منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 قامت الماكينة الإعلامية للانقلاب بشن حملة منظمة تشرف عليها وتقودها أجهزة سيادية تقوم بصناعة وترويج أساطير وأوهام سياسية، وذلك من أجل تحويلها إلى حقائق يتداولها الناس باعتبارها مسلمات وذلك من أجل تبرير فاشية النظام الحالي وطمس جرائمه. وهي الأساطير والأوهام التي يبثها الإعلام المصري بكافة أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة على مدار الأربع والعشرين ساعة دون توقف فيما يشبه حملة ممنهجة "لغسيل المخ". فى حين أن الواقع يكشف عن مدى تهافت هذه الأساطير وزيفها. وهنا يمكن الإشارة إلى خمس من الأساطير السياسية التي تهيمن على الفضاء العام فى مصر ويجري صناعتها وترويجها ليل نهار. أول هذه الأساطير هي أن ثورة 25 يناير كانت "مؤامرة" حيكت بليل وتورطت فيها جماعات وقوي وشخصيات محلية بمساعدة دول وأجهزة استخباراتية دولية. وهى الأسطورة التي يجرى تحت عباءتها التخلص وتطهير أي معارضة للوضع القائم، واستخدامها كفزاعة لتخويف المعارضين ومنعهم من توجيه النقد أو الاختلاف مع ما تراه السلطة القائمة. وهى أسطورة متهافتة لأسباب عديدة ليس أقلها أن من يروجونها كانوا فى وقت من الأوقات جزء من الثورة مثل بعض الإعلاميين والسياسيين والناشطين. فالأمر لا يقتصر على "فلول" وبقايا نظام مبارك وإنما أيضا بعض معارضيه الذين يستخدمون حديث المؤامرة للمزايدة على الانقلابيين. ثاني الأساطير وأكثرها تهافتها هي أن السيسي هو "المنقذ" لمصر من الضياع. وهى الأسطورة التي مثلت الخلفية الأساسية لانقلاب 3 يوليو حين قام الإعلام الرسمي والخاص بتصوير الجنرال عبد الفتاح السيسي باعتباره الشخص "الذي أنقذ مصر من حكم الإخوان" وأنه الشخص الوحيد القادر على فرض الأمن وتحقيق الاستقرار. الآن سقطت هذه الأسطورة، فلا استقرار ولا أمن قد تحقق رغم ارتفاع معدل القمع والبطش. أسطورة "السيسي-المنقذ" يفضحها الواقع. فمعدل العنف والقتل منذ انقلاب يوليو وحتى الآن لم يحدث فى تاريخ مصر الحديث. كما أن البلاد لم تشهد أي نوع من الاستقرار أو الهدوء، بل على العكس ازداد الانفلات الأمني وزادت معدلات العنف، وفقدت الدولة الكثير من هيبتها أمام هجمات الجماعات الراديكالية التي توجه ضربات قوية للجيش والشرطة. ومن المفارقات أن من يدافعون عن هذه الأسطورة لا يدركون أن وصول السيسي للسلطة كان كفيلاً بإنهاءها. الأسطور الثالثة هى أن "السيسي" سوف يخلص مصر من التبعية لأميركا إن لم يكن سيتصدي لها ويتحداها. وهى أسطورة متهافتة تنقضها ليس فقط تصريحات السيسي المتكررة التي يستجدي فيها أميركا قولاً وفعلاً، وإنما أيضا لأنه ومعه وزير الدفاع الجديد صبحي صديقي يمثلان طليعة الجيل الحالي من كبار القادة العسكريين المصريين الذين تلقوا تعليمهم ودراستهم العليا فى الولاياتالمتحدة ويتمتعان بعلاقات قوية مع البنتاجون وأجهزة الاستخبارات الأمريكية وغيرها من مؤسسات الأمن القومي. ويبدو أن عكس هذه الأسطورة هو الصحيح، فالسيسي يعد الشخص المثالي بالنسبة لأميركا لقيادة مصر فالرجل مستمع ومنفّذ جيد للأجندة الأمريكية حول الفوضي الخلاقة في المنطقة. أما الأسطورة الرابعة وهي بمثابة الوجه الأخر للأسطورة السابقة أن الولاياتالمتحدة تدعم جماعة "الإخوان المسلمين". وهى أسطورة ليست فقط ساذجة وإنما أيضا تعبر عن جهل حقيقي وتكذبها الأسطورة السابقة. وقد وصلت هذه الأسطورة فى أذرع السيسي الإعلامية إلى الحد الذي جرى فيه اتهام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانتماء لجماعة الإخوان، وقد كان ذلك عنوانا عريضا لصحيفة "الوفد" بعد انقلاب يوليو. وناهيك عن عدم وجود أي دليل يدعم موقف من يروجون لهذه الأسطورة المتهافتة، فإن هناك الكثير من الدلائل التي تثبت عكسها. فمن جهة فإن الولاياتالمتحدة تخلت عن محمد مرسي رغم أنه كان أول رئيس مدني منتخب فى مصر بطريقة نزيهة وديمقراطية. كما أنها لم تسم عزله من قبل وزير دفاعه انقلابا رغم وضوح ذلك. ومن جهة ثانية، فقد كانت المرة الأولي التي لم يعتبر فيها رئيس أمريكي مصر حليفا استراتيجيا في عهد محمد مرسي وذلك حين وصف أوباما العلاقات مع مصر باعتبارها علاقات مع دولة "ليست عدو أو صديق". ومن جهة ثالثة، وحسب بعض المصادر فقد كان البيت الأبيض يتهرب ويتجنب تحديد موعد للقاء مرسي مع أوباما عندما كان في السلطة. ومن جهة أخيرة فإن واشنطن لم تمارس أي ضغط حقيقي على جماعة الانقلاب من أجل دمج جماعة الإخوان فى العملية السياسية واستسلمت لفاشية السيسي بعزل وإقصاء الإخوان. ولم يكن غريبا أن يكون قرار الإفراج عن الجزء الذي تم تجميده من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر قبل مرتبط بأمرين هما الحفاظ على السلام مع إسرائيل ومحاربة الإرهاب دون أي حديث يذكر عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان فى مصر. أما الأسطورة الخامسة والأخيرة فهى استقلالية وحياد القضاة فى مصر. وهى أسطورة ليست فقط تناقض الواقع وإنما أيضا يتم استخدامها كسيف على رقاب كل من ينتقد تسييس القضاة أو التعليق على أحكامهم رغم عدم معقوليتها. ويكفى لنقض هذه الأسطورة مراجعة سجل المحاكمات والأحكام القضائية والإعدامات التي صدرت طيلة الشهور الماضية وأخرها حكم الإعدام على مرسي وقيادات الإخوان. ورغم كل ما سبق، فإن "شعب السيسي" يبدو مستمتعا بهذه الأساطير ولا يزال يصدقها وذلك أجل تبرير جرائم العسكر والإبقاء علي حكمهم كونهم شركاء فيها بالتأييد والتحريض.