقة ضد مسلمي تركستان، بل ازداد بتأسيس برنامج صيني على درجة عالية من التمييز والعنصرية، يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم "سينكيانج", فالسلطات الصينية تقوم ببيع الفتيات المسلمات إلى الفلاحين الصينيين الذين يقومون بدورهم بتهريبهن إلى داخل الصين, كما بذلت قصارى جهدها لتطبيق نظام "طفل واحد لكل أسرة" على الإيغور, بينما لم تطبقه على بقية الأعراق. وتتبع السلطات الصينية أبشع الوسائل لتنفيذ تلك السياسة، فعلى سبيل المثال يقوم الأطباء بقتل المواليد المسلمين بعد ولادتهم مباشرة, وحقن الأم بحقنة منع الحمل دون إشعارها, ومنعها من رؤية مولودها لأنهم يوهمونها بموت الجنين, ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي، مما أدى مع مرور الوقت إلى تغيير التوزيع السكاني تغييرًا جوهريًا. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل تطور إلى السيطرة على المجالات الاقتصادية والسياسية, وقد تحقق ذلك من خلال خطط مدروسة. وقد أصدر سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة سينكيانج في التاسع من مارس عام 2۰۰2م قرارًا لفرض التعليم باللغة الصينية بدءً من الصف الثالث الابتدائي، مهددًا بزوال لغة شعب تركستان المسلم، واندثار ثقافته العريقة. وكذلك مُنع الأيغوريين من العمل في الشركات الصينية، خاصة بعد اكتشاف آبار النفط الغزيرة في إقليمهم, مما تسبب في تفاقم أزمة البطالة بينهم. بل إن هناك ممارسات أكثر جورًا؛ حيث مُنع رفع الآذان من مكبرات الصوت, وكذلك ترويج الزواج المختلط لزواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين والمسلمات بضغوط نفسية واقتصادية، والدفع بالإغراءات المادية. كما يواصل الصينيون تغيير تاريخ شعب الأيغور وإعادة صياغته، وتزوير حضارته وثقافته الإسلامية, وذلك بعد اعتقال المؤرخين والمؤلفين المسلمين, وفي الغد القريب يكتب الصينيون تاريخ حضارة وثقافة هذا الشعب المسلم، وفرض تلك الكتب على الأيغور. وزاد على هذا إجراء الصين 42 تجربة نووية في أراضي المسلمين, وذلك حتى عام ۱996م, وقد أدت هذه التجارب إلى انتشار السرطان والإجهاض وتشويه الأجنة والمواليد, ومحاولة إخفاء هذه الانتهاكات، إلا أن بعض المنظمات الدولية أكدت نتائجها المهلكة على السكان والبيئة. وقد أثيرت هذه القضية في المؤتمر العالمي للمرأة في بكين عام ۱995م, مما أكد ارتفاع نسبة الوفيات الذي يصل إلى4۰٪ في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة سينكيانج، وذلك في أواخر شهر مايو ۱994 على أثر تجربة نووية أجريت فيها, ومازال شعبها المسلم يعاني من نتائج التفجيرات النووية التي تجرى مكشوفةً في الفضاء. وقد وصلت ضراوة الحرب الصينية أشدها بتسهيل السلطات الصينية ترويج المخدرات والكحوليات, فعلى سبيل المثال: يوزع الخمر مجانًا على الأيغور المسلمين وعندما حاول الطلاب التوعية بمخاطر الكحول وأضراره، قامت السلطات الصينية بقمعهم وقتل 2۰۰ طالب عام ۱997م. ودخلت تجارة المخدرات سرًا إلى تركستان الشرقية عبر ما يسمى الطريق الأسود. وفي الوقت الذي يعاقب مروجوا المخدرات بالسجن والإعدام في مناطق الصين الأخرى، إلا إنهم يتمتعون بحماية السلطات السرية لأنشاطتهم الهدامة في مناطق المسلمين. وقد أثبتت التحريات أن قادة جيش التحرير الشعبي - وهو جيش الإنتاج والبناء في الإقليم - يتاجرون بهذه السموم القاتلة, وتعتبر مقاطعة كانسو - التي يسميها المسلمون الصينيونمكة الصغرى لكثرة مساجدها ومدارسها الإسلامية - أحد المراكز الناشطة لتجارة الهيروين. ويتواصل المد الصيني للمخدرات في الإقليم إلى ترويجها بين الأهالي ودسها في الأطعمة والمشروبات التي تقدم لهم في المطاعم. ومما يدعو إلى الأسى أن هذه المخدرات المتدفقة إلى تركستان الشرقية بتشجيع السلطات الصينية جلبت معها مرض الإيدز إلى مناطق المسلمين, والتي لم تسجل فيها إصابة واحدة حتى عام ۱994م, إلا أنه في نهاية عام ۱996م كان واحدًا من كل أربعة يتعاطون المخدرات إيجابيًا لفيروس الإيدز. وفي السنوات الأخيرة أصبحت تركستان الشرقية المقاطعة الصينية الأولى في نسبة انتشار الإيدز حيث تصل نسبة الإصابة فيها إلى حوالي3۰٪ .
ولقد كان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2۰۰1م تأثيرًا كبيرًا على معاملة مسلمي الأيغور، حيث استغلت السلطات الصينية هذا الحدث كذريعة لاتهام من يقومون بنشر رسائل دينية أو ثقافية مسالمة بأنهم "إرهابيين" مما أدى إلى اعتقال وتعذيب وإعدام الكثيرين منهم. وتفرض السلطات الصينية الرقابة المشددة على الأنشطة الدينية، والتدخل القسري على ممارسي النشاطات الدينية، والمدارس والمؤسسات الثقافية ودور النشر، والمظهر والسلوك الشخصي لأفراد الشعب الأيغوري. وكذلك تفتيش كل البيوت وجمع أكثر من 73۰ ألف كتاب ديني ومخطوطات إسلامية, وإجبار رجال الدين والعلماء على إحراقها في الميادين العامة. وما خفي كان أعظم، حيث نشرت الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني أنباءً عن قيام السلطات الصينية بإحراق وإتلاف 32‚32۰ نسخة من المصحف. وذكر موقع منظمة مؤتمر الأيغور الدولي الذي يتخذ من ألمانيا مقرًا له " إنّ هذه الخطوات تأتي كجزء من سياسة تتبعها الصين لمحو الهوية الدينية والقومية للأيغور, تمهيدًا للقضاء عليهم نهائيًا بعد قرار اتخذه مجلس الجامعات في اجتماع عُقد بجامعة "سيانج يانج" مؤخرًا, دعا فيه إلى إلغاء التعليم باللغة الأيغورية التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية, وإحلال اللغة الصينية بدلاً منها". ولعل تلك الممارسات الجائرة التي تقوم بها الحكومة الصينية ما هي إلا استراتيجية تريد بها اقتلاع حلم دولة مستقلة لمسلميها، حيث إنها تخشى من تفكك أقاليمها التي تعج بالمشكلات العرقية. ولعل هذه الأحداث التي لم تنل القدر الكافي من اهتمام وسائل الإعلام العالمية عامة والإسلامية خاصة يكشف للعالم مدى المعاناة التي يعايشها نحو 1۰۰ مليون مسلم بالصين تحت سمع وبصر العالم. وبعد عرض هذه الصفحات المظلمة، هل تظل حروب الإبادة والتشويه بحق مسلمي الصين شأنًا داخليًا لا يملك أحد مواجهتها أو الحد منها؟ ووسط حالة الضعف السياسي ضاع حق ضعفاء الأيغور على مرأى ومسمع من جميع الدول العربية والإسلامية التي تخشى المواجهة المباشرة مع الصين على الرغم من أن عالمنا العربي والإسلامي يستطيع فعل الكثير, وخاصة أنه يعد سوقًا رائجًا للمنتجات الصينية، مما يعطيه القوة في مطالبة الصين رفع القهر عن هذا الإقليم ومنحه الاستقلال، ورفع الظلم والاضطهاد الواقع على أبنائه.. فهل من مجيب؟. وأخيرًا.. نلتقي إن شاء الله على خير في وطن آخر، ومع إخوة آخرين, محاولين كشف اللثام وإماطة الأذى عما يحدث لهم بعيدًا عن ديار الإسلام، وفي غيبة عن سمع وبصر المسلمين. د. بلال محمد علي ماهر أستاذ متفرغ