مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 10 يونيو والقنوات الناقلة    قتيل و4 جرحى حصيلة الهجوم الروسي على أوديسا جنوب أوكرانيا    "والد العريس ضربهم غلط".. إصابة شخصين بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    بعد المارينز، ترامب يشعل أحداث لوس أنجلوس بدفع 2000 عنصر حرس وطني إضافي    سعر الدولار أمام الجنيه الثلاثاء 10-6-2025 في البنوك    قبل كأس العالم للأندية.. لاعب الأهلي يكشف حقيقة معاناته من إصابة مزمنة    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 10 يوينو 2025    محافظ أسيوط يتابع حادث سقوط تروسيكل بنهر النيل ويوجه بتقديم الدعم الكامل للمتضررين    «شغلوا الكشافات».. إنذار جوي بشأن حالة الطقس اليوم: 3 ساعات حذِرة    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 10 يونيو    مينا مسعود قبل طرح أول أفلامه: أخيرًا حققت حلمي وراجع بلدي وفخور إني مصري وبمثل ثقافتها وتاريخها    الصور الكاملة لحفل «واما» بعد تألقهم ب الساحل الشمالي في عيد الأضحى 2025    نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2025 ب الجيزة ب رقم الجلوس (رابط رسمي)    بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    حقك لازم يرجع.. وزير الزراعة يزور مسؤول حماية الأراضي المعتدى عليه ب سوهاج    مباراة السعودية وأستراليا في تصفيات كأس العالم 2026.. الموعد والقنوات الناقلة    ذكريات كأس العالم!    اليوم، عودة البنوك والبورصة للعمل بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى المبارك    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة "فاضح"    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    «الأرصاد منعتنا من النزول.. وشركة المقاولات حفرت لوحدها».. اعترافات المتهم الخامس في قضية انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    ترامب: إيران ستشارك في مفاوضات المحتجزين في غزة.. وسنرى ما سيحدث    استشهاد 3 مسعفين وصحفيا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    بعد مفاجأة زفافهم ب اليونان.. من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟ (صور)    تامر عاشور يشيد بزوجته نانسي نور: قوية وحنونة وتتفهم طبيعة حياتي    حفلين خلال 48 ساعة.. محمد عبده وهاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية    الخارجية الإيرانية تعلن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووى    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    دوناروما: علاقتنا مع سباليتي تجاوزت حدود كرة القدم.. والمدرب الجديد سيحدد موقفي من شارة القيادة    إمام عاشور: لماذا لا نحلم بالفوز بكأس العالم للأندية؟ نحن أيضًا نملك النجوم والتاريخ    ب"شورت قصير".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا فؤاد والجمهور يعلق    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    انقلاب سيارة مواد بترولية بطريق السويس ونجاة السائق    وزير الصحة الأمريكي يُقيل اللجنة الاستشارية للقاحات    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    حاكم كاليفورنيا ينتقد قرار ترامب بنشر المارينز ويصفه ب "المختل"    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    فريق واما يحيي حفلا غنائيا في بورتو السخنة ضمن احتفالات عيد الأضحى    مأساة على شاطئ بقبق بمطروح.. مصرع 10 مصريين وأفارقة في رحلة هجرة غير شرعية قادمة من ليبيا    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    أسعار الفراخ والبيض ب الأسواق اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    سعر الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجارديان" تكشف معاناة الفتاة المصرية بالشارع فى ظل حكم الانقلاب
نشر في الشعب يوم 13 - 07 - 2015

منال وأحمد لا يشبها بعضهما البعض أبدًا، منال تحمل طفلها الرضيع، الذي يلعب بحجابها في استكانة. أما أحمد، فيلوح في الأفق من صورة وراء ظهرها، وهو يرتدي قبعة بيسبول مهترئة على رأسه. منال أم شابة خجولة، أحمد رجل شاب تبدو العدوانية على ملامحه. لا يبدو أن هناك ثمة أي شيء مشترك بينهما.
باستثناء أنهما نفس الشخص. تقول منال وهي تشير إلى صورة أحمد: “هذا أنا. وملابس الأولاد أحتفظ بها في الطابق السفلي“.
نحن في ملجأ للمشردات في الفسطاط، جنوب القاهرة، أقدم حي في العاصمة المصرية. ليس ببعيد عنه، يقع أقدم مسجد في القاهرة. النساء اللاتي يعشن هنا، هن أمثلة على ظاهرة معاصرة قاسية، يجب التحدث عنها أكثرمن ذلك.
هن فتيات شوارع، نساء وأطفال بلا مأوى، يرتدين أحيانًا مثل الرجال. مثل منال التي تبلغ من العمر 23 سنة، وهي أم لثلاثة أطفال، جميعهم ولدوا في الشارع. أصبحت منال بلا مأوى عندما كانت في عمر الثماني سنوات فقط، في العاشرة، حلقت شعرها، وقررت التنكر في زي صبي. ثم بدأت تعمل في بعض الوظائف الخاصة بالأولاد في مصر. عملت في مقهى. وعلى التوك توك (مركبات صغيرة تستخدم في المناطق الشعبية)، الناس الذين لا يعرفونها أطلقوا عليها اسم أحمد. والذي استمرت به طويلًا.
“الأولاد يحصلون على الحرية الكاملة في الشوارع، الأمر مختلف بالنسبة للفتيات“، تقول منال، وتضيف: “أردت فقط أن أكون ولدًا“.
لكي نفهم لماذا، أو على الأقل نحاول ذلك، علينا أن نعرف أولًا ما هو الوضع بالنسبة للأطفال الذين يعيشون في الشوارع في مصر؛ هناك شباب بلا مأوى في كل بلد من بلدان العالم، بما في ذلك 1.6 مليون في الولايات المتحدة وحدها. ولكن مشكلة مصر واضحة جدًا: آلاف الأطفال والمراهقين الذين يتواجدون في أزقة وشوارع القاهرة، كثير منهم، مثل منال، يبقون هناك حتى مرحلة البلوغ.
هؤلاء الأطفال اللامنتمون، يراهم البشر فقط في إشارات المرور، أو على الرصيف أمام مقاهي الشيشة، المجهولون الذين يبيعون لك المناديل، أو الذين يمدون أيديهم عبر نافذة السيارة من أجل بضعة قروش، قبل أن يذوبوا في العدم، يبدون وكأنهم يعيشون خارج الواقع، عالمهم أقرب لعالم سيريالي مقبض، حتى عندما طرحت بعض الأفكار لإنقاذهم، كانت كلها تتمحور حول عزلهم مثل إنشاء مدينة خاصة بالمشردين، أو مثل الدعوة المروّعة التي أطلقها كاتب مقال معروف في جريدة كبرى، وهي المطالبة بحملات تطهير واسعة لهؤلاء الأطفال، كاتبًا بالنص: “اعدموهم مثل الكلاب الضالة”!
وسط هذا الفراغ الذي يمكننا سماع صوت الحزن فيه، نحاول الاستماع إلى قصصهم التي قادتنا من منال ورفاقها، إلى الأخصائيين الاجتماعيين والأطباء النفسيين الذين يعملون معهم، والمدارس والملاجئ التي يرتادونها في بعض الأحيان. الأطفال الهائمون في الشارع بجوار القصر الرئاسي المصري، على الطريق المؤدي إلى الأهرامات. أعلى المقطم، في الفسطاط القديمة.
هناك في الفسطاط، حيث أقيمت ذات يوم أول عاصمة إسلامية لمصر، يقبع مبنى حديث مكوّن من أربعة طوابق لا يمكن تمييزه عن بقية الشارع، لكنه ذو أهمية خاصة بالنسبة للأطفال والشباب المشردين، هو واحد من المراكز التي تديرها جمعية “بناتي”، وهي جمعية خيرية لفتيات الشوارع، توفر لهن بعض الراحة خلال اليوم، وأحيانًا في الليل لأمثال منال وصديقتها هديل.
بعينين دامعتين وابتسامة بسيطة، لا تعطي هديل الانطباع اللائق بحياتها الصعبة. لكنها تكتفي ببعض التلميحات المؤلمة عن قصة هروبها من المنزل في الثامنة، وحياتها في الشارع، بعد عقدين من الزمن لا تزال بلا مأوى. تزوجت هديل مرتين، وفي كل مرة ينتهي الزواج بعودتها إلى الشارع، في المرة الأولى قتل زوجها، بعدما أنجبت ستة أطفال، اثنان منهم يعيشون معها، في حين يعيش الباقون مع جدتهم، التي تعيش أيضًا في الشارع. كل أطفالها مولودون خارج النظام، ليس لديهم شهادات ميلاد، ولا بطاقات هوية. هم بالنسبة للدولة، لا وجود لهم. يستمرون في الحياة التي قدرت لأمهم وجدتهم، حتى لو لم يرغبوا في ذلك.
“في الوقت الراهن، نحن نعمل على الجيل الثالث من أطفال الشوارع“، تقول هند سامي، الأخصائية الاجتماعية في جمعية “بناتي” التي تعرف هديل منذ سنوات. “الأمر لم يعد متعلقًا فقط بالفتيات في الشارع أو الأولاد في الشارع. اليوم أسر كاملة مشردة بلا مأوى؛ لذا نحن بصدد إنشاء مبادرات نحو “الأسر في الشارع “”.
كم طفلًا يملك نفس قصة هديل؟، لا يمكن أن نعرف تمامًا؛ ففي يناير، أفرجت الحكومة عن نتائج المسح التي قالت بأن مصر لا تحوي أكثر من 16019 طفل شارع على وجه الدقة. ولكن في الآونة الأخيرة، قدرت اليونيسيف أن هناك نحو 600،000 على الأقل.
“لا يمكن أبدًا معرفة العدد الحقيقي؛ لأنه لا يمكن تتبع الأطفال“، كما تقول نيللي علي، وهي متطوعة تعمل مع فتيات الشوارع، وتستعد للحصول على درجة الدكتوراه عن تجاربهم. وأضافت: “هم يتنقلون طيلة الوقت، لا يملكون شهادات ميلاد. ولا يستخرج لهم شهادات وفاة“.
التناقض هو أيضًا السمة الملازمة لهم. لا أحد يعرف تصنيفًا واضحًا لأطفال الشوارع، ولا حتى الأطفال أنفسهم. هناك أولئك الذين لا يتجاوزون الست سنوات، وأولئك الأقرب إلى 16 سنة، ناهيك عن البالغين مثل منال وهديل. هناك الأطفال الذين يتنقلون خلال شوارع القاهرة يومًا بعد يوم، يلحون على مدخني الشيشة على أرصفة المقاهي من أجل بعض الفكة، قبل عودتهم إلى منازلهم لآبائهم كل ليلة. هناك الأطفال الذين يهربون من المنزل من وقت لآخر، ثم يعودون بضع ليال في وقت لاحق. ثم هناك أولئك الذين اختاروا بإرادتهم مغادرة المنزل بشكل دائم.
غادة والي، وزيرة الحكومة التي صدقت على إحصائيات أطفال الشوارع في مصر، تملك تعريفًا واضحًا شاركتنا به ونحن نتناول القهوة معها في مكتبها، فقالت: “أطفال الشوارع، هم أولئك الذين غادروا بيت الأسرة بسبب تردي العلاقات مع العائلة لأي سبب من الأسباب، ليلجؤوا إلى النوم تحت الجسور، وفي المنازل المهجورة، هؤلاء هم الأطفال الأكثر عرضة للخطر. وهم الذين قمنا بحصرهم”.
ولكن بسؤال أطفال الشارع نفسهم، حصلنا على إجابة مختلفة في كل مرة. منال تعتقد أن التعريف يمتد ليشمل الكثيرين، الصبي الذي يقضي معظم يومه في الشارع، يشكل جزءًا من التسلسل الهرمي المعقد لعالمهم، “لا يزال طفل شارع حتى لو كان يذهب إلى منزله كل يوم”، تقول منال. وأضافت: “إنه جزء من مجموعة الشارع، إنه يعيش في الشارع، وذلك بطبيعة الحال، يجعله طفلًا للشارع“.
تقول نادية البالغة من العمر 15 عامًا، بأن الكلمة الأنسب لوصف “أطفال الشوارع” هي الأطفال المتجاهّلون في كل مكان، كلهم متساوون، لكنهم يختلفون فقط في العمر، الجنس، والخلفية، وأيضًا الاختلافات بين كل تجربة وتجربة.
وأضافت: “لا يوجد شيء اسمه أطفال شارع، ولا بنات شارع أو أولاد شارع، الشارع لا يلد، ولا يربي الأطفال، الشارع لا يفعل أي شيء!“.
تلال المقطم تبرز بشكل غير متوقع بين ضواحي القاهرة، وهو المعلم الطبوغرافي النادر لمدينة مسطحة في مجملها، في أعلى نقطة في المقطم يقبع واحد من مراكز جمعية خيرية تدعى “جمعية قرية الأمل” لتكون الأولى من نوعها في مصر التي تركز بالتحديد على أطفال الشوارع.
في شارع سكني هادئ، أعلى من باقي المباني، يبدو المنزل وكأنه عالم بعيد عن زحام وقسوة القاهرة. ولكن داخل جدرانه، يقبع بعض من أكثر الأشخاص الذين تعرضوا لضرباتها الموجعة.
هنا تمنح نحو 10 من الأمهات المراهقات بعض الراحة من الشارع، ومساحة آمنة لرعاية أطفالهن. قصص هؤلاء النساء تمنحنا لمحة أكثر وضوحًا عن لماذا يفضل البعض الهرب والعيش في الشارع في المقام الأول.
قبل سنوات من وصولها قرية الأمل، غادرت مايا المنزل في الساعة السابعة، بعد ثلاث سنوات من حبس زوجة أبيها لها داخل دائرة وهمية في غرفة واحدة كما تقول، في هذه المساحة الضيقة، كان عليها أن تأكل وتنام وتقضي حاجتها، بعدها، اضطرت إلى أن تصبح خادمة لأخواتها غير الأشقاء. خطأ بسيط في المطبخ قد يعرضها لمزيد من العقاب، في مرة، حطمت زوجة أبيها جمجمتها بالهاون، أما والدها فوافق على جرها إلى السطح لتضرب بوحشية كل بضعة أيام، قالت مايا لنفسها هذا يكفي، وغادرت بعد فترة وجيزة.
فرح التي تبلغ من العمر اثني عشر عامًا، رفضت الانضمام إلى شبكة دعارة عمها؛ فقام بربطها بالسلاسل واغتصبها كل يوم لعدة أشهر. ثم ذات يوم، تظاهرت بأنها سوف تفعل ما يريد. حتى قام بفك قيودها، وعلى الفور ألقت بنفسها من نافذة الطابق الرابع، لتُحطم عدة عظام، وتنجو من الموت بأعجوبة، وبعد مغادرة المستشفى، انتقلت من فورها إلى الشارع.
من العجيب أن الفقر ليس سببًا في حد ذاته لتوجه الأطفال إلى الشوارع، “الفقر واحد من الأشياء التي تتسبب في الطباع الوحشية لبعض الأسر“، كما يقول محمود أحمد، مدير المركز. ولكنه لم يكن أبدًا سببا رئيسًا، على عكس الاعتداء الجنسي المتكرر، أو التفكك الأسري.
“هناك الكثير من الأطفال في شوارع القاهرة يملكون أشقاء لا يزالوا يعيشون في منزل الأسرة”، تقول نيللي علي، التي أجرت مقابلات مع العديد من أولئك الذين يعيشون في جمعية الأمل. وأضافت: “إذا كان الأمر متعلقًا فقط بالفقر، لكانوا جميعًا في الشوارع.
موقف المجتمع المتساهل مع العنف المنزلي يعد أيضًا عاملًا مساهمًا في اتخاذ الطفل قرار الهرب، هناك قوانين للتعامل مع الآباء المتوحشين، وخطوط ساخنة للإبلاغ عنهم. ولكن في ثقافة حيث يشعر الكثيرون أن للآباء الحق في التعامل مع أطفالهم كيفما يحلو لهم، لا أحد يتبع هذه التشريعات أبدًا“.
“هناك رجل ضرب ابنه حتى الموت أمام ضابط شرطة في الشارع“، توضح شيماء، الطبيبة النفسية في جمعية الأمل. وأضافت: “لكن لم يتدخل أحد لأنه ابنه”.
ونتيجة لذلك؛ فإن الشارع قد أصبح حرفيًا السبيل الوحيد المتبقي للأطفال المعتدى عليهم. على الأقل، تصبح فيه اللعبة عادلة بينهم وبين البالغين الآخرين وليس بينهم وبين والديهم.
الساعة 9:30 مساءً، تمشي شيماء، الأخصائية النفسية، في شوارع ضاحية راقية. السكان المحليون الأثرياء يحتسون القهوة في المقاهي الفاخرة، أو يقفون في طوابير لشراء الآيس كريم من واحدة من أفخم محلات الحلويات في المدينة.
ولكن شيماء ليست هنا للتنزه، كما تفعل أحيانًا، لكنها هنا لتبحث عن مراهقة مفقودة، “سارة” التي تعرضت للاعتداء من قبل والدها، لتعمل بعدها في الدعارة، ولينتهي بها المطاف مباعة على يد قوادها لرجل خليجي أبقاها في شقة في القاهرة.
بطريقة أو بأخرى هربت سارة، لتنتقل من حفرة إلى أخرى، حتى التقت شيماء لأول مرة،. لكن الآن سارة قد اختفت، وشيماء تريد أن تجدها. أخبرها بعض من فتيات الشوارع بأنها قد تكون هنا في الكوربة.
إنه عمل خطر ما تفعله شيماء. فمنذ تأسست جمعية الأمل في عام 1988 على يد البريطاني ريتشارد هيمسلي، وهي تدير عدة مراكز وملاجئ طويلة الأجل تهدف إلى إعادة تأهيل أطفال الشوارع تدريجيًا مرة أخرى في المجتمع. العديد من الفتيات الذين تجلبهم شيماء إلى الملاجئ لا يتمكنّ من تقبل الروتين؛ لذلك مثل سارة، يقمن بالهرب في بعض الأحيان. وواحدة من وظائف شيماء هي العثور عليهن.
لكن العثور عليهن أمر صعب. اقناع فتاة بالذهاب إلى المأوى قد يضر بشبكة الدعارة التي تعمل بها؛ لذا، تحتاج شيماء إلى مباركة زعيم الشارع المحلي – وإلا فإنها قد تتعرض للهجوم. وأضافت: “إذا ذهبت لأخلص فتاة يتم استغلالها على يد القوادين، أصبح أنا الهدف لهم، فهم يعتبرونني أسرق مصدرًا للدخل منهم“.
أحيانًا تتعرض الملاجئ نفسها للهجوم، في واحدة من المرات، اقتحم أربعة رجال الملجأ بالمناجل، وطالبوا بإعادة فتاة معينة لهم وإلا سيقطعون رؤوس الجميع.
وأحيانًا التهديد يأتي من الفتيات أنفسهن. في نوبة من كراهية الذات، سحبت مراهقة شفرة من فمها وبدأت بقطع شرايينها، ومهاجمة شيماء عندما حاولت الاقتراب منها، بطبيعة الحال، تخضع شيماء وزملاؤها في قرية الأمل لفحوص نصف سنوية، إلى جانب التطعيمات ضد الأمراض المختلفة. بعض الفتيات يحملن فيروس الإيدز، أو يعانين من التهاب الكبد C.
في مثل هذا العمل الناكر للذات، كثير من أولئك الذين يعملون في قرية الأمل لديهم ذكريات خاصة يحتفظون بها لتجبرهم على المواصلة، دوافع شيماء مثلًا، هي صورة واحدة من أولى مرضاها، فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات، أتوا بها إلى المركز بعدما وجدت ملقاة في الشارع بعد تعرضها للاغتصاب الجماعي.
“بعد كل هذه السنوات، صورة تلك الفتاة لا تزال تدفعني للاستمرار”، تقول شيماء، التي كانت تعتقد أن هذا العمل ليس لها حتى شاهدت الطفلة تلعب في المركز بعد أن تعافت قليلًا. “لا أستطيع أن أنساها وهي تجلس ببراءة على الأرجوحة رغم أنها لا تزال تنزف من الاغتصاب“.
الاغتصاب والاتصال الجنسي بالإكراه من الأشياء الثابتة في حياة معظم هؤلاء الأطفال. كثير من فتيات الشوارع في سن المراهقة يجبرن على العمل في الدعارة. وحتى خارج شبكات الدعارة الرسمية، الجنس يمكن أن يصبح نوعًا من العملة. لتأمين مساحة للنوم على الأرض ليلًا، أو الوصول إلى مرحاض المحطة، بعض المراهقات قد يقدمن الجنس لصاحب متجر من أجل بضعة مستلزمات.
من المعروف أن الفتيات الصغيرات من سن ست سنوات، قد يجبرن على تقديم خدمات جنسية للعمال الذكور في بعض الملاجئ. تجاربهن في الشارع، حيث يتعرضن لسوء المعاملة بصورة روتينية، جعلت الأمر طبيعيًا بالنسبة لهن.
في الشارع، يتم اغتصاب الفتيات والفتيان في بعض الأحيان من قبل مجموعات من الرجال الذين يعرفون أنهم قادرون على فعل ما يشاؤون والإفلات من العقاب ضد هؤلاء الأطفال، الذين لا يملكون حتى أوراقًا رسمية تثبت وجودهم، وفقًا للعاملين في “بناتي”، بعض الفتيات في كثير من الأحيان يتم حجزهن في غرف موصدة لعدة أيام، قبل تعرضهن لحفلات اغتصاب جماعي.
التوحش لا يقتصر على الاغتصاب فقط؛ فبعد اغتصاب الفتيات العذراوات، يتم إحداث ندبات تحت عيني الضحية بقليل، وبعد عدة هجمات، يصبح خدها ممتلئًا بالندبات العمودية.
هربًا من هذه الأعمال المتوحشة، تحاول الفتيات عدم النوم في الليل، أو ببساطة عدم النوم على الإطلاق. “أنا يمكن أن أبقى مستيقظة لمدة ثلاثة أيام أو خمسة أيام“، تقول ياسمين، التي تبلغ من العمر 16 عامًا. فتيات أخريات لديها آلية مختلفة للدفاع عن النفس، فيدعين أنهن أولاد.
منذ حوالي 10 أعوام، وصل صبي بلا مأوى إلى ملجأ في القاهرة مذعورًا، قائلًا أنه ينزف بشدة. وكان الصبي وجهًا معروفًا في الملجأ، فهرع الأخصائيون الاجتماعيون بسرعة إلى الطبيب لمعرفة سبب المشكلة.
كشف الفحص عددًا من المفاجآت؛ أولًا، كان النزيف هو دم الدورة الشهرية. ثانيًا، الصبي كان في الواقع فتاة، حلقت شعرها وربطت ثدييها، من أجل الهرب من الاغتصاب في الشارع، ولتضمن مكانًا لها في ملجأ الذكور لبعض الراحة.
قبل بضع سنوات، اعتقد نشطاء حقوق الطفل والأخصائيون الاجتماعيون في مصر إلى حد كبير أن الأولاد هم الأكثرية في الشوارع، لكن نزيف هذه الفتاة أثبت عكس ذلك.
“كانت هذه الوسيلة بالنسبة لنا لحماية أنفسنا“، تقول هديل، وابنها يختلس النظر إلينا من الغرفة المجاورة في ملجأ الفسطاط. لقد اعتدنا على حلق الشعر، وارتداء السراويل والقمصان، حتى لا نصبح مطمعًا في عين أي رجل.
بالنسبة للبعض، الهدف ليس فقط لتجنب الاعتداء الجنسي، ولكن للشعور براحة أكثر في الشارع، الذي ينظر إليه في مصر تقليديًا كمكان الذكور. هذا التنكر يتيح للفتيات التدخين، المشاجرات، أو ببساطة الجلوس في الشارع، الأشياء التي يمكن للأولاد القيام بها بسهولة دون لوم، ولكن الفتيات لا يتمكن حتى لو كن أطفال شارع.
أميرة الفقي، الأكاديمية السابقة قتلت هذا الموضوع بحثًا، وأوضحت: “جميع الامتيازات تمنح للرجال في نظرهن، إنهن يسخرن من فكرة الجنسين بالكامل بتنكرهن، يقلن: تعتقدون أن المرأة ضعيفة؟ حسنًا أنا فقط لن أكون امرأة بعد ذلك”.
لجعل نفسها أقل عرضة للخطر، تنضم فتاة الشارع أيضًا إلى ما يسميه الباحثون “أسرة الشارع”. وهي مجموعة مختلطة من الجنسين تتكون من حوالي 10 أطفال، يصبحن أعضاء عائلة تحمي بعضها البعض، وعادة ما ينامون معًا من أجل السلامة.
عمل الأعضاء في كثير من الأحيان يقسم على حسب الجنسين. تقول نيللي علي، “الفتيات تعمل في الدعارة”. ويقدمن الأرباح كل يوم لزعيم الأسرة، والذي عادة ما يكون الصبي الذي أثبت أنه أقوى من الآخرين.
“من المستغرب أن الزعيم هو في كثير من الأحيان شخص من الذين تقل أعمارهم عن الآخرين“، يقول مدير قرية الأمل محمود أحمد، الذي أجرى أبحاثًا حول بنية أسرة الشارع لعدة سنوات. وقال: “إنه الشخص الذي أثبت للآخرين بأنه يمكن أن يفعل أشياء لا يستطيع الآخرون القيام بها“. قدرته الفريدة قد تكون مثلًا تمكنه من السرقة أكثر من أي شخص آخر. أو يمكن أن تكون القوة البدنية. الطفل الذي يتمكن من القفز من فوق جسر دون كسر عظامه، يكسب على الفور احترام أقرانه، ويصبح زعيمًا لهم.
لكن الزعيم يتلقى أكثر من ذلك بكثير من الاحترام، فكلمته مطلقة، على عائلته الدفاع عنه مثلما يدافعون عن حياتهم. في المقابل، يمنحهم هو هوية جماعية، ويوفر لهم الحماية من الغرباء. ولكن داخل الجماعة هو أيضًا قد يشكل تهديدًا. “على الزعيم إثبات ملكيته الجنسية للآخرين، الفتيان أو الفتيات“، يقول أحمد. “وهو يعلّمهم بالندبات الجنسية على الوجه بشكل مستمر“.
وبالنسبة للفتيات، فالندبات بالطبع ليست فقط ما يحدثه فيهن.
مستشفى عين شمس، التي تقع في إحدى ضواحي شمال شرق القاهرة، ليست الخيار الأول للأمهات الحوامل؛ فهي مستشفى تعليمي، وكثير من عملياتها تتم في حضور حشد من الطلاب. وكأي مستشفى تعليمي آخر، تعاني من نقص التمويل. حتى إن الأطباء في كثير من الأحيان يضطرون لشراء المعدات المطلوبة بأنفسهم، بما في ذلك عمليات نقل الدم.
ولكن عين شمس، والمستشفيات التعليمية الأخرى مثلها، غالبًا ما تكون الخيار الوحيد للأمهات المشردات اللاتي يحملن. إنها أرخص بكثير من معظم الخيارات الأخرى. تكاليف الدخول 120 جنيهًا مصريًا فقط (حوالي 10 جنيهات إسترليني)، وهي جزء ضئيل مما قد تكلفه حتى المستشفيات الحكومية الأخرى في المدينة.
ولكن بالنسبة للنساء اللواتي يعشن في الشارع، هناك سعر أكبر يدفعونه للولادة في جامعة عين شمس، كرامتهن.
فالكثيرات منهن لا يحملن بطاقات هوية؛ ولذلك رسميًا يمكنهن فقط الدخول إلى المستشفى مع وصي، من الناحية المثالية الزوج. ولكن إذا كانوا هن أصلًا ضحايا اغتصاب جماعي، فإنهن قد لا يعرفن حتى الأب.
لذا؛ لا يتم إدخالهن إلا بعد استجواب طويل مؤلم. ثم تجد الحامل نفسها مع القليل من المسكنات في غرفة الانتظار المكتظة في المستشفى، ثم أخيرًا تخضع لعملية ولادة مهينة، والتي قد تحدث في وجود -وأحيانًا بمشاركة- أكثر من 20 طالبًا.
إنه تسلسل مؤلم، تقول يارا يونس، طبيبة شابة من الذين ناضلوا من أجل معاملة أفضل للنساء المشردات الحوامل في عين شمس. “لديك قارورة واحدة من المسكنات يجب أن تكفي لمدة 12 ساعة“، كما تقول. “ثم لديك 20 شخصًا يحشرون أيديهم داخلك، وبعد ذلك يطلب منك تفسير كيف حدث الحمل، سمعت بعض الأشخاص يسألون امرأة تلد “لماذا تصرخين؟ توقفي عن الحمل حتى لا تصرخين..” لقد سمعتهم بالفعل يقولون ذلك. بل ورأيت بعضهم يضربون السيدات على أرجلهن لمنعهن من الصراخ“.
وبعد ذلك تبدأ الدورة مرة أخرى. يعتقد النشطاء في قرية الأمل أن 20٪ فقط من المشردين الذين يعملون معهم تمكنوا من مغادرة الشوارع فقط من أجل أطفالهم، الذين هم أقل احتمالًا لحمل بطاقات هوية، والذين لم يعرفوا سوى حياة الشارع الأكثر قسوة.
تمكنت منال من أن تترك حياة الشارع، بشخصيتيها الأنثى والذكر، وهي الآن مقيمة في جمعية “بناتي”، ولكنها تمكنت من اصطحاب واحد فقط من أطفالها الثلاثة معها. الاثنان الآخران يعيشان مع جدتهما، ويقول الأخصائيون الاجتماعيون إنهما يتجولان في المدينة كل يوم لبيع المخدرات.
“هذا لا يعني أن منال غير مهتمة بهما“، تقول هند سامي، مرشدتها في جمعية “بناتي”. “إنها تبذل قصارى جهدها، مثل كل أمهات الشارع”، فهن يملكن شعورًا عميقًا جدًا تجاه أولادهن، حتى لو تركوهم، فإنهن يبقين راغبات في رؤيتهم، والقرب منهم”.
عندما نتكلم عن أطفال الشوارع، لا ينبغي لنا أن ننسى أنهم بشر. إذا كنا قد شهدنا كل ما تعرضوا له من إساءة، لربما أصبحت، أنا، وأنت، وهو، وهي، بسهولة جدًا، واحدًا منهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.