أعلن محافظ البنك المركزى المصرى وصول الودائع الخليجية ، البالغ مجموعها 6 مليار دولار من دول السعودية والامارات والكويت ، يوم الاربعاء 22 ابريل الحالى إلى عدد من الأمور . أولها : أن قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزى ، التى بلغت 3ر15 مليار بنهاية شهر مارس الماضى سترتفع افتراضيا الى حوالى 3ر21 مليار دولار ، أى ما يغطى قيمة الواردات السلعية لنحو أربعة أشهر ، إلا أنه من المتوقع أن ينخفض الرقم عن ذلك ، عند اعلان بيانات الاحتياطى بنهاية الشهر . وذلك فى ضوء الضخ الذى يقوم به البنك المركزى المصرى ، للاستجابة لاحتياجات المستوردين المصريين من العملات الأجنبية ، وكذلك تدبير الاحتياجات الدورية للسلع التموينية الحكومية من استيراد القمح والزيوت النباتية ، وسداد قيمة استيراد الغاز الطبيعى ، والمشتقات الأخرى مثل السولار والبنزين والمازوت والبوتوجاز . الى جانب سداد ديون شركات البترول الأجنبية وأقساط وفوائد الدين الخارجى ، وربما إعادة مبالغ دولارية تم اقتراضها من البنوك العامة أو الخاصة . وهنا لابد من الإشارة الى أن قيمة الودائع الخليجية البالغة 6 مليار دولار ، لا تكاد تغطى قيمة الواردات السلعية التى بلغ متوسطها الشهرى خلال العام الماضى 3ر5 مليار دولار ، فما بالنا بتغطية باقى الاحتياجات من النقد الأجنبى لتغطية الواردات الخدمية والتحويلات للخارج والاستثمار بالخارج بنوعيه المباشر غير المباشر . ثانيا : على الجانب الآخر من المتوقع أن يزيد الدين الخارجى بنفس قيمة الودائع الخليجية ، ليرتفع من حوالى 5ر41 مليار مليار دولار فى آخر ديسمبر الماضى ، الى حوالى 5ر47 مليار دولار ، وكما ذكر محافظ البنك المركزى أن هناك فوائد لتلك الودائع بنسبة 5ر2 % . وهى نسبة عالية فى ضوء معدلات الفائدة الدولية الحالية التى تقل عن ذلك كثيرا ، كما تتراوح آجال تلك الودائع ما بين ثلاث الى خمس سنوات ، وبالطبع فإن تلك الفوائد ستنعكس على زيادة أعباء فوائد الدين الخارجى . ثالثا : أن مدلول الودائع بتلك الفوائد العالية ، يعنى انحسار التوجه الخليجى الذى ظهر بعد مرحلة الثالث من يوليو 2013 ، بالإغداق على النظام المصرى بالمنح والمعونات التى جاءت فى صورة منح بترولية أو نقدية ، لتنخفض تلك المعونات تدريجيا ، والتى بلغت قيمتها 5ر14 مليار دولار خلال عام ونصف من الانقلاب . وهو ما تأكد خلال اعلان قيادات الدول الخليجية الثلاث السعودية والامارات والكويت ، عن مساندتهم للنظام المصرى خلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ والبالغة 12 مليار دولار ، لتتوزع المساندة ما بين الاستثمارات والودائع ، دون أن تتضمن أى قدر من المنح أو المعونات ، وهو نفس الِشىء بالنسبة لما أعلنته سلطنة عمان بتقديم خمسائة مليون دولار ما بين الودائع والمنح على مدار خمس سنوات . رابعا : كما أن توقيت وصول الودائع الخليجية معا ، يشير الى التنسيق بين الدول الخليجية ، وتأخر وصولها الى ما بعد خمسة أسابيع من انتهاء المؤتمر الاقتصادى ، رغم توقع محافظ البنك المركزى المصرى ومسؤلين اقتصاديين بالحكومة وصولها قبل ذلك ، يشير ذلك الى ارتباط ارسال الودائع بما يدور فى اليمن والحاجة للمساندة المصرية . فى ضوء رفض باكستان ارسال قوات الى اليمن لمشاركة الخليجيين حربهم بها ، ورفض الولاياتالمتحدة لتسليح القبائل اليمنية خشية وقوع تلك الأسلحة فى يد المنتمين لتنظيم القاعدة هناك ، وفشل عاصفة الحزم فى اعادة الرئيس هادى منصور الى موقعه ، والاضطرار الى اعلان وقف العاصفة لتقليل نزيف نفقاتها ، فى ضوء انخفاض أسعار البترول ، والاضرار الى اللجوء الى الاحتياطى السعودى من العملات الأجنبية . خامسا : وهكذا يتضح أن الودائع الخليجية لتعزيز الاحتياطيات بالبنك المركزى المصرى ، هو أسلوب سبق لهم اتباعه فى لبنان لدعم موقف الحكومة اللبنانية ضد نفوذ حزب الله الشيعى . حتى بلغت الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزى اللبنانى بنهاية العام الماضى 7ر34 مليار دولار ، لكنه على الجانب الآخر ارتفعت الديون الأجنبية للبنان بنفس التوقيت الى 8ر83 مليار دولار ، أى أكثر من ضعف الاحتياطى . وهو نفس الأمر فى مصر بافتراض بلوغ الاحتياطى نظريا بعد الودائع الخليجية 3ر21 مليار دولار ، فسوف ترتفع الديون الخارجية لمصر الى 5ر47 مليار دولار أى أكثر من ضعف الاحتياطى . ويظل السؤال أنه فى ضوء احتياج دول الخليج لمشاركة مصر فى حرب اليمن ، التى لم تتوقف رغم الاعلان عن انتهاء عاصفة الحزم ، هل يمكن أن تعيد مد النظام المصرى بالمعونات ؟ ، ولكن تعدد المخاطر الى تواجهها دول الخليج كفيل بالاجابة ، فهناك مخاطر ايرانية ازدادت مع قرب توقيع الاتفاق النهائى النووى ، ومخاطر الدولة الاسلامية بالعراق وسوريا القريبة من الحدود السعودية ، ومخاطر الحوثيين باليمن . سادسا : ولكن هل تحل الودائع الخليجية البالغة 6 مليار دولار مشاكل الاقتصاد المصرى ؟ ولعل نظرة سريعة الى ميزان المدفوعات المصرى خلال العام الميلادى 2014 . تشير الى بلوغ المدفوعات المصرية من العملات الأجنبية خلال العام 83 مليار دولار ، بمتوسط شهرى 6 مليار و928 مليون دولار ، أى أن الودائع الخليجية لا تغطى احتياجات شهر واحد من العملات الأجنبية . وبما يشير الى أن حل مشاكل الاقتصاد المصرى يعتمد على الحل الداخى من خلال تعزيز موارد العملات الأجنبية من الصادرات السلعية والخدمية والتحويلات والاستثمار الأجنبى ، فهذا وحده هو الكفيل بالعلاج . وقد يساعد وصول الودائع الأجنبية على استقرار سعر صرف الدولار لبضعة أسابيع ، لكنها غير كافية لتحقيق الاستقرار لسعر صرف الدولار ، لأن الاستجابة لمتطلبات المستوردين كاملة تعنى نفاذ قيمة تلك الودائع الخليجية خلال شهر واحد . وبما يعنى أن البنوك لن تتمكن عمليا من الاستجابة لكامل احتياجات المستوردين من النقد الأجنبى ، وبالتالى استمرار الضغط على سعر الصرف رغم ماقام به البنك المركزى من خفض لقيمة الجنيه خلال شهرى فبراير ومارس الماضيين . وبمقارنة تلك الودائع الخليجية بقيمة أحد موارد النقد الأجنبى خلال عام 2014 ، سنجد أن حصيلة تحويلات المصريين بالخارج البالغة 3ر19 مليار دولار ، تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الودائع الخليجية ، أى أن المواطنين البسطاء العاملين بالخارج قد أرسلوا لبلدهم ثلاثة أضعاف الودائع الخليجية ، وبلا مقابل بينما الودائع الخليجية بفائدة ، وسوف يتم ردها خلال ما بين ثلاث الى خمس سنوات .