كشف الكاتب خليل العنانى فى مقاله له على موقع مصر العربية اليوم الأربعاء عن نهاية الجنرال التردايجية وسرد فى مقالة العديد من مواطن الأفعال التى تعجل بإنهياره ابتداء بالقمع إلى القوانين التى مازال يصدرها وتناول الجزء الأخر من اخفاقاته بطريقة ساخرة معبراً عن رؤيا المنام التى تعجل أيضًا برحيله. إلى نص المقال:. ترزح مصر تحت حكم عسكري متغلّب يقوده جنرال مهووس بذاته، يرى نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ البلاد والعباد من "الأشرار". لا يخفي الرجل حقيقته، فهو يرى، وكذلك الكثير من دراويشه ومهاويسه، أن الأقدار قد اختارته لمهمة تاريخية، رآها في منامه قبل أربعة عقود. يقف الجنرال مزهواً بنفسه مخاطباً جمهوره سواء من الإعلاميين أو السياسيين أو رجال الأعمال أو رجال الدين، فيبدو كبيراً في أعينهم، ويبدون هم صغار فى عينيه. يجلسون أمامه كما لو كانوا تلاميذ في حضرة الأستاذ، فارغين أفواههم أمامه، ومشدوهين بسحر نظراته، ومتأملين كلماته، كما لو كان ينطق بالحق والحكمة. لذا لم يكن غريبا أن ينعت الجنرال نفسه، في لحظة صدق، بأنه طبيب وفيلسوف يأتي إليه الناس كي يأخذوا رأيه ومشورته. قصص الجنرالات والحكام العسكريين المخبولين والمصابين بجنون العظمة كثيرة، ولم يبخل علينا التاريخ بها. خذ مثلاً شارل السادس ملك فرنسا بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر الذي لم يكن يستحم لشهور، وكان يتصور نفسه أنه مصنوع من زجاج، ووصل إلى مرحلة أنه لا يستطيع تمييز أولاده وزوجته. وقد انتهي به الحال وحيداً ومعزولاً حتي مات عام 1422. وخذ أيضا الديكتاتور الروسي جوزيف ستالين الذي حكم روسيا لأكثر من ثلاثة عقود وكان يري نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الشعوب الكادحة من استعباد الرأسمالية، فكان أن قتل ملايين الروس من أجل إثبات صحة نظريته. ومن فرط جنون العظمة الذي أصابه، قيل عن ستالين أنه كان يريد تكوين جيش قوى و"سوبر" كي يغزو به العالم ويكون من جينات البشر والقرود، فقد نُقل عنه قوله أنه يريد "مخلوقا بشريا جديدا غير مرئي، لا يحس بالألم، مقاوم ومختلف في نوعية الغذاء الذي يتناوله". وقد مات ستالين مسموماً، بحسب كثير من الروايات، بعد تناول العشاء في بيته الريفي، وقد ظل ملقياً على أرض غرفته يوماً كاملاً، لأن أحداً لم يكن يجرؤ على طرق باب غرفته أو الدخول عليه دون إذن مسبق منه أما أشهر حكايات الجنرالات المهووسين فهي في منطقتنا العربية، فالديكتاتور الراحل صدام حسين كان مولعاً بتمجيد ذاته ويري نفسه خليفة عبد الناصر، وقائد أكبر جيوش المنطقة. فكان أن ارتكب الكثير من الجرائم والموبقات بحق شعبه وأهله، وراح ضحية جبروته عشرات الآلاف من العراقيين. كان صدام يخلع علي نفسه صفات التبجيل والتوقير مثل "الرئيس المؤمن" و"القائد المجاهد" و"أسد الخليج"، وذلك إلى أن انتهي به الحال فى "بئر معطلّة" ظل مختبئاً بها لشهور قبل أن يتم إعدامه شنقاً. وخذ أيضا الطاغية الليبي معمر القذافي، "ملك ملوك إفريقيا"، ومؤلف "الكتاب الأخضر" وصاحب المقولات التاريخية ومنها "إذا كان الموت ذكراً وجب مقارعته حتي النهاية"، و"للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكر أو أنثي" و"أيها الشعب لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام"، وكانت أخر كلماته "سأظل في ليبيا إلى أن أموت أو يوافيني الأجل". وجدير بالذكر أنه قد عُثر علي القذافي مختبئاً في "ماسورة صرف صحي"، قبل أن يتم سحله وقتله والتمثيل بجثته بشكل مروّع. يخبرنا التاريخ أيضا أنه كلما استمر الجنرالات في السلطة، كلما ازداد شططهم، وتضخم هوسهم بأنفسهم، وأصيبوا بحالة متقدمة من "جنون العظمة". وهو ما تبدو أعراضه جلية فى الحالة المصرية. فالجنرال السيسي، بعد عامين فقط في السلطة، أصبح طبيباً وفيلسوفاً ومن الرسل والصحابة. لا يدرك كثيرون أن الرجل بات يصدق نفسه، وأنه بالفعل مخلوق فريد يتفوق على الأخرين بفكره ورؤيته وحكمته وكلماته. اقرأ فقط تعليقات مهاويسه عليه وعلي تحركاته وخطبه، وراقب رد فعلهم على قراراته وسياساته. سوف تجد نفسك أمام حالة جنون جماعي وكأنهم مسحورون ومفتونون به. ومن أعراض جنون العظمة أيضا أن يتخيل الحاكم أنه يحكم "أعظم بلد" و"أفضل شعب" ولديه "أقوى مؤسسات" و"أكفأ رجال"، وأنه سوف يحقق "المعجزات" وأن اسمه سوف يُخلد في سجل العظماء. وهي نفس العبارات التي لا يخلو منها خطاب للسيسي. النهايات الطبيعية لهؤلاء الجنرالات المهووسين بأنفسهم معروفة وتكاد تكون مكررة، وقد سجلّها التاريخ. وهي في معظمها نهايات تراجيدية لا تخلو من مفارقات وطرائف. ولو أن ثمة حكمة وعقل لدي شعوبهم، لوضعوا هؤلاء الجنرالات في مستشفي للأمراض العقلية أو مصحة نفسية تعالجهم من "جنون العظمة" قبل أن يدّمروا بلدانهم، ولكن من يسمع ويعقل؟!!