"لم أصدق أن أراها في السجن ولو ليوم واحد، ولم أكن أتخيل أن ترتدي اللون الأبيض إلا يوم زفافها". كان هذا بعضا من كلمات والدة الطالبة إسراء الطويل، التي اختفت بصحبة اثنين من أصدقاءها أوائل يونيو الجاري، والتي أجرت معها شبكة (دويتشه فيله) الألمانية لقاءا ضمن تقرير مطول لها ، ترجمه مصر العربية، عن عمليات الإخفاء القسري والاختطاف التي تمارسها السلطات المصرية حاليا بحق معارضي النظام. وتقول دويتشه فيله: السلطات المصرية تقمع بشكل متزايد النشطاء والطلاب، حيث اعتُقِل المئات في الأشهر الأخيرة واختفى العشرات. عندما اختفت إسراء الطويل دون أثر، قالت شقيقتها دعاء إنها أدركت فورا ما ينبغي عليها فعله ففي اليوم التالي، مزقت جميع الصور التي كانت تزين غرفة شقيقتها إسراء. و بعد ثلاثة أسابيع، بدأت دعاء (22 عاما) تتصفح هاتفها النقال وتقلب بين صورها، وأشارت إلى عدة صور لشقيقتها وهي تبتسم إلى الكاميرا وتضحك وتحتضن زملاءها. وقالت دعاء: "إن ما فعلته كان طبيعيا حينما يختفي أحد أقاربها أو أصدقاءها حيث نحاول إخفاء الكثير من الأشياء التي يمكن أن تشير لأبعاد شخصية المختفي". وتابعت "خلاف ذلك، فإن خدمات المخابرات قد تقرر اختطاف أي شخص آخر يظهر في الصور، وقد تم اعتقال عشرة من معارفها وثلاثة من أصدقاءها في الأشهر الأخيرة". الإخفاء والاعتقال "أداة منهجية" واليوم في مصر، أصبحت عمليات الاختطاف والإخفاء أمرا شائعا، بحسب نشطاء حقوق الإنسان، وقال المحامي الحقوقي مختار منير "إن الاختطاف والإخفاء أصبحت أدوات منهجية للنظام وحكومة عبدالفتاح السيسي التي ترهب أي شخص قد يعارضها". وأضاف "الفترة التي نعيشها حاليا أشبه بالفترة التي عاشتها الأرجنتين" .. في إشارة منه إلى ممارسات المجلس العسكري السابق في إخفاء النشطاء خلال الحكم العسكري للبلاد. وأعرب منير عن اقتناعه بأن النظام قد أعد قائمة سوداء بأسماء النشطاء بما فيهم ناشطو ثورة يناير 2011 وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وحتى الصحفيين المستقلين فكريا، وأنه كان واضحا من الطريقة التي يتم من خلالها القبض على واعتقال الأشخاص، لاسيما الشخصيات السياسية المعروفة جيدا، وهذا يظهر أنهم يعملون وفقا لاستراتيجية. منير، الذي يعمل في مؤسسة حرية الفكر و التعبير، أشار إلى أن الهدف هنا هو أن يتم تخويف الناس والتأكد من أنها بقوا بعيدين عن أي نوع من النشاط السياسي، مضيفا أنه تم اعتقال معظم الطلاب والناشطين بتهم ملفقة، وفي كثير من الأحيان بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي، والتي صنفها النظام الحالي مؤخرا جماعة إرهابية. ويتساءل منير: هل كان أي شخص آمن؟ نعم، من توفوا هم الآمنون. اعتقال المئات من غير الواضح تحديدا عدد النشطاء والطلاب الذي ألقي القبض عليهم في الأشهر الأخيرة، ووفقا لأرقام أعدتها حملة " الحرية للجدعان" فقد تم اعتقال ما لايقل عن 600 طالب منذ أكتوبر الماضي واختفى قرابة 163 آخرين منذ مايو الماضي، مقارنة ب 260 شخصا اختفوا منذ أغسطس عام 2013. وفي حين أن البعض قد أفرج عنهم، لا يزال كثيرون يقبعون في السجون، ويأتي هذا في الوقت الذي حُكِم على المئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام في محاكمات جماعية في الأشهر الأخيرة. ولم تستطع الشبكة التأكد بشكل مستقل من تلك الأرقام، بالنظر إلى أن عدم وجود أرقام حكومية رسمية، وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية الأسبوع الماضي، رفض مسؤول في وزارة الداخلية المصرية مزاعم الإخفاءات القسرية التي تقوم بها الدولة واصفا تلك المزاعم ب "الزائفة التي لا أساس لها". لكن نشطاء حقوقيين آخرين أجرت معهم الشبكة مقابلات اتفقوا على أن عدد المعتقلين في تزايد وأن هناك زيادة في عدد النشطاء الذين يتم اعتقالهم من منازلهم في منتصف الليل، ويشير البعض إلى أن السبب وراء ذلك قد يكون الذكرى الثانوية الثانية للانقلاب على مرسي أول يوليو والتي قد تتأجج خلالها احتجاجات مناهضة للحكومة. ويتفق جميعهم على أن المعتقلين ومن ألقي القبض عليهم بتهم ملفقة، لا تزال لديهم فرصة قليلة ليحظوا بمحاكمة عادلة داخل النظام القضائي المصري المعروف بفساده. حليم حنيش محامي إسراء الطويل أعرب للشبكة عن اقتناعه بأن موكلته ظهرت لأول مرة منذ اختفاءها بعد 17 يوما، لأن عائلتها نجحت في شن حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعية التقطتها فيما بعد وسائل الإعلام، ويرجح حنيش أن يكون الاهتمام الإعلامي حال دون تعرض إسراء للتعذيب أو المعاملة السيئة داخل السجن. الآخرون أقل حظا: فالأمر تطلب شهرا لإيجاد أحمد غنيم، الطالب بجامعة القاهرة والذي تم اختطافه من قبل قوات الأمن أوائل مايو الماضي .. وفقا لوالده مصطفى الذي تحدث إلى الشبكة عبر الهاتف. ومن المرجح أن يخضع أحمد، الذي اختطف أخوه العام الماضي ايضا، لمحاكمة في محكمة عسكرية بتهم التجسس والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. وتابع والد أحمد "لقد اختطف لأنه كان ضد من في السلطة". ولا يزال السبب وراء اختطاف إسراء غير معلوم، وتصفها عائلتها بأنها إنسانة طيبة القلب ومصورة حرة لطالما حلمت بالسفر حول أوروبا، وبشهادات الجميع فقد تركت النشاط السياسي بعد أن تعرضت لإطلاق نار وأصيبت إصابة بالغة أثناء قيامها بتغطية أحداث فض اعتصام رابعة في 2013 عندما أقدمت قوات الأمن على اقتحام معسكرات اعتصام المعارضين للانقلاب على مرسي. أفراد عائلة إسراء نفت بشكل قاطع أنها كانت عضوة أو حتى مؤيدة للإخوان المسلمين، لكنهم اعترفوا في الوقت نفسه أن أصدقاءها ربما يكونوا متعاطفين مع الجماعة. وتقول والدتها وهي تجلس على سريرها: "لم أصدق أن أراها في السجن ولو ليوم واحد، ولم أكن أتخيل أن ترتدي اللون الأبيض إلا يوم زفافها" .. في إشارة منها إلى الزي الرسمي للسجناء المصريين. وأضافت والدة إسراء "لن نستسلم حتى يتم إطلاق سراح ابنتي"؟؟ وتكمل دعاء حديث والدتها بالقول: "أو حتى يتم اعتقالنا جميعا".