حين أدى اللواء محسن الفنجرى التحية العسكرية لأرواح الشهداء سرت فى جسدى رعدة من نوع نادر لخصت كل الاحاسيس التى تملكتنى فى تلك اللحظة المهيبة. لحظة تعانقت فيها روح هذا الشعب العظيم بأرواح أبنائه من الشهداء فى فرحة جمعت بين الارض و السماء. فرحة تفجرت معها الدموع لتحتضن دماء الشهداء فى حنو وإجلال حزين على أنه قد قدر لهذا الوطن الشامخ أن يفقد مثل هؤلاء الشباب الأطهار ثمنا للحفاظ على الكرامة و الكبرياء التى كادت أن تضيع بعد أن ضاع الكثير من ثرواته سرقة و نهبا. والقلوب تكاد تنفطر قلقا و ترقبا لمصير الوطن, كانت التحية العسكرية التى أداها اللواء الفنجرى لأرواح الشهداء إشهارا بأن القوات المسلحة المصرية هى قوة للشعب وليست قوة عليه. وكان ذلك هو المصدر الوحيد للفرحة فى تلك اللحظة, فلم يكن الطاغية قد سقط, ويبدو أن نظامه لم يسقط بعد وحتى الآن.
استدعى هذا المشهد الرائع الجليل للواء محسن الفنجرى من ذاكرتى مشهدا آخر للجيش ولكنه كان يخلوا من كل مظاهر الإجلال أو حتى القبول. ذلك كان مشهد الجيش فى انتفاضة عام 1977, حين خرج الشعب المصرى المخدوع من حكامه الى الشارع غاضبا طالبا للخبز لأول مرة منذ وعيت فى هذه الدنيا, و نزل الجيش ليكبح جماح الغضب الشعبى و يحمى النظام السياسى الخائن ويفرض حظر التجول بالقوة.
وكان المشهد دراماتيكيا... لشعب كان قد صنع لنفسه جيشا من دمه ولحمه كى يحميه ويحمى أرضه وعرضه, فاذا بهذا الجيش يغرر به فى عام 1967 وينهزم هزيمة قاسية كسرته فى ساعات محدودات ضاعت معها الارض وضاع السلاح وانكشف العرض وأهينت الكرامة.
إنكسرالجيش دون أن يحارب... ولكن الشعب رفض الهزيمة فى إباء وأعاد بناء الجيش من جديد بالدموع والعرق والدم واللحم.
قام الشعب على جيشه قيام الأم على وليدها, يمنحه كل مايملك ولا يبخل عليه حتى بالحياة يبذلها كى يشتد عوده ويحرر الارض و يعيد الكرامة المهدرة, فإذا بهذا الجيش بعد أن أوقف اطلاق النار على عدو كان لا يزال يتبجح ويدنس الأرض, يوجه فوهات دباباته نحو الشعب.
الشعب الذى صنعه...... ثم صنعه واقامه......... ثم أقامه ورعاه..........
ذلك لأن الشعب تجرأ و خرج يطالب بحقه فى الطعام..مجرد الطعام.
واذا بالحاكم الذى كان لا يمل من ترديد حقيقة أنه قد أتى من تحت خط الفقر يصف انتفاضة شعب أوشك على الجوع بأنها انتفاضة حرامية!!!!!!!!!
غير أن الطاغية كان يدرك يومها أنه ليست هناك قوة مهما عظمت تستطيع أن تجمح غضب الشعب الثائر, ثم أنه لم يكن يضمن أن يسايره الجيش أكثر من ذلك ولا ينحاز الى الشعب الذى هو فى الأصل منه وله. فتراجع الطاغية عن قراراته بزيادة الاسعار.
وهدأ الشعب ولكن ظلت فى حلقه غصة لم تزل مع الايام قائمة بالمرارة من موقف الجيش منه. ورغم ما تسربت من أنباء فحواها أن الجيش رفض اطلاق النار على الشعب إلا بأمر مكتوب من الحاكم وهو مالم يفعله الحاكم وقتئذ, بقيت المرارة و الغصة فى حلوقنا و بقيت خيبة الأمل.
ونلاحظ أن الشعب الذى ودع زعيمه جمال عبد الناصر قبل ذلك بسنوات قليلة بطوفان من الدموع والحزن النبيل, وهو الرجل الذى كان يقول لهم وهو يقاتل : " اللى بياكل رغيف هياكل نص رغيف ونعيش بكرامتنا ".
ولم يخذله الشعب يوما وإن خذله أصحابه. هذا الشعب هو نفس الشعب الذى خرج مطالبا بالخبز بعد سنوات تغنى فيها السادات وجهاز إعلامه بالرخاء الآتى مع سياسات الاستسلام تحت دعاوى السلام, فاذا بتلك السياسات تفقره الى حد الجوع والتشريد والإذلال.
ذهب السادات وحسابه عند ربه بعد أن كانت نهايته هى حسابه فى الدنيا, وجاء مبارك معلنا أن لكل عهد رجاله.. ورجال عهده هؤلاء هم فى السجون الآن بفضل الله ينتظرون الحساب فى الدنيا ولهم فى الآخرة حساب عسير.
والحاصل أنه فى خلال اكثر من ثلاثة وثلاثين عاما منذ مواجهة الجيش للشعب فى يناير 77 تعاظمت خيبة أمل الشعب المصرى فى جيشه.. و تعاظمت الهوة بين الشعب والجيش وبعدت المسافة لأسباب عدة منها على سبيل المثال وليس الحصر:
- تصفية ضباط الجيش من أبناء العمال و الفلاحين و الحرفيين و صغار الموظفين. فلم يعد يقبل منهم طالبا فى الكليات العسكرية ولم نعد نرى فى الاحياء الشعبية ولا فى القرى طالبا يرتدى الحلة العسكرية يزور اهله فى عطلة نهاية الاسبوع. فقط فى أحياء مصر الجديدة و مدينة نصر وما شابهها من أحياء رأينا طلاب الكليات العسكرية.( وكانت تلك سياسة تمتد لتشمل ايضا طلاب كلية الشرطة, و كذلك المرشحين لمناصب الخارجية والنيابة و القضاء).
- انتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية للقبول بالكليات العسكرية ( وكذلك للقبول بكلية الشرطة والنيابة والقضاء والخارجية والاعلام, بل حتى للإنضمام للحزب الحاكم والمجالس التشريعية و المحلية).
- اغترب شعب مصر عن الجيش الذى صنعه ويطعمه من دمه كما اغترب عن الدولة التى تتحدث باسمه وهو لا يراها إلا تنهش فى لحمه ولا تراه الا فريسة تلتهم منه الحاضر والمستقبل فى وحشية حيوانية, بل هى وحشية أحط من الحيوانية حيث لا يأكل الحيوان مهما كان مفترسا إلا وهو جائع.
- تساءل المصريون كيف يسمح قادة الجيش الكبار الذين خرجوا من أعماق الوطن شوارعه البسيطة وحواريه وكفوره ونجوعه فكانوا نسيجا يعكس النسيج الوطنى كله بآلامه وآماله, كيف يسمح هؤلاء القادة الكبار بتلك السياسة المدمرة للعسكرية المصرية و الوطنية المصرية.
- حين كان الشعب يرقب السياسات المتخاذلة لحاكم مصر وتفريطة فى أمن مصر القومى وثرواتها لصالح العدو الاسرائيلى كان يتساءل كيف يسمح جيش مصر لهذا الحاكم بهذا التفريط, بل تساءل الشعب المصرى كيف يفرط الجيش حتى فى رجاله الذين كان يتم اغتيالهم بكل الخسة. ولن تمحوا الايام قصة الجنود المصريين الذين ضمتهم مقابر جماعية فى سيناء وهم يدهسون وهم أحياء بدبابات العدو الغادر دون محاسبة أو حتى مطالبة بالمحاسبة, وقصة سليمان خاطر وقصة كبار القادة العسكريين فى الطائرة التى تم تفجيرها فى أمريكا وغيرها من القصص التى ستظل تقض مضاجعنا حتى نأخذ بالقصاص لأصحابها.
- وكانت هناك اجابات تلقى الى الشعب يسمعها خلسة أو يراها جهارا. كان الشعب يسمع عن المظاريف الممتلئة بعشرات أو مئات الآلاف من الجنيهات تعطى لكبار الضباط ثمنا للولاء, وكان الشعب يرى تعيين كبار الضباط فى مراكز الادارة المدنية العليا فى الدولة كمكافأة لنهاية الخدمة فى العسكرية, مما أصاب أجهزة الدولة المدنية بالتفسخ والعطب تحت إدارة لا تفهم ولايعنيها إلا حصد أكبر قدر ممكن من مكاسب شخصية يتيحها المنصب المكافأة وخزائنه... مادام الأمر تحت السطرة.
ولأكثر من ثلاثين عاما ظل الشعب المصرى تدهور أحواله من سيئ لأسوأ وثرواته تنهب و كرامته تنتهك والوطن تدار شئونه لحساب مصالح أعدائه ولو كان الثمن هو مستقبل أمة بأكملها. و ذلك كان هو الجانب الوحيد المنظم فى حياة المصريين على مدى سنين طالت حتى غابت عنها النهاية أو كادت أن تغيب. الفساد والنهب وانتهاك الكرامة وقتل الانتماء ومسخ الشخصية الوطنية أو ما يعبر عنه بالطابع القومى للشخصية المصرية وتفتيت الجسد الوطنى وعزله عن محيطه الطبيعى والصحى, وهو المحيط العربى الاسلامى و امتداده الافريقى والآسيوى. كل ما عدا هذا الجانب ترك لعشوائية مدمرة جعلت من مجرد البقاء حيا عبئا لا يطاق على كاهل الشرفاء..
ورغم أن مؤشرات الثورة التى تعتمل فى النفوس كانت تبدو واضحة كالشمس لمن يريد أن يرى, لم تشأ الطغمة الحاكمة الا أن تغمض أعينهاعن عوامل الثورة وبشائرها ولم ترى الا ترسانتها من جيوش الامن تتضخم وتتوحش فتزيد هى فى جشعها و سطوتها.
لم تكن تحسب لهذا الشعب حساب.
كانت طغمة جاهلة لا تقرأ كتاب التاريخ الذى سطره شعب مصر عبر آلاف السنين. ولم تلتفت حتى الى ما عاصرته فى حاضرها مع هذا الشعب, حيث لم يفلح الاستخدام السادى والوحشى لترسانة قوات النظام واجهزتة المباحثية و النباح المسعور لأجهزة اعلامه ضد روح المقاومة التى خرجت تعبر عن سخطها على النظام و تطالب باسقاطه.
فمع تزايد الافراط فى الاستخدام السادى والوحشى لأدواته القمعية ونباح أجهزته الاعلامية, كانت المعارضة يتسع نطاقها لتشمل كل أطياف الشعب وطبقاته وفئاته ويشتد عودها صلابة واصرارا على اسقاط هذا النظام الفاشل إلا فى النهب و السرقة, الساقط فى أحط مستنقعات الفساد, الخائن للوطن, العميل لأعداء أمته.
وفى لحظة عبقرية من تاريخ هذا البلد العظيم خرج شعب مصر كله وراء طليعة من شبابه الاطهار عاقدين العزم ألا يعودوا لبيوتهم قبل أن يسقطوا النظام الفاسد العفن. دفع الشعب ثمنا باهظا.. الآلاف من فلذات اكباده بين شهيد وجريح برصاص الوحشية والهمجية التى طبعت قلوب ذوى السلطان وأعمت بصيرتهم وأبصارهم عن أن يروا أن هذا الشعب حين خرج من دياره ما كان ليعود قبل أن يرحلوا هم عن مقاعد السلطان ليدخلوا قفص الاتهام والامتهان ويحاكموا على ما اقترفت يداهم الآثمة فى حق الوطن وأهله.
كل شهيد أو جريح سقط كان نبتة طاهرة أنبتت آلاف الازهار العطرة التى غطت أرض مصر لتزيح عنها فى اصرار عنيد عفن النظام الفاسد وتقتلع جذوره من هذه الأرض المباركة.
وحين خرج قادة الجيش ليعلنوا ولاءهم للشعب الذى صنعهم ورعاهم. وليعلنوا تأييدهم لمطالب الشعب الثائر سقط رأس النظام وحقنت بحار من الدماء.
واستبشرنا خيرا رغم الهواجس.. هواجس تغذيها تساؤلات بغير إجابة :
- لماذا السماح للمخلوع أن يرحل الى شرم الشيخ التى اتخذها مقرا للحكم طوال سنوات عهده البغيض, وهى القريبة فى المسافة من حلفائه الاسرائيليين البعيدة عن المصريين وإن كانت فى القلب منهم ككل سيناء. فى القلب منهم ولكن بعيدة عن العين وعن المنال ليس فقط بالمسافة ولكن بكونها أضحت قلعة محصنة لحمايته...؟
- لماذا السماح لأفراد اسرته بالسفر الى الخارج واعطائهم الفرصة لكى يخفوا ما سرقوه فى دهاليز البنوك الاجنبية....؟
- لماذا كانت محاولة الإبقاء على حكومة فرضها النظام الفاسد وهو ينخر فى عظم الوطن....؟
- كيف السماح للصوص من أركان النظام احترفت النهب ومص دماء المصريين أن يهربوا للخارج بما نهبوه...؟
- ما سر هذه الحنية التى تصل الى درجة الدلع مع من نهبوا ثروات الوطن وقتلوا أبناءه.. مماطلة فى المحاكمات..اخفاؤهم عن الأعين وهم فى قفص الاتهام حتى لاتجرح مشاعرهم نظرات غاضبة من عين واحدة فقد صاحبها عينه الاخرى برصاصهم, أو من عينين تحجرت فيهما الدموع لأم شهيد أو أبيه ولسان حالهم يصرخ لماذا قتلت فلذة أكبادنا.....؟
- كيف هذا الاستهتار بجراح من جرح من ضحايا النظام السادى غليظ القلب الذى استباح زهق الارواح وفقء الاعين وبتر اعضاء الاجساد, فلا تعويض ولاعلاج ولا مواساة. فقط كلمات باردة باهتة من شخصيات باردة باهتة لا يتحرك منها حتى الشفاه الا أمام الكاميرات وتحت اضوائها ثم ينزوون من بعد الى ظلام نفوسهم دون فعل شيئ يفيد.....؟
- كيف نصدق أن لصا شاذا تعرفه مصر كلها وتعرف طريقه الشاذ من المراقد الفاجرة المقززة الى الحكم والثروة, لا غبار عليه من جهاز الكسب غير المشروع..؟
وهو الذى لما ضبطوه وهو وزير منفردا فى الصحراء مع فتى من امثاله باعه وادعى أن الفتى غرر به واقنعه أن فى الصحراء آثارا فجاء ليراها, ثم أتى بفتى آخر حاصل على دبلوم صنايع ليجعل منه مستشارا صحفيا لوزير ثقافة, ثم باعه ليأتى بفتى آخر معجزة ويضع بين يديه مئات الملايين من أموال الشعب ينفقها كيف يشاء دون رقيب.
من أين جاءت ملايينه وقد كان فى صباه فتى يرتزق على المراكب النيلية من رسم السائحين وما قد يفعلونه معه فى الخفاء وتتأفف منه النفوس السوية حتى التقى بمركز سلطة من شاكلته كان محافظا للاسكندرية ثم وزيرا للداخلية ثم رئيسا للوزراء فالتحم به وتصعد, وهذا سبب حشره فى جهاز الأمن والجهاز منه براء, وهذا أيضا سبب تبجحه حين كان مجرد ملحق فى سفارة مصر فى باريس بأنه قوى جدا فى مصر حين كان ممدوح سالم رئيسا للوزراء حتى أنه كان يتنبأ لنفسه بمنصب الوزير (وقد حدث).
ولم تشهد مصر فى تاريخها الطويل تهريبا وتجريفا لآثارها, وتدميرا لثقافتها, ونهبا لثرواتها مثلما شهدت فى عهده. ربتوا على كتفه حين قال لهم أنه لم يسرق ولكنه خالف الدستور ببيع لوحاته وصرفوه عن التحقيق قبل أن يتحققوا من قيمة هذه اللوحات ولمن بيعت هذه اللوحات فى مسلسل غسيل الأموال.
- كيف يخرج من وجدنا فى بيته ملايين الجنيهات الذهبية المسروقة من المحكمة بريئا وكأنه طفل برئ كان يلهو بلعبة أعطتها له من استحقت عن جدارة واستحقاق لقب سيئة مصر الأولى....؟
- كيف يدخل ضباط شرطة كبار الرتبة الى قفص الاتهام فى الصباح بعد أداء التحية لهم وتهمتهم القتل, ثم يصرفون من قفص الاتهام بعد أداء التحية لهم كى يعملوا فى وظيفة جوهرها حفظ الأمن وصون الأرواح وحماية الممتلكات. نعم الواحد منهم برئ حتى تثبت إدانته, ولكن تبقى الإدانة إحتمال قائم.
كيف يوكل لقاتل محتمل وظيفة حفظ الامن وصيانة الارواح وحماية الممتلكات....؟
كيف .. وكيف... وكيف......تساؤلات لا تنتهى بعد أكثر من خمسة أشهر تصورنا فيها أن المجلس العسكرى الذى أعلن اعترافه بمشروعية ثورة الشعب الغاضب سوف يفتح الطريق للمكاشفة والمحاكمة والعقاب حتى تهدأ النفوس ونبدأ البناء بعد كادت مصر تصبح أطلال وطن ويمسى شعبها من مساكين الارض وهو صانع الحضارة الاولى والعظمى على هذا الكوكب منذ خطت عليه اقدام الانسان.
نعلم أن المجلس العسكرى ليس مجلسا للثوار ولم يدعى أى من أعضائه أنه من الثائرين, ولكنه قبل أن يكون أمينا على الثورة وقبلنا نحن بذلك على أمل أن تكون ادارتهم للبلاد مستلهمة من روح الشعب الثائر الذى لولا ثورته لظلوا يرفعون أيديهم بالتحية فى وجل تعظيما لرأس الفساد.
ماهذا التخبط و المداهنة والمداره والغموض الذى يكتنف اسلوب الادارة لأمور الوطن.. اختيارات وقرارات وأحكام لا تطفئ لهيب الثورة فى النفوس بل تزيدها وهجا واشتعالا.
من المسئول عن هذا التخبط والغموض ؟
ما معنى أن يخرج علينا أحد أعضاء المجلس العسكرى متخفيا من وراء حجاب ليشارك بالنقاش فى برامج تليفزيونية _ مع يسرى فودة _ دون أن يسمح بذكر اسمه أو حتى موقعه. هل تحكمنا أشباح ؟ وكيف يسعد يسرى فودة بذلك. بل كيف يقبله كإعلامى ناجح يحظى بالاحترام ؟
ما معنى أن يقيم المجلس العسكرى على صفحته بالانترنت انتخابا مبكرا بين عدد من المرشحين للرئاسة ثم تتولاها أجهزة الاعلام بالنشر للترويج لشخص ما.
ونعلم جيدا كم عدد مستخدمى الانترنت بين شعب مصر و كم عدد المستخدمين لصفحة المجلس العسكرى وكيف يسهل التلاعب بنتيجة مثل هذا الانتخاب المبكر. ولماذا استبعدوا أسماء بعينها من هذا الانتخاب وقد أعلن أصحابها أنهم ينتوون الترشح لهذ المنصب ؟
هل افتقد المجلس العسكرى لشئ جاد يفعله فراح يتلهى ويتسلى باجراء " لعبة " انتخاب مبكر على الانترنت ؟ لو كانت اللعبة هى " الأتارى " لكان خير لهم ولنا ؟
ما معنى أن يقبل رئيس الوزراء استقالة نائبه ثم يرفضها المجلس العسكرى فيبقى ؟
ما معنى أن يطلب رئيس الوزراء الاستغناء عن عدد غير قليل من وزرائه لتعيين من هم أكفأ منهم وأحق فيرفض المجلس العسكرى الاستغناء عنهم فيبقى الفاشلون فى مواقعهم ؟
مرة أخرى أقول " نعلم أن المجلس العسكرى ليس مجلسا للثوار ولم يدعى أى من أعضائه أنه من الثائرين ", ولكنهم حين أعلنوا اعترافهم بالثورة و مطالب الثوار فقد اعتبرناهم جزءا مهما من الثورة واعتبرناهم أمانا للثورة وحماية لها ورحبنا بهم وسعدنا بهم, فالاعتراف بالثورة والاضافة لها وحمايتها يجب ما قبله.
فلماذا نجد أنفسنا الآن نفكر فى الخروج الآمن للمجلس العسكرى اتقاء لشرر قد يصيب الوطن ولا نعرف مداه ( وهو الخروج الذى كان معروضا على رأس النظام الفاسد حين كانت كل السلطات فى يده ولكنه أضاع فرصته, لأنه لم يكن يسمع أو يعقل ).
لا نريد أن نصدق أن المجلس العسكرى حين حقن الدماء بتأييده للثورة كان يزيح وجوها تصفية لحساب و بحساب من اجل امتصاص الثورة وابقاءً للنظام الذى أتى بالخراب لمصر. فعلا لانريد ان نصدق ذلك.. فهل يساعدنا المجلس العسكرى ؟
لقد دخلوا جميعا قلوبنا وأحببناهم دون حتى أن نعرف من هم كأشخاص, ولكننا الآن نتساءل : هل كان حبنا لهم هو حب من طرف واحد ؟
مازلنا نتمسك بحبنا لهم ونتمنى أن يبادلونا الحب وأن يجمعنا أكبر حب, حب الله وحب مصر.. فليساعدونا على طرد أشباح الهواجس.
أحد الثوار الانقياء الاطهار المعتصمين الآن فى ميدان التحرير يرفع لافتة مكتوب عليها : " محدش فاهم حاجه خالص ".
وأقول له والقلب حزين : " نعم ياولدى .. محدش فاهم حاجة خالص.. فالوطن يبدو أنه تحكمه الاشباح..."
ولكننا سنواصل الثورة ولن نكف عن مطاردة هؤلاء الاشباح حتى نطردهم. فقبائل الاشباح تلك عاثت فى ارضنا الفساد بالقدر الذى لم يعد لدينا معه ما نفقده فى مطاردتهم إلا الروح.. نقدمها فداء للوطن على أمل أن تعانق أحباءها من الشهداء فى السماء.. ويبقى الأمل فى غد أفضل على الأرض.
﴿ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ﴾ صدق الله العظيم. * كاتب المقال عضو المكتب السياسي بحزب العمل