خرج علينا موقع ويكيليكس في 19 يونيو 2015 بدفعة أولى من وثائق مُسرّبة عن وزارة الخارجية السعودية، بلغت جملة وثائق هذه الدفعة نحو 70 ألف وثيقة، على وعد بأن يصل عدد الوثائق المنشورة إلى نصف مليون. تكشف في جملتها التحرك السعودي الخارجي بشكل أساسي، عبر مراسلات سريّة من السفارات السعودية حول العالم، وبخاصة في دول بالشرق الأوسط. تضمنت التسريبات أيضًا وثائق مُتعلّقة بمصر خلال الفترة من بعد 25 يناير 2011 وللآن. ومن المعروف أنَّ الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز كان أحد داعمي تحرُّك الجيش المصري في 3 يوليو ضد الرئيس السابق محمد مرسي. ورغمَ أنَّ العديد من المراقبين والمحللين يقولون أن الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز يختطُّ خطًا مغايرًا لسابقه في سياسته تجاه مصر، إلا أنَّ الوثائق تظلُّ مرحلةً هامة في التحليل والوصول لبعض الحقائق. وانطلاقًا من هذه الوثائق سنحاول صُنع صورة كاملة من فسيفساء التسريبات إجابة على السؤال الذي أرهقته التحليلات المٌفتقدة إلى المعلومة الكاملة؛ سؤال: لماذا وكيف حدث انقلاب الثالث من يوليو 2013؟ أولًا: موقف السعودية من الثورة المصرية عبر حُسني مُبارك موقف المملكة العربية السعودية من ثورات الربيع العربي معروف وواضح، ومن هذا موقفها من ثورة 25 يناير، وتحديدًا من الرئيس المخلوع محمد حُسني مُبارك. بدورها تؤكد الوثائق المسربة ما هو معلوم بالضرورة، مع كشفها لبعض تفاصيل تعاطي المملكة مع قضية مُحاكمة مبارك، والتي يبدو أنّها كانت قضية أساسية على أجندتها الخاصة بالشأن المصري، نقصد تحديدًا رفضها الشديد لإتمام المحاكمة، فضلًا عن القضاء عليه بحكم سوى البراءة. وبالجملة، فإن التحليلات التي تناولت الوقوف الراسخ للسعودية في وجه الربيع العربي، وسعيها الحثيث للعودة بدوله إلى المنطقة صفر؛ تعددت بين من يُرجع موقفها إلى خوفها من امتداد “رياح التغيير” إليها، وبين من يتحدث عن محاولتها حفظ الحد الأدنى من مصالحها في تلك الدول وعلى رأسها مصر، بخاصة وأن موقفها من التغيير في سوريا لم يكن كما هو في مصر أو تونس، وكذا موقفها من الثورة الليبية رغم ترددها إزائها. وعلى كل حال فمن المعلوم أيضًا علاقات الصداقة القوية التي بناها مُبارك بين نظامه ومؤسسة الحكم في المملكة، والتي أوضحت الوثائق طبيعتها. الوثيقة السابقة والمعنونة ب”سرّي للغاية” تكشف عن محاولات من قبل دول الخليج (دون تحديد)، للإفراج عن حُسني مُبارك، ويبدو منها أنّ تلك المحاولات كانت في بدايات عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وكانت عبر وساطة مسؤول مصري (مجهول)، تحدّث إلى خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين. برقية أخرى معنونة ب”سرّي”، صادرة بتاريخ هجري 9 رجب 1433 (30 مايو 2012) من السفارة السعودية في أبوظبي للخارجية السعودية في الرياض، تكشف عما أسمته بملاحظتها لميل الإمارات إلى أحمد شفيق في انتخابات الإعادة بينه وبين محمد مرسي، وعللت البرقية ذلك، بأن أحمد شفيق يعد واحدًا من رموز الدولة إبان حكم حسني مبارك “الذي لاقى حكمه تأييدًا كبيرًا من دولة الإمارات”، بحسب نص البرقية المُسرّبة. كما تكشف البرقية عن ضعوط كبيرة مارستها الإمارات على المجلس العسكري في الفترة اللاحقة لثورة 25 يناير، حتى لا تتم محاكمة مبارك. ثمّ تعرض لحدوث ما أسمته بانفراجة في العلاقات بين مصر والإمارات خلال وزارة عصام شرف، لكنّ ما لبثت أن عادت التوترات بين البلدين على خلفية تصريحات ليوسف القرضاوي، الذي وصفته البرقية بأنه “محسوب على جماعة الإخوان المسلمين”. في الحقيقة لا يوجد في الوثائق (أو ما وصلنا إليه) ما يكشف عن تحرّك صريح من قبل المملكة ل”إجهاض” مُكتسبات الثورة المصرية، سوى سعيها لتفادي مُحاكمة مبارك ولو كلّفها ذلك مليارات الدولارات. هذا، وتُحيلنا الوثيقتين السابقتين إلى قطعة مهمة من فسيفساء الثالث من يوليو 2013، ودور المملكة العربية السعودية فيه، وهي طبيعة العلاقات بين المملكة وبين جماعة الإخوان المسلمين، على ضوء تلك التسريبات.