يبدو أن الحرب التي امتدت لسورياوالعراق والتي على وشك أن تدخل عامها الخامس لن تنتهي قريبًا، ومع وجود جبهات اقتتال إضافية ووصول الحرب إلى دول الجوار، باتت التفجيرات لا تعرف موطنًا، التنظيم الذي اجتذب العدد الأكبر من الجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي وبايعه عدة تنظيمات في شرق العالم وجنوبه وبعد مرور أربعة أعوام على اندلاع الحرب في سوريا يبدو أنه ارتكن إلى العمليات النوعية ضد الجارة التي لطالما اكتنف الغموض علاقتها بالتنظيم، فبعض الدول اتهمت تركيا بأنها تُسهل عبور المقاتلين إلى سوريا، إلى جانب النفط السوري في المناطق التي يسيطر عليها داعش حيث يخرج معظمه من خلال تركيا إلى أسواق النفط بأسعار زهيدة خلافًا للأسعار العالمية، ازدادت حدة التوتر في المناطق الحدودية بين تركياوسوريا – المناطق التي يسيطر عليها التنظيم-، وذلك بعد سلسلة من الأحداث المتلاحقة بدءًا من تفجيرات داخل تركيا وتفجيرات سروج الأخيرة، وإعلان تركيا استخدام مجالها الجوي لقصف داعش، مرورًا بإعلانها استهداف مواقع لحزب العمال الكردستاني – والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية- وقصفها لل”بي كا كا” مما جعل الأخير يعلن انتهاء عملية السلام مع الأولى.
تفجيرات سروج.. بداية تصاعد التوتر الانفجار المدوي الذي حدث منذ أسبوع تقريبًا كان بداية للأحداث المتلاحقة، ففي يوم الإثنين 20 يوليو 2015 وقع انفجار في حديقة المركز الثقافي لبلدة سروج ذات الأغلبية الكردية والقريبة من الحدود السورية، اتهمت السلطات التركية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بالوقوف وراء الحادث الذي أسفر عن مقتل أكثر ما يقرب من 30 شخصًا كانوا قد تجمعوا بغرض الإعداد لعملية إعادة إعمار كوباني “عين العرب” ودعمها لوجيستيًّا وتقديم مساعدات كان قد تم جمعها مُسبقًا، في حين أن اتهم مسئولون بحزب الاتحاد الديمقراطي النظام التركي بتدبير هذه العملية ضد الأكراد، ورواية أخرى يراها محللون أن الحادث نتيجة للظروف الداخلية للبلاد إثر الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة. كانت تركيا قد قامت بالقبض على عدد من الأشخاص ممن كانوا ينون العبور لسوريا للمشاركة في القتال هناك عبر الأراضي التركية وقامت بترحيلهم إلى بلدانهم، مما يجعل البعض يرى أن هذا سببًا لغضب تنظيم الدولة. وعلى أثر هذا الحادث أعلنت تركيا ملاحقة مرتكبي هذا الحادث الذي وصفته تركيا ب”الإرهابي”، وقال أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي: “سنقوم بما ينبغي ضد المسؤول عن هذا الهجوم، هذا هجوم على تركيا”. تركيا تعلن الحرب على داعش وفي أعقاب الهجوم منعت السلطات التركية نشر صور الحادث وقامت باستصدار حكم قضائي بحجب تويتر، وأعلنت السلطات توجيه ضربات جوية ضد أهداف لداعش، وقال رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان “نيابة عن شعبي، ألعن وأدين الجناة الذين نفذوا هذا العمل الهمجي. يجب إدانة الإرهاب مهما كان مصدره”. يأتي الهجوم بعد إعلان تركيا عن السماح لقوات التحالف الدولي باستخدام قاعدة إنجيرليك الجوية لضب أهداف تابعة لداعش، وذلك بعد مرور 10 على تكوين التحالف الدولي ضد داعش والذي تم الإعلان عنه وتزعم الولاياتالمتحدةالأمريكية له في أيلول/ سبتمبر 2014. الأكراد ضد النظام وداعش في آنٍ واحد
وفي الوقت نفسه التي أعلنت أنقرة فيها شنها حملة على تنظيم داعش إبان تفجير سروج، قامت مقاتلات تركية بقصف أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني والذي تعتبره تركيا منظمه إرهابية، وأعلنها صراحة كل من أحمد داوود أوغلو رئيس الحكومة المؤقت ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن الحرب على حزب العمال الكردستاني “الإرهابي” هو جزء من عملية متكاملة على المدى الطويل وتهدف إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية: محاربة داعش والحد من قوته وسطوته على الحدود المشتركة، الحرب على حزب العمال الكردستاني – الذي له أهداف انفصالية- وجبهة تحرير الشعب الثورية – والتي تعتبرها السلطات التركية منظمات إرهابية-، وجاءت الضربات التركية على الأهداف التابعة لحزب العمال الكردستاني بعد إعلان مسئولين في حزب الشعب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني لدعوات اعتبرتها الحكومة دعوات للتسلح والانفصال، وبعد يومين من حادث سروج أعلن حزب العمال الكردستاني مسئوليته عن مقتل شرطيين تركيين في منزلهما، حيث زعم الحزب أن الشرطيين كانوا قد شاركوا في هجوم سروج.
وبذلك تدخل تركيا في صدام مع أطراف متعددة كان قد طال تأجيله، وترى “الجارديان” أن تعاون تركيا في الهجوم على تنظيم داعش قد يجعل الضربات الجوية للتحالف الدولي أكثر فاعلية، مما يعزز من تسديد ضربات قاسمة للتنظيم. الحملة التي أعلنتها تركيا تضمنت الثلاثة أهداف وهي: محاربة داعش، ومحاربة حزب العمال الكردستاني، وإعلاء الديمقراطية في دول الجوار. وأكدت أنقرة أن ضرباتها لأهداف تابعة لتنظيم الدولة في سوريا جاء دون التنسيق مع النظام السوري.
تركيا من الداخل.. معارك على صفيح ساخن بعد أن كلف أردوغان أحمد داوود أوغلو برئاسة الحكومة المؤقتة حتى السماح بعمل حكومة ائتلافية بعد نتائج الانتخابات الماضية التي فشل فيها حزب العدالة والتنمية في تحقيق الأغلبية التي تضمن له تشكيل الحكومة من الأغلبية، ظهرت أقاويل في الشارع التركي عن انتخابات مبكرة، ومع دخول الأكراد للبرلمان وتصاعد حدة الاشتباكات على الحدود واستهداف للدوريات الشرطية التركية، أصبح الشارع التركي قلقًا وجابت التظاهرات الشوارع للتنديد بحادث سروج ومن بعده حادث استهداف شرطيين، الأول تتهم أنقرة داعش بتدبيره والثاني أعلن حزب العمال الكردستاني عن مسئوليته. تختلط الحسابات كلها الآن في تركيا مع تعدد جبهات الصراع، على كافة الأصعدة، ما بين تنظيم بسط سيطرته على الحدود التركية من الجانب السوري ويمكنه الوصول للداخل التركي بسهولة، وبين تنظيم آخر ذي أهداف انفصالية أعلن أن مرحلة السلام مع تركيا قد انتهت، وظروف داخلية غير مستقرة تديرها حكومة مؤقتة، يبدو التحدي التركي صعبًا للغاية ساسة بوست.