لا يشك عاقل – باستثناء السيساوية والجامية والليبروجامية بطبيعة الحال – أن السيسي فشل فشلاً ذريعاً في قيادة مصر . ليس هذا فقط ، بل وحتى اللحظة لا يبدو أن هناك ضوءاً آخر النفق . فهو لا يعرف ماذا يفعل . هو يكتفي فقط برمي اللوم على خصومه ، ودعوة الأمة لشد الحزام ، ويطلب المزيد من المال من داعميه . هل يفعل شيئاً آخراً غير هذا ؟ لا توجد طبقة واحدة في مصر مع السيسي ؛ الفقراء والمهمشون يلعنونه الليل والنهار بسبب تفاقم أوضاعهم الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية . والطبقة المتوسطة تشظت ودخلت غالبيتها الساحقة في طبقة الفقراء والمهمشين . الطبقة الغنية بدأت تهرب من البلد ، كيف لا وهي تسمع رئيس البلد يقول سآخذ من فلوسكم ! الإعلاميون بدأوا بالهروب من السفينة التي بدأت تغرق مع أمطار الإسكندرية التي كشفت فساداً عريضاً ، وتسببت في غضب شعبي واسع . الكثير من الإعلاميين الكبار باتوا مقتنعين أنهم راهنوا على السيسي الخاسر ، وأنه سيقود مصر إلى الهاوية ، وأنه لا يملك شيئاً من مؤهلات الزعيم القادر على حكم مصر، وأنَّها مسألة وقت قبل أن يطيح به المجلس العسكري لمنع حدوث موجة ثورية جديدة قد تنتهي بإطاحة رؤوس قادة المجلس العسكري أنفسهم ! بورصة منهارة . وضع اقتصادي من سيء إلى أسوأ . غضب شعبي وشعور عام بالإحباط . معارضة تتوحد . مؤيدون للانقلاب يعترفون بخطئهم حين دعموا انقلابه. مثقفون وفنانون يتوقفون عن دعم النظام ويرفعون أصواتهم بانتقاده علناً. الشباب الذين قادوا ثورة 25 يناير وأيدوا الانقلاب يتراجعون فيهاجمون النظام ويدعون للإطاحة به في 25 يناير القادم . الذين ظنوا أن خروج الإخوان من الحكم سيأتي لهم بالرفاهية والأمن والأمان يكتشفون الحقيقة المرة . سجون ومعتقلات تضم عشرات الألوف من خيرة شباب مصر . سيناء تخرج عن السيطرة ، وداعش تعلنها ولاية تابعة لها . قطاع كبير من المصريين يسمون السيسي وجه النحس ، فلم يروا من حين تسلمه لدفة الأمور سوى الكوارث . انهيار البورصة ، ثم ارتفاع التضخم ، ثم تقدُّم داعش ، ثم غرق الإسكندرية ، ثم كارثة الطائرة الروسية ، هذا فضلاً عما ذكرت في الأعلى . من الواضح جداً أنه لم يعد للسيسي شعبية في الشارع المصري رغم كل الفلاتر التي استهلكها . لا كاريزما . لا عنفوان . لا خطابة . مهزوز . متردد . خائف . لا يمشي إلا وقد لبس مضاد الرصاص خشية الاغتيال . لا يملك خططاً . حوَّل عقيدة الجيش المصري من العداء للصهاينة إلى العداء للإسلاميين في الداخل . الأمر الذي أقحم الجيش أكثر فأكثر في السياسة ، ودفعه للتواجد في شوارع مصر لا على الجبهات حيث ينبغي أن يكون . كل شيء يدل على أن شعبية السيسي في الحضيض . فالانتخابات الرئاسية شهدت مشاركة شعبية ضئيلة جداً . وتلك كانت الرسالة الشعبية الأولى للمجلس العسكري بأن صبرهم ينفذ . وهذه الأيام تأكدت هذه الرسالة مع المشاركة الشعبية الضعيفة جداً في انتخابات البرلمان ، حتى أن المشاركة من مصريي الخارج بلغت في بعض البلدان نسبة " صفر " ! لن يفعل البرلمان القادم الذي فاز ببعض مقاعده حتى اللحظة أراغوزات مصر ومساخرها الإعلامية ، إلا أن يُسرِّع وتيرة الثورة على النظام ، فلن يقبل الشعب المصري أن يقوده رئيس فاشل ، يسنده برلمان مسخرة ! كل هذا عن الداخل ، وأما عن الخارج فحدِّث ولا حرج . لم تبق دولة زارها السيسي من دون أن يجد فيها معارضة مصرية في الشارع تدعو لطرده . ليس هذا فقط ، بل إن هذه الدول التي زارها كانت تتعامل معه وكأنَّه " شيء " مؤقت . روسيا مثلاً تعامله وكأنه صبي مكوجي ، خصوصاً بعد حادثة تفجير طائرتها . وبريطانيا تتبادل المعلومات مع روسيا ، وكأنَّ السيسي غير موجود على الساحة . والألمان يعاملونه بابتذال . وبعض الدول لا تريد منه زيارتها بسبب خشيتها من ردود أفعال حقوقية بسبب المذبحتين اللتين ارتكبها نظامه في رابعة والنهضة . بل إن بعض الدول الغربية رفضت استقباله بسبب سجله السيء في قتل وملاحقة المعارضين . الأمريكان هم خير من يقرأ المؤشرات في مصر . وهم قد بدأوا بالابتعاد شيئاً فشيئاً عن نظام السيسي . لا أحد في المجتمع الدولي الغربي يأخذ السيسي على محمل الجد . الكل يتعامل معه على أنه " شيء " مؤقت . دول الخليج ذاتها بدأت تتجاهله . السعودية أوقفت المال حين أيقنت أن هذا المال يذهب لجيوب كبار رجال النظام ولا يذهب إلى حيث ينبغي . بل وأوقفت مراهنتها عليه بعد أن حاول ابتزازها في عاصفة الحزم وفي الموقف من التدخل الروسي في سوريا . الكويت توقفت أيضاً . عمان وقطر يعاملونه باستخفاف منذ البداية . الإمارات ستصل إلى نفس القناعة ، وستعترف بالحقيقة المرة . المال لا يشتري الشعوب . قد يشتري بعض المال النظام بعض الوقت ، لكنه لن يستطيع أن يشتريه كل الوقت . فالإمارات لن تستطيع الصرف على نظام السيسي لمدة طويلة في ظل هذا الهبوط الكبير لأسعار النفط . وستصل إلى قناعة أن مغامرة الانقلاب كانت مغامرة غير محسوبة . وأن مساعدة مصر الحقيقية تكون في دعم المسار الديموقراطي وتحقيق التفاف الشعب المصري على قيادة يختارها ، فمصر القوية والمستقرة ستكون سنداً للعرب مهما كان لون أو طعم من يقودها . الوحيدان المعجبان بنظام السيسي هما نظام نتنياهو الصهيوني ونظام بشَّار الأسد، وسبب إعجابهما هو دعمه غير المحدود لهما. هل لاحظتم كيف تسير الأمور داخلياً وخارجياً في ظل نظام السيسي ؟ إنها تسير إلى الهاوية . وما لم تتحرك الدول العربية الكبرى كالسعودية ، فستدخل مصر إلى النفق ، ولات ساعة ندم .