عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    سعده: خفض الفائدة يدعم الاستثمار ويخفض الأسعار خلال شهرين    «الزراعة» تطلق أول مختبر حي لاستكشاف مستقبل ابتكارات القمح    وكالة «سانا»: ثلاثة قتلى جراء انفجار داخل مسجد في حي علوي في وسط سوريا    الجيش الأوكراني: أسقطنا 73 مسيرة روسية استهدفت مناطق متفرقة في البلاد    مصر ضد جنوب أفريقيا.. تاريخ المواجهات المباشرة بين المنتخبين قبل لقاء اليوم في أمم أفريقيا 2025    سقوط المتهمين باقتحام مقهى وترويع المواطنين بالقليوبية    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    وكيل الصحة بالإسماعيلية تفاجئ مستشفى الحميات    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    الحكومة اليابانية تقر ميزانية دفاع قياسية بهدف ردع الصين    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية فى سلاح السيف    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار غير مشروع فى العملات الأجنبية بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    أنشطة وزارة الإسكان خلال الفترة من 20/12/2025 حتى 25/12/2025.. فيديو جراف    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال يبحثان تعزيز التعاون لتعظيم الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    كأس الأمم الأفريقية.. زيمبابوي وأنجولا اليوم من أجل التعويض    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادئ تربوية قرآنية
نشر في الشعب يوم 18 - 10 - 2015

في كتاب ربنا جل وعلا آيات كريمات كثيرة تتضمن فوائد عظيمة في تربية أنفسنا وتزكيتها وفي علاج مشكلاتنا، فوائد تعيننا على إدراك أدب الإسلام، والتحلي به في الأمور كلها.. ونذكر هاهنا بعض أمثلة من تلك الآيات التي قد نقرؤها ولا نلتفت إلى ما فيها من معانٍ وفوائد تربوية.. لكن مع التأمل ندرك منها ما كان خافيًا وما كنا عنه في غفلة، فمن ذلك مثلاً:
1 قوله تعالى في أول سورة الأنفال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
كثيرًا ما نتنازع في بعض الأمور، وربما كانت أمورًا دينية، ويتطور النزاع وتسوء فيه أخلاقنا، وننسى أن التنازع وسوء الخلق أكبر عند الله من تلك الأمور التي نتنازع فيها، ثم قد يتدخل أناس لحل النزاع فيكون هَمُّ كل منهم الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، ولا نكاد نجد رجلاً رشيدًا يقول للقوم: إن ضياع الألفة والإخاء وفساد ذات البين أعظم مما تتنازعون فيه، لا تكاد تجد رجلاً ينقلهم من قضية التنازع الفرعية إلى الأهم وإلى الأصل الضائع، ولكن القرآن الكريم يعلمنا أن نكون كلنا ذلك الرجل الرشيد الذي يعرف المدخل الصحيح للتوجيه، فإن في الإسلام أصولاً لا يعوضها غيرها مما يتنازع فيه الناس، وتقوى الله والألفة وصلاح ذات البين من هذه الأصول العظيمة، وأهم من قضية تقسيم الغنائم بهذه الطريقة أو تلك {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم}..
إذًا فالقرآن يعلمنا كيف يكون التوجيه والتربية والمدخل لمعالجة كثير من مشكلاتنا من خلال معالجة القرآن لاختلاف المسلمين بعد غزوة بدر في تقسيم الغنائم، ولم يكن اختلافهم بسبب الطمع في الدنيا، ولكن لارتباط الأنفال بذلك الوقت بحسن البلاء في المعركة، وكانت بذلك شهادة على حسن البلاء، وكان الناس يومئذ حريصين على هذه الشهادة من الله تعالى ومن رسوله الله صلى الله عليه وسلم في أول وقعة يشفي الله فيها صدورهم من المشركين.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قد شجعهم على حسن البلاء، وأخبرهم أن العطاء سيكون على قدر البلاء الحسن كما في السنن عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: ((من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا))، فكان حرصهم على أعطيتهم من الغنائم لا لدنيا وإنما لأن ما يُعطونه معبر عن أنه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وتقديره لهم؛ فكلهم حرص على هذا، ولكن القرآن يعلمهم ولو كان الأمر كذلك، إلا أنه لا ينبغي بحال أن يهدر بسببه الإخاء والأدب بينهم..
فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: سألت عبادة عن الأنفال فقال: (فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول: عن سواء).
وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب؛ وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين حدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [لأنفال:1] اه. دعوكم من قسمة هذه الأنفال ودعوا ذلك لله وللرسول، وأقبلوا على ما هو أهم من كل ذلك {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}..
ولذلك أخي الداعية إذا ما قدّر لك يومًا أن تكون بين متنازعين فلا يكن كل همك الخوض معهم في النزاع للانتهاء إلى هذا الرأي أو ذاك.. وربما كان في القضية ما هو أعظم مما تنازعوا فيه من سوء خلق أو فرقة وشقاق أو نحو ذلك.. فلا تتحرج أن تبدأ بإصلاح ما انخرم من الأصول قبل الفروع.. قد يتناقش اثنان ويخاطب كل منهما الآخر بأسلوب خارج عن أدب الإسلام، فإياك أن تتعدى هنا الخطأ، ولا تنكره وتسارع إلى محتوى النقاش، بل هذبهم أولاً وعلمهم كيف يتناقشون.. ويحفظون أدب الإسلام وأخوّته.. قبل أن تبين لهم ما اختلفوا فيه، بل كن مهتديًا بهدي القرآن.. وما أعظم تربيته للنفوس ومعالجته للمشاكل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
2 قوله تعالى في سورة التوبة: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43].
هذه الآية في شأن أناس قالوا: استأذِنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا أي عن الخروج للغزو والجهاد ولهذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي في إبداء الأعذار {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}. يقول ابن كثير رحمه الله: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرِّين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه. (تفسير ابن كثير 2/345).
فهذه الآية الكريمة نستفيد منها فائدتين تربويتين:
الأولى: ضرورة تمحيص الأتباع بالمواقف العملية، واختبار الصدق والطاعة وعدم الاغترار أو الاعتماد على مجرد الكلام الجميل أو الحماس الذي لم يترجم في الواقع بعد. وفي هذا فائدة للمربي والقائد كي يكون على بصيرة ويعرف من معه واقعًا وعملاً، ومن معه بالكلام والدعاوى.
وكما أن فيه فائدة للأتباع وهي إحراجهم أمام نفوسهم حتى يراجعوا أنفسهم، فلعلهم يتوبون ويصدقون.. أو على الأقل يقطع الطريق عليهم حتى لا يستمروا في التمثيل والدعاوى الباطلة ومخادعة العاملين المخلصين بالأقوال المعسولة.. فإذا جد الجد ظهر الخذلان ووقعت الصدمة، وقال الحسن رحمه الله: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه، فإذا سمعت قولاً حسنًا فرويدًا بصاحبه، فإن وافق قوله عمله فنعم ونعمة عين.
وفي هذا المعنى أيضًا، ذلك التوجيه الرباني في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:53]، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81].
والفائدة التربوية الثانية في الآية: تكمن في تعليمنا أسلوبًا من أساليب عتاب الأحبة المخلصين إذا أخطأوا، وذلك بتقديم العفو قبل المعاتبة كما في قوله تعالى لرسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.. عن عون رضي الله عنه قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة، فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.
فهذا نتعلم منه أدبًا في عتابنا للأحبة المخلصين؛ حيث لا نجعله عتابًا جافًا، بل نبدؤه بما يؤكد الحب والمودة، بل لا بأس بشيء من الثناء بالحق على جوانب الخير في المعاتب، فهذا كله من حسن المعاتبة.
قال ابن حزم رحمه الله: حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما، وهما: المعاتبة والاعتذار، فإنه يحسن فيهما ذكر الأيادي وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح فيما عدا هاتين الحالتين؛ لأنه يصير من قصد مدح النفس.
3 قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]..
فهذه الآية الكريمة تربي فينا المنطق الحسن الجميل وعفة اللسان والاحتشام في الكلام، وذلك حين نجد في هذه الآية أن الله عز وجل يعبر عن قضاء الحاجة في الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض، فكنّى الله عز وجل بهذا عن التغوط أو التبرز، فلم يقل: إذا عملتم كذا وكذا.. بل يكتفي بالعودة من هذا المكان كناية عما تم فيه، ومع هذا لا يسند الفعل إلى المخاطبين، فلا يقول: أو جئتم من الغائط، بل يقول: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} زيادة في أدب الخطاب ولطف الكناية، ليكون هذا الأدب نموذجًا للبشر حين يتخاطبون.
كما نجد أدبًا رفيعًا فريدًا احتفى به القرآن دون غيره من سائر الكلام، وذلك حين يعبر عما يكون بين الرجل وامرأته بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، ومن المعلوم أن لفظ الجماع لم يرد ولا مرة واحدة في القرآن، والتعبير بالملامسة أرق وأحشم وأرقى، والملامسة قد تكون مقدمة للفعل أو تعبيرًا عنه، وعلى أية حال فهو أدب يضربه الله للناس في الحديث عن مثل هذه الشئون عندما لا يكون هناك مقتضٍ للتعبير المكشوف .
هذا طرف يسير وقليل من كثير من الآداب والفوائد التربوية في كتاب الله الكريم.. ندعو الله أن ينفعنا بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.