بعيداً عن الجانب المنهجي في المسألة تماماً، هناك نوعين من القوي لدينا، قوي حكومية التي تتمثل في النظام، و قوي غير حكومية وفي حالتنا هنا (المقاومة)، المُقاوم للنظام ، كيف سيخوض المعركة ؟! البديهي من خلال حرب العصابات، (هناك فرق بين حرب العصابات والحروب العسكرية) الحرب العسكرية هي “جزء” من حرب العصابات، لكن حرب العصابات مفهوم أشمل و أعم يشمل المعارك السياسية مع النظام، معارك كسب الشعب في صف المقاومة، و المعارك الاقتصادية ، و توظيف مراكز قوة النظام في سبيل اضعافه، و تفريغ الداعمين للنظام من حوله من خلال كشفه … الخ (هذا بالاضافة إلى إمكانية حدوث صدام) ، لكن هي حرب سياسية و فكرية بالأساس، تحتاج لنفس طويل . هل قوة المقاومة “المادية ” مكافئة للنظام ؟! لا .. فكيف إذن تنتصر المقاومة؟! المقاومة لديها ما هو أقوي من القوة المادية والتي تجعلها تتمكن من تحقيق النصر فعلاً، هناك دراسة نشرت من قبل توضح أن جميع الحروب التي حصلت في آخر قرنين ، 63 % منها كان الفوز في مصلحة الطرف الأضعف عسكريا عند استخدامه (اسلوب حرب العصابات) .. بالشكل الذي نشرحه هنا. لماذا تنجح المقاومة باسلوب حرب العصابات ؟! المقاومة لا تتحرك منفرده أبدًا، أنها تلف الشعب من حولها، فيوفروا لها كل الدعم الذي تحتاجه، هذا ما نشر في مقالة تحت عنوان ( منظور جديد في الشئون العسكرية) نشرت علي مركز الدراسات الدوليه الاستراتيجيه، هذه المقالة تناقش حلول جديدة (لم تطبقها الأنظمة بعد) المقالة تذكر نصاً أن القوات العسكرية لوحدها لا تستطيع هزيمة العدو وحسم المعركة، فلم يعد النصر يقاس بأي طرف فاز بمجموعة معينة من المعارك. بل أصبح يقاس باي طرف امتلك النفوذ والسيطرة على الشعب اكثر ، فطبيعة المعركة أنها أممية وليست نخبوية. فالمقاومة لا تخوض المعركة نيابة عن الأمة لكنها تجر الشعوب معها في معركته هو ، وتكون المقاومة طليعة توجه الحراك بدرجة عالية من الوعي والإدارك للواقع، ولتكن الشعوب للمقاومة بمثابة المساحة التي يستطيع أن يتحرك فيها. الغرب بدأ يتجه لدراسة كيف تُهزم حروب العصابات؟ ، لأن فعلاً الاعتماد لا يكون بالقوة العسكرية نهائيا ، لكن هي الذكاء في لف الواقع واستخدامه لصالح المقاومة، وأصبح الغرب نفسه يقر بأن الاعتماد على القوات المحترفه و والتكنولوجيا المتطورة وحدهما للقتال أمر سخيف جدا ! ، و لم يتعلموا الدرس بسهولة ولكن بعدما تجرعوه من هزائم في أفغانستان و فييتنام مثلاً ،إذن المعركة بالأساس (فكرية و اعلامية) ، و أي خطوة صدامية لابد أن تخدم فكرة المقاومة، لكن الصدام الأول و الأهم و الاخطر هو الصدام القيّمي ، (لذا لا بد أن تخرج المقاومة من حيز حصر القوة في اطار القوة المادية) نتكلم هنا عن ما يُعرف ب “الحروب الإيحائية” وهي الحروب التي تنتصر فيها على المستوى الاستراتيجي من غير قتال في الواقع ! بل إن الجانب المتفوق في المعركة هو الذي يستطيع أن يناور ويهدد ويسلك طريقه نحو الفوز من غير إطلاق رصاصة واحدة مطلقاً أو حتى المخاطرة بمجازفة عسكرية، وبالطبع هنا لا نعني السلوك السلمي وتحركات اللا عنف المشتهرة بين الثوار ذوي التوجهات الليبرالية، فصاحب السلوك السلمي لا يستطيع أن يناور ولا أن يهدد ولا أن يحرز أي هدف استراتيجي في المعركة، وإنما المقصود بهذه الفقرة هو أن نبين أن خطورة الحروب الثورية مستندة للشعب على القوات النظامية تكمن في قوتها الإيحائية، أي أنها حرب سياسية دعائية وليست في العمل العسكري نفسه، وأنه في عرف الحروب اليوم كلما حققت أهدافك الاستراتيجية بأقل عمل عسكري ممكن فقد تفوقت. محور المعركة علي المستوي الاستراتيجي هو “وجود الأمة ” في معركتها فعلا، تاريخياً و واقعياً حتى لو تحدثنا بشكل مادي بحت، هذا شئ ضروري فعلا حتى تحرز المقاومة خطوة حقيقية للأمام ، استمالة الشعوب بعيد عن العدو تُلخَص في إظهار الدنيا سوداء أمامهم بخصوص الأمل في تحسن أحوال البلاد وإزالة أي أوهام وآمال زائفة يحاول أن يصدرها النظام من وقت لآخر قدر المستطاع، و إفشال أي أمل زائف لديهم بأنه من الممكن للوسائل “الإصلاحية” أن تصلح لهم ذلك الواقع المنحط ، فأي محاولة اصلاحية ما هي إلا سبيل لمزيد من استقرار النظام و اطالة أمده ، وهذا الأمر جلي الآن فيما تعانيه الأمة من هذه المسارات الاصلاحية التي انتهجها البعض ممن يدعون المقاومة. كيف يمكن جذب الكتل الشعبية في جانب المقاومة والثورة ؟ بتقسيم الجمهور لخمس أقسام ( عدو = مناصر للعدو = محايد = مناصر للمقاومة = مقاوم ) ، فطوال الطريق يجب على المقاومة أن تكون حريصة في جعل هذا الخط يسير من اليمين لليسار، فبدلا من أن يكون هناك مواطنين متعاونين مع الأنظمة المستبدة ضد الثوار يجب إبقاؤهم بدون أذى لعناصر المقاومة والثورة، ومن يكرهون الثوار نحولهم لمحياديين بعيدًا عن الصراع، والمحايدين نحاول تحفيزهم وإعطاؤهم الدوافع من أجل مناصرة الثورة والانضمام لصفوف المقاومة، والمؤيدين للثورة نحاول جعلهم ينضموا وينشطوا في المعركة. لكي يقتنع الجمهور أو الشعوب بدعوة المقاومة يجب أن نعي “مفتاح الصراع” لكل شعب أو جمهور لا بد من معرفة هذا المفتاح جيدًا، لكي يتم تنفيذ عملية تغيير لا بد أن تكون هناك دعوة، و قضية، و مفتاح الصراع، هنا يمكن أن يكون الدعوة : (الاسلام) ، القضية : الهيمنة ، لكي يربط الاتنين معًا لابد من معرفة مفتاح الصراع ، وأن يخاطب الاشخاص من مفتاح الصراع لمجتمعهم، بدون هذا الثلاثي “الدعوة والقضية ومفتاح الصراع “ ستكون هناك حلقة مفقودة، فإذا تم مخاطبة أحدهم عن النظام العالمي وجرائمه سينظر للقضية على أنها لا تخصه وأنه يهمه فقط” لقمة العيش” و حياة بسيطة آمنة، فهنا لا بد من أن تتم مخاطبته من مشكلته وهي هنا مفتاح الصراع، فمخاطبته تكون هكذا ” هل تعرف الأسباب التي تجعلك فقيرًا وتجلعك لا تجد الكفاف ولا حتى لقمة العيش بكرامة ؟ ” لأنك ممنوع من زراعة القمح و … و .. (اسلوب الخطاب المحرك للجماهير) فيبدأ ساعتها يربط بين القضية الكبيرة في (الهيمنة والنظام العالمي) ويربطها بمشكلته أو مفتاح الصراع الذي يحركه. استغلال مفاتيح الصراع شئ ليس ضد المنهج كما يدعي البعض، فالرسالة جاءت لتكون هي الرسالة الشاملة الكاملة لتبليغ دعوة الله سبحانه وتعالى جاءت لتكون ضد أي ظلم سياسي وضد أي استبداد، ضد الفساد الاقتصادي في أي مجتمع ، و ضد الأوضاع الاجتماعية المنحلة وضد الطبقية، و الفقر والظلم .. وغيره ، السعي ل تثوير الناس يكون بهذه الطريقة خاصةً أن الجماهير العفوية تكون مطالبها سلوكية نوعا ما وعقولها ليست سواء من ناحية الاداراك والوعي، فالتعامل علي قدر عقول الناس و مطالبهم شئ لا يعيب فاعله بالعكس . المعارك ذات النفس الطويل من أحد أهم الأخطار التي تواجه المعارك الثورية كهذه التي نخوضها اليوم، أن طول المدة والإيقاع الهاديء فيها يصب مباشرة في مصلحة القوى غير النظامية “جانب الثورة والمقاومة” ، وهذا على كل المستويات على مستوى الأفراد وطول نفسهم واستعدادهم للتضحية بصورة أكبر وأطول وعلى المستوى السياسي وعلى المستوى المادي والتكلفة، كل هذه المستويات ترجح كفة القوى غير النظامية، وهنا تُنصح قوات النظام بالقضاء على المعارك الثورية من قبل بدايتها “أي أحد يريد التفوق في هزيمة عدوه يجب أن يغلبه قبل أن تصبح تهديدات عدوه حقيقية“، وهو ما يعني أن المرحلة “التحضيرية” في المعارك هي المرحلة الأخطر وأن القوى غير النظامية إذا تجاوزتها بنجاح فقد استطاعت أن تصبح خطرا لا يمكن التخلص منه مطلقا ، وهذا تمامًا المقصود بمعارك (النَفس الطويلة). خطر انتهاء الكتلة الأساسية الحاملة للفكرة وإهدار الطاقات عندما يكون هناك إهدار ميداني للطاقات والدماء لا يقابله حتى انتصار منهجي وفكري هنا يظهر خطر انتهاء الكتلة الأساسية الحاملة للفكرة ، في هذه الحالة ما يحدث يعتبر دوران في دوائر عبث لا تنتهي وجب التحرر الفوري منها ، لذلك يجب عدم الاستعجال في إهدار الطاقات البشرية والمادية فهذا من أشد الأمور أهمية خاصة في المراحل التي يكون النظام فيها في حالة مد ، وقتها الحفاظ علي الطاقات يكون اكبر مكسب أو يمكن أن نسميه (النجاة من المحرقة) هذا لمجرد حفظ القضية حية فقط لفترة أطول، لأن المقاومة عادةً تستفيد من طول أمد المعركة وليس النظام. المعركة تحتاج لطول نفس و امتداد طاقات، و يصاحب هذا استغلال الوقت في ترتيب الصفوف وإعادة تنظيم الأطراف لنفسها بصورة تتناسب مع حالة القمع وقابلة للبقاء حتى مع أشد الضربات عتوًا، لكن تخيل حصيلة أكتر من 40 ألف معتقل، و كذا ألف قُتلوا ،وتفريغ الشحنات الثورية وإهدار الأنفس والطاقات بجنون مطلق، كل هذا خلال شهور فقط، وقتها سنصل لمرحلة ان حالة المد الثوري عندما يأتي حينها فعلًا لن تجد شباب ليقوموا بها أصلا. أساليب التحريض ودفع الجماهير لخوض المعركة ما دمنا نتكلم على أنه لا بد من السعى لتحريض الشعوب والجماهير والفئات المختلفة من الأمة لتدخل هذه المعركة بقوة، فيجب العلم أن عقول الناس تتفاوت وبالتالي عاطفتهم في المعركة ستختلف وحتما مراتبهم ستختلف ، مثلا في إطار دفع المعتدي قال صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) ، وفي رواية : “من قتل دون مظلمته فهو شهيد“فوضع “الدين” بين المال والأهل والدم والمظلمة. بعض الناس حدود عقله أن يدرك الاعتداء على ماله ويُستفز له، فيجب تحريكه بذلك، ويقال له: من قتل دون ماله فهو شهيد ، وبعض الناس عقله يدرك الاعتداء على أهله وعرضه فيجب تحريكه بذلك، ويقال له : من قتل دون أهله فهو شهيد ، وبعض الناس عقله يدرك الاعتداء على دينه ولا يرى في المعركة غير ذلك فيجب تحريكه بذلك، ويقال له: من قتل دون دينه فهو شهيد ، وبعض الناس عقله يدرك الاعتداء على روحه وحياته وأن دمه قد صار أرخص شيء عند النظام فيجب تحريكه بذلك يقال له: من قتل دون دمه فهو شهيد ، وبعض الناس يدرك أنه مظلوم بصورة عامة، مسلوب الحقوق، والكرامة، ولا يفهم أكثر من ذلك، فيجب تحريكه بذلك ويقال له: من قتل دون مظلمته فهو شهيد . وبعض الناس يدرك المعركة كاملة تامة بكل أبعادها، فهو يتحرك مرتبا أولوياته لدينه ودمه وعرضه وماله وكل مظالمه، ويعرف أن الدفع مرحلة، وبعد الدفع سيكون هناك مرحلة أخرى يجب الإعداد لها، فهذا الوعي هو ما يجب أن يصل إليه الناس أثناء الحديث عن الثورة ومقاومة فساد هذا الواقع، ولكن في كل الأحوال فيجب أن يقال للناس أينما أدركتم أن النظام يعتدي على شيء مما سبق فلستم معذورين في ألا تقاوموه وتواجهوه، قاوموه على كل حال وبأقل شيء تدركونه وأنتم بإذن الله إن قتلتم شهداء، فقط أخلصوا نيتكم لله، وقاوموه على قدر عقولكم . الوعي والحماسة ولذلك في مقام الحماسة والتحريض الثوري على التغيير والذي يجب تحريك فيه كل شخص بما يستوعبه، يجب أن تتنوع الأحاديث فيه عن دوافع المقاومة سواء بالحديث مرة عن الدم ومرة عن المظالم الأخرى بأنواعها مرة عن الكرامة والعرض ومرة عن المال والحقوق المسلوبة ومرات عن الدين، أما في مقام الوعي وصناعته خاصة مع الطليعة الثورية من الشباب متوسط الثقافة فنحن نحاول أن نعطي له صورة كاملة عن المعركة من أولها لآخرها ومن كل جوانبها وكل مراحلها، فلا الوعي وحده يكفي لتحريك كل الجماهير، ولا العاطفة الحماسية العفوية وحدها ستكفي للحسم، المعركة لها ركنان كبيران مع أركان أخرى أيضا، وهما: (الوعي والحماسة).