لم تكن الصحف الأمريكية على نفس الوتيرة في التغطية الخبرية للأحداث المتلاحقة منذ ما شهدته مصر من حركة الجيش ضد الرئيس محمد مرسي، حيث رأى الإعلام الليبرالي المهم مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ما حدث انقلابا واضحا على رئيس منتخب، بينما يبدو أن الإعلام اليميني المحافظ مثل وول ستريت جورنال وواشنطن تايمز قد أبدى دعمه للجيش المصري وتدخله بصورة عامة. خلال السطور التالية، تحاول “ساسة بوست” شرح مواقف كبرى الصحف الأمريكية في التغطية الخبرية للأوضاع في مصر، وقراءة فاحصة لفهم السياقات المتنوعة لهذا الانقسام في التغطية، مقابل حالة الهيستريا في الإعلام المصري حيال الصحف المعارضة لنظام حُكم «عبدالفتاح السيسي»، والاتهامات الجاهزة والمعلبة. Washington Times تعتبر “الواشنطن تايمز” هي المنصة الإعلامية الأكثر ترويجًا لسياسات حكومة “عبدالفتاح السيسي”، من بين وسائل الإعلام الأمريكية، حيث يقدم فريق تحرير الصحيفة تقارير خبرية تتركز حول أن خطاب السيسي منح الأمل ليكون بداية لحملة من الإصلاح يقودها المسلمون المعتدلون على صعيد الخطاب الديني وتجاه المتطرفين من الدعاة. كذللك ترمز الجريدة في تقاريرها الخبرية لما حدث في 30 يونيو “بالثورة الشعبية”، ولجماعة الإخوان المسلمين بالكيان الإرهابي حتى قبل اعتماد هذا التصنيف رسميًا من أجهزة الدولة في مصر . خلال فترة تولي الرئيس محمد مرسي إدارة البلاد، كانت “الجريدة” تتهم الجماعة بالمسؤولية عن كافة أحداث العنف التي تشهدها البلاد، وتطالب القوى المدنية بضرورة توفير الحل للجماعات الدينية المتطرفة. في التقرير الخبري المنشور في 3 أكتوبر من العام الماضي، نشرت الجريدة تقريرًا عن جهود حكومة السيسي في محاربة الإرهاب، معتبره منقذًا للدولة من خطر الإخوان، كا أن مرسي ديكتاتور. ارتبطت الجريدة كذللك بصلة وثيقة مع المسؤوليين المصريين، فقد اختارها عبدالفتاح السيسي لتنشر له مقاله الأول على صفحات الإعلام الأمريكي خلال زيارته لنيويورك أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي ينشر فيها مسؤول مصري رفيع مقالا للرأي على صفحات تلك الجريدة، فقد نشر وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي مقالا على صفحاتها يوم 22 يوليو 2013، تحدث فيه عن «فرصة مصر الثانية لتأسيس ديمقراطية حقيقية». تُصنف الجريدة في الإعلام الأمريكي، بأنها المنبر الإعلامي الورقي الأهم للمحافظين الجدد في العاصمة الأمريكية، إذ أنها توفر مساحة لنشر بروباجاندا مؤيدة لسياساتهم ومواقفهم، كما يعتبراء الخبراء وسيلة ضعيفة التأثير بين أوساط القراء والمسؤوليين الأمريكيين، جنبًا إلى موقفها المعادي لقضايا المسلمين في أمريكا. “واشنطن تايمز” تأسست عام 1982 على يد مؤسس كنيسة التوحيد الأمريكية «Unification Church» الملياردير ورجل الأعمال والقس (من أصل كوري) يدعى «سون مسونج موون». وادعى هذا الشخص قبل وفاته عام 2012 النبوة، وأن الله اختاره ليؤسس جنة الله على الأرض، ومنحه مبادئ ربانية تعتبر نسخة ثالثة من الإنجيل والقرآن حسب زعمه. وترتبط كنيسة التوحيد بعلاقات متشابكة مع قادة اليمين المسيحي المتطرف المعروف بولائه المطلق لإسرائيل، وعداء لكل ما يتعلق بالعرب والفلسطينيين والمسلمين. في أحد التقارير المنشورة لجريدة النيويورك تايمز عن الصحف الأمريكية، وصفت “الواشنطن تايمز”: «مع اتجاهها التحريري المحافظ أصبحت واشنطن تايمز مكانا يجذب صحفيين محافظين مثل توني بلانكلي، وفرانك جافني، وأصبحت واجبة القراءة للمحافظين الجدد». توزيع الصحيفة يبلغ يوميا ما يقرب من 80 ألف نسخة ورقية، إضافة لزوار الموقع الإلكتروني الذي يصل إلى 3.1 مليون شخص شهريا، وهو ما يجعل ترتيبها 666 بين المواقع الإلكترونية الأمريكية. The New York Times تعد نيويورك تايمز أهم الصحف الأمريكية على الإطلاق، وتوزع صحيفة نيويورك تايمز يوميا 1.6 مليون نسخة، ويزور موقعها شهريا 22.2 مليون شخص، ويأتي ترتيبها 32 بين المواقع الأمريكية. الجريدة، منصة إعلامية للتعبير عن هوية التيار الليبرالي الأمريكي، تعتبر ما حدث في مصر انقلابا واضحا على رئيس منتخب، وترمز لما حدث في 3 يوليو بالانقلاب العسكري في تقاريرها الإخبارية، واصفة الوضع الحالي بالانتكاسة في مجال الحريات والحقوق داخل مصر. في الافتتاحية الشهيرة لها، بتاريخ 18 أكتوبر العام الماضي، ذكرت الجريدة الوضع الراهن فيها بأنه يفوق أكثر الفترات ظلامية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو ماجعل الجريدة تقابل حملات هجوم واسعة، إذ اتهمها الكاتب الصحفي “مصطفى بكري” بتلقي أموال مقابل نشر هذا الكلام ضد مصر. كما ذكرت في افتتاحية تحت عنوان “التحريض على الديكتاتورية في مصر” بتاريخ 18 مارس للعام الجاري أن واشنطن تحرض على الديكتاتورية في مصر، وأن السياسات الحالية للحكومة المصرية حيال الحركات الإسلامية المعتدلة ستؤدي لمزيد من التشدد في المجتمع. تحت عنوان “خطة سلام متناول في أيدينا” أختار الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أن ينشر «مقاله الأخير» في صحيفة نيويورك تايمز يوم 1 سبتمبر 2010، وهو ما اعتبره الخبراء محاولة ذكية من نظام “مبارك” في اختيار الجريدة الأهم في أمريكا، لكي يجد المقال صدى واسعًا وسط المجتمع الأمريكي دون اعتبار لتقاريرها المناهضة للأوضاع خلال ولاية “مُبارك”. مؤخرًا، حاولت الصحف المصرية تحريف تصريح لوزير الخاريجة الأمريكي “جون كيري” لمراسل صحيفة نيويورك تايمز مايكل جوردن، في الاجتماع المُشترك مع وزير الخاريجة المصري “سامح شكري” عما إذا كانت واشنطن تعتقد أن حظر حزب الحرية والعدالة الذي فاز بمعظم الانتخابات التي جرت عامي 2011 و 2012 أمر بناء؟ وهل تعتبرون جماعة الإخوان «عنيفة وإرهابية»؟، وهل تعتقدون أن عضوية الجماعة ينبغي أن تكون تهمة تزج بصاحبها إلى السجن؟ وجاء رد كيري بالنص كما يلي: «موقفنا واضح وصريح في هذه القضايا، لقد أجريت مع سامح شكري محادثات مباشرة حول هذه القضايا. سامح شكري أشار كثيرا إلى أدلة ترتبط ببعض الحالات التي تواجه فيها مصر خيارا صعبا، لوجود أدلة على ضلوع بعض الأشخاص والقيادات في العنف، ليس جميع الأشخاص، أو جماعة ككل، وهم يدركون ذلك». في مقابل هذه الإجابة، فإن الصحف المصرية الكبرى عنونت الصفحات الأولى الصادرة بتاريخ 3 في الشهر الجاري “لأول مرة: أمريكا تعترف بعنف الإخوان”. Washington Post تعتبر صحيفة “واشنطن بوست” أكبر وأعرق صحف العاصمة الأمريكية، وذاع صيتها عالميا في بداية السبعينيات بسبب كشفها فضيحة ووترجيت التي كانت سببًا رئيسيًا في استقالة الرئيس نيكسون من منصب الرئاسة الأمريكية. يقدم الفريق التحريري للجريدة تغطية خبرية، تتعامل مع تدخل الجيش في 3-7 “بالانقلاب العسكري”، معتبرة في تقاريرها الإخبارية المنشورة أن الأوضاع المأساوية لحقوق الإنسان وانتكاسة أوضاع الحريات داخل مصر نتيجة للأحداث الأخيرة. في الافتتاحية المنشورة للجريدة، بتاريخ 30 يناير 2015 بعنوان “ذكرى سنوية قاتمة في مصر” ذكرت أن النظام المصري يصنع أرضًا خصبة للتطرف من خلال قتل المعارضين السلميين مثل الصباغ وإسكات وسائل الإعلام وسجن النشطاء العلمانيين المؤيدين للديمقراطية مثل أحمد ماهر ومحمد عادل، معتبرة أن إدارة أوباما تضع رهانًا خاسرًا في علاقتها مع السيسي. حيال هذه التقارير المنددة بالأوضاع السياسية في مصر، توحدت جهود الصحف المصرية حيال الجريدة متهمة الصحفية الأمريكية بدعم الجماعة الإرهابية، وتتلقى أموالًا مقابل نشر هذه الموضوعات، بل وصل الأمر لنشر السفير محمد توفيق سفير مصر بالولايات المتحدة، بيانًا بانها “سارت على خطى جماعة الإخوان الإرهابية”. في أحد المقالات المنشورة في الجريدة، بتاريخ 24 – 4 هذا العام، نشرت مقالًا هجوميًا على الرئيس عبدالفتاح السيسي معتبرة إياه أكثر وحشية من جنرال تشيلي «أوغستو بينوشيه»، وأقل إصلاحاً . في مقابل مقالات الرأي شديدة الهجوم على نظام “السيسي”، فإن باب الرأي ينشر كذلك مجموعة من المقالات الداعمة للسيسي، كمقال للكاتب الجمهوري جورج ويل، والذي كتب مطالبا «منح السيسي جائزة نوبل للسلام»، وكذلك مقالة لنائب الرئيس الأسبق ديك تشيني الذي خدم ما بين 2001 و2009 في فترة حكم الرئيس جورج بوش والتي شهدت غزو أفغانستان وغزو العراق الرئيس السيسي الذي التقاه في ربيع 2014 وأكد أن «السيسي ترك انطباعًا جيدًا للغاية لديه» . ورغم أن صحيفة الواشنطن بوست كانت شديدة المعارضة للنظام الحاكم في مصر، فإنها نشرت مقالات لرموزه السياسية خلال فترة ولايته، أبرزها مقال لوزير المالية المصري الأسبق يوسف بطرس غالي قبل زيارة مبارك الأخيرة لواشنطن. توزع الجريدة 462 ألف نسخة يوميًا، ويزور موقعها شهريًا 16 مليون شخص، وهو ما يجعل ترتيب الموقع في المرتبة 71 بين المواقع الأمريكية. The Wall Street Journal تعتبر وول ستريت جورنال، جريدة محافظة، يقرأها أهم رجال المال والاستثمار والأعمال نظرا لطبيعة التقارير المنشورة داخل صفحاتها. تحل الجريدة في المرتبة الثانية للترويج لنظام عبدالفتاح السيسي، بعد الوشنطن تايمز، وهو ما يرجعه الخبراء إلى كونهما “مُحافظ”، تعبر عن التيار المعادي لتولي جماعات الإسلام السياسي للسلطة في الدول العربية. يظهر ذلك التأييد من الجريدة لنظام “السيسي” في تقريرها المنشور 3 يونيو من العام الجاري، أن زيارة السيسي إلى ألمانيا عززت من شرعية السيسي الدولية، وكذللك في تقرير منشور بتاريخ 5 من شهر أبريل أن السيسي أنقذ مصر من “نموذج متأسلم” سعى إليه مرسي. توزع الجريدة يوميا 2.3 مليون نسخة ورقية، ويزورها شهريا 12.2 مليون شخص ويأتي ترتيبها 86 وسط المواقع الأمريكية.